نحو تنمية شاملة محابية للفقراء
د.عبدالواحد العفوري


د.عبدالواحد العفوري –

جاء اعلان الامم المتحدة عن الاهداف الانمائية للالفية في سبتمبر2000 مراجعة مفصلية واعترافا ضمنيا بفشل ماعرف ببرامج التثبيت والتصحيح الهيكلي التي فرضت من قبل الصندوق والبنك الدوليين على البلدان النامية الفقيرة كشرط اساسي للحصول على بعض من حاجتها من التمويل الخارجي في هيئة عون انمائي مقدم بشروط ميسرة من الدول المانحة وقد بنيت تلك البرامج للاصلاح الاقتصادي على اساس ان تحقيق الكفاءة الاقتصادية في تخصيص الموارد في الدول المستقبلة للعون الانمائي سيقود الى تحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي وفقا لنموذج السوق الحرة النيوليبرالي وبحيث ان معدلات النمو المرتفعة ستؤدي “تلقائيا” الى خفض الفقر في هذه البلدان وبهذه الطريقة ستشق هذه البلدان طريقها للخروج من دائرة الفقر والتخلف !.
وقد تطلب الامر ضياع عقدين من عمر التنمية هما عقدا الثمانينات والتسعينات عانت فيها البلدان النامية الفقيرة مزيدا من الفقر والتخلف والاضطرابات وتعمقت الانقسامات في مجتمعاتها راسيا وافقيا ووجهت تلك البرامج ضربات قاسمة لمفاهيم العدالة الاجتماعية والمساواة والانصاف وللحقوق بصورة عامة وتغول الفساد بصورة غير مسبوقة حتى اصبح ثقافة ترعاها وتكرسها النخب الحاكمة وتشكلت روابط وقامت تحالفات ظاهرة ومسستترة بين النخب السياسية والعسكرية والبزنس احكمت سيطرتها على شعوب هذه البلدان مستعينة باسماء مستعارة مزيفة وممارسات في غاية الشكلية لمفاهيم “الحرية” و” الديقراطية ” و”حقوق الانسان” في عملية استرضاء مفضوحة “للمجتمع الدولي” وتحديدا مجتمع المانحين فاصبحت اموال المساعدات الانمائية بدلا عن وجهتها المستهدفة تذهب لتعزيز سطوة انظمة فاسدة ومستبدة بينما المانحون يغضون الطرف عن كل هذا في مقابل خضوع تلك الانظمة و اخضاعها مجتمعاتها لبرامج التثبيت والتصحيح الهيكلي كعنوان لولائها لنموذج اقتصاد السوق الحرالنيوليبرالي وعلى كل حال فقد كان الامر برمته يصب باتجاه اخرغيرالذي كان يبدو عليه في الظاهر ومما يمكن ملاحظته بسهولة ووضوح هو أن ذيول “العقود الضائعة للتنمية” لاتزال مستمرة بهذا القدراوذاك وهي تلقي بظلالها على الكثير من اوجه “العمل التنموي” في البلدان النامية وخصوصا مايتعلق بتعطيل دور العقل وانتاج الفكر التنموي الوطني الملائم للخصائص الوطنية والمحلية لكل من هذه البلدان واستمرار انغماس الكثير من “سياسيي” و”اقتصاديى” هذه البلدان وتقوقعهم ضمن اطر مفاهيمية ايدلوجية مستهلكة ومهترئة في ما يتعلق برؤيتهم للتعامل مع التحدبات التنموية التي تواجهها بلدانهم اضافة الى شيوع روح التواكل والاعتماد على مايأتي من حلول جاهزة من الخارج الى جانب التشوهات المتشعبة والفشل المتراكم على كل صعيد واليمن بالطبع ليست استثناء عن ماتقدم ان لم تكن” النموذج” الاكثرسوءا مما ذكر.
لقد جاءت صياغة الاهداف الانمائية للالفية مرتكزة على محورية خفض الفقر باعتباره التحدي رقم واحد بلا منازع و الهدف الاستراتيجي الاول للدول النامية (مع العلم ان الفقر خلال العقود الاخيرة تجاوز حدود البلدان النامية ليتحول الى ظاهرة عالمية بامتياز وربما ان هذه من “ثمار” الاندماج الاقتصادي العالمي !) ومن هنا كان اعتماد نصيب ال 20% من السكان في الانفاق الاستهلاكي كواحد من اهم المؤشرات التي يتم من خلالها الحكم على مقدار التقدم المنجز صوب تحقيق هذا الهدف الامر الذي يبرز بوضوح التبدل الجوهري الذي حملته الرؤية الجديدة مقارنة بالنموذج الذي اطلقت على اساسه برامج التثبيت والتصحيح الهيكلي فمن مركزية زيادة معدل النمو الى مركزية توزيع ثمار هذا النمو ومن تنمية لصالح ال 1% او 5% او حتى ال 20% الى تنمية تخدم ال 99% او 95% او على اقل تقدير ال 80% واخيرا من تنمية تركز على فعالية البشر كأدوات في زيادة امكانات الانتاج اي كاداة ووسيلة انتاج الى تنمية يصبح فيها الانتاج مجرد وسيلة لتحقيق هدف اخر اكثر نبلا هو حرية ورفاه الانسان.هذا من جانب ومن جانب اخر فان الرؤية التي جاءت بها الاهداف الانمائية للالفية تنطلق من منظور واسع يستوعب الابعاد المتعددة لظاهرة الفقر وهو منظور جاء كثمرة للمدخل الشامل لدراسة الظاهرة والبحث عن الحلول الناجعة لها وكترجمة للحقيقة العلمية بان المقدمات تحدد مسار النتائج فان التصدى لظاهرة الفقر المركبة والمتشعبة والمتداخلة ليس ممكنا ولامجديا من دون عملية تنمية بمسارات متعددة اقتصادية اجتماعية ثقافية وبيئية وهو مااستدعى بذل الجهود (بصورة خاصة الجهود المبذولة من قبل البرنامج الانمائي للامم المتحدة )لنحت وتشكيل
