الشعرية والشعر في رواية (الملكة المغدورة)
إبراهيم أحمد ثابت

إبراهيم أحمد ثابت –
تنوعت دراسات الباحثين واجتهاداتهم في دراسة الأجناس الأدبية وتباينت آراؤهمحتى وصلت جهودهم إلى بناء نظرية الأجناس الأدبية في الأدببداية من سقراط وأفلاطون إلى أرسطو ومن جاء بعدهم من المنظرين والنقاد والفلاسفة والمدارس الكلاسية والرومانسية وكل تناول هذه الدراسات حسب التوجهات والأيديلوجيات .والتي أنتجت لنا آراء وإتجاهات متباينة أومتقاربة .
فقضية الأجناس الأدبية قضية قديمة تمتد جذورها منذ نشوء الأدب وقد ظهرت دراستها دراسة نقدية في عهد أرسطو في كتابه (فن الشعر) وقيل إلى أفلاطون فكلاهما ميز بين الأجناس الأدبية عن طريق مبدأ المحاكاة . فالآثار الأدبية المقصود منها الشعريةـ التي يتكلم فيها المؤلف أو الشاعر عن نفسه هي شعر غنائيأما الآثار الأدبية التي تتكلم فيها الشخصيات لوحدها أو التي يختفي المؤلف وراء شخصياتها فهي دراما بينما الآثار الأدبية التي يحق الكلام فيها للمؤلف والشخصيات في آن واحد فهي ملحمة(1).
فالرواية تعد نصا جامعا للفنون يمثل بوتقة تنصهر فيها الكثير من الأنواع والأجناس معبرة عن طبيعتها بالأساس يقول ميشيل زيرافا :” الرواية تقع فى رافد كل الأنواع(2).
ففي الخطاب الأدبي “تتساوى مصطلح الشعرية في الخطاب الأدبي مع مصطلح الأدبية في الشعر والسرد والدراما والفنون كافة بسبب تداخل الأجناس الأدبية وتصل الشعرية إلى مرحلة أعلى من الخطاب نفسه”(3)
فجاكبسون الذي يعد أبا الشعرية الحديثة حيث يحدده كفرع من فروع اللسانيات الذي عالج الوظيفة الشعرية في علاقاتها مع الوظائف الأخرى للغة وتهتم الشعرية بالمعنى الواسع للكلمة بالوظيفة الشعرية لا في الشعر فحسب حيث تهيمن هذه الوظيفة على الوظائف الأخرى للغة وإنما تهتم بها أيضا خارج الشعر حيث تعطي الأولية لهذه الوظيفة أو تلك على حساب الوظائف الأخرى للغة وإنما تهتم بها أيضا خارج الشعر حيث تعطي الأولوية لهذه الوظيفة أو تلك على حساب الوظيفة الشعرية كما يراها أن تكون عليه(4) فالرواية تشترك مع الشعر لأنها حريصة على أن تكون لغتها جميلة مليئة بالصور الشعرية ونجد أن تداخل الحدود بين الرواية والشعر ملمح عصري في الرواية الحديثة أفرد لها الباحثون دراسات مستقاة وبخاصة عند كتاب تيار الوعي (5)
وحينما نتتبع رواية “الملكة المغدورة “للروائي اليمني حبيب عبد الرب سروري نجد أننا نسير بين الشعر والسرد فهي لا تخلو من اللمسات البلاغية الرفيعة والأنيقة. بل يلاحظ قارئها مدى قدرة المؤلف على امتلاك لغة جميلة تلامس الشعر فتبدأ الشعرية في روايته من أول كلمة في الرواية يقول:” عبث ينخر المدينة ويجوس خلال شوارعها ويحاصرها من كل الجهات ويتحكم بكل شيء فيها وينتشر في كل مكان. وكانت هي ثمة مذبوحة من الوريد إلى الوريد بين يدي مدفونة دون ضريح ودون قبة ترفع دمها النازف وترقص عارية في تابوت شفيف تقبع تحت ثقله المدمر”(الرواية ص6). فهذه شعرية في لغتها وإنزياحها فهي تدهشنا في هذه الفقرة بما توفر فيها من إيقاع يدعم شعرية اللغة وقد نهض به قصر جملها وتعادلها وتكرار بعض ألفاظها .
وكذلك في هذا المقطع : “ثمة سر دفين يقطع العصور رفضا وجوهريا ولا مناص من جبروته”.(الرواية ص52).
ثمة من يدعو إلى العناية بلغة الرواية الحديثة تقربها من جماليات اللغة الشعرية حيث نجد من يؤكد على ذلك بقوله: “إننا نطالب بتبني لغة شعرية في الرواية ولكن ليست كالشعر ولغة عالية المستوى ولكن ليست بالمقدار الذي تصبح فيه تقعرا وتفيهقاونجده يوضح لنا ما طبيعة اللغة التي ينادي لها للرواية يقول: “إذا لم تكن لغة الرواية شعرية أنيقة رشيقة عبقة مغردة مختالة مترهيئة متزينة متغجرة لا يمكن إلا أن تكون لغة شاحبة ذابلة عليلة كليلة حسيرة خلقة بالية فانية وربما شعثاء غبراء”(8).وهذا ما لحظته ووجدته في هذه الرواية التي يمتزج فيها السرد باللغة الشعرية.
في الرواية نصوص شعرية للراوي وهي نصوص تخص النص ولا يعني بأي حال أنها من خارجه ونحن نعرف أن الرواي هو في الوقت نفسه شاعر له عدد من الدواوين الشعرية يقول:
“من كوخ طلاب الحياة
كوخ الوجوه السود شاحبة الجباه
سيدق ناقوس الحياة
وستخرس الأصوات أصوات القداسة والطغاة
وسيعود مفهوم الحياة
جدلا فلن نقبل رضوانه ولن نقبل رضاه”.(الرواية ص146).
وفي مقطع آخر في عتبة الجزء الثامن من الرواية يقدم لنا مقطعا شعريا-وإن أشار فيه انه مقتبس من كتابات عدنان-فعدنان هو السارد نفسه-لكنها تقنية يستخدمها السارد لكي يتيه القارئ يقول:
على جبل آمن ومعروف
عندما عدوت تلتهمين أصابعك في معمعان الجنون العام
قررت الغربان أن ترسم مظلة تحجب السماء
