النظام السياسي الذي نريده لليمن
د. فـــــــؤاد الصلاحي
د. فـــــــؤاد الصلاحي –
وإذا كانت الثورة قد استهدفت تغيير النظام السابق(السابق مجازا) بكل أزماته ومظاهره وشخوصه فإن الواقع الراهن يقول إننا لازلنا غير قادرين على التأسيس لدولة جديدة ونظام سياسي جديد فكل مقومات الماضي القريب والبعيد قائمة في حياتنا وتعيد إنتاج ذاتها عبر آليات متعددة داخلية وخارجية.
ولما كنا نعاني من أزمات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بل وأزمات في مظاهر التدين وسلوكياته ومع بروز مظاهر الانفلات الأمني والعسكري بل الفوضى العسكرية والأمنية وضعف فاعلية الدولة ومؤسساتها القانونية وبروز فاعلية الجماعات المتطرفة والجهادية مثل تنظم القاعدة فإن من أوجب الواجبات والأولويات السياسية إعادة الاعتبار للدولة وإكمال بناء مؤسساتها وتفعيلها مع التجديد في التشريعات والقوانين …. ولكن أي دولة نريد ¿ وما طبيعة نظامها السياسي ¿ القول الفصل هنا إننا نريد دولة وطنية مدنية في أفقها السياسي والثقافي تتأسس على مبدأ المواطنة وتكون دولة متعالية على التكوينات القبلية والمذهبية والطائفية لأنها دولة العموم وهذه الدولة الوطنية لن تتحق إلا إذا كانت دولة اتحادية تعتمد نظاما برلمانيا وقاعدة فيدرالية (تعدد الأقاليم) وهو الأمر الذي سيحفظ لليمن وحدتها (وحدة الجغرافيا والشعب) وسيعزز من حضورها الوطني والخارجي .
ومن هنا فإن أهم استحقاق للشعب ونضالاته لابد وأن يكون من خلال بناء الدولة المدنية التي تقوم على المواطنة وسيادة القانون هذه الدولة تتصف بكونها دولة إنمائية وليست ريعية وهي دولة تؤمن بالعلم وتمكين المرأة ومن هنا نؤسس لمرحلة جديدة من البناء السياسي والاجتماعي خاصة وان الحروب الأهلية السابقة (حرب صيف 94 وحروب صعدة الستة) خلقت شرخا عميقا في الهوية والشخصية الوطنية زد على ذلك أن الفساد وعدم تكافؤ الفرص ضاعف من فشل الدولة وتحويلها إلى مرتع لمراكز القوى حيث عملوا على الإمساك بالسلطة والثروة وإقصاء كافة المواطنين ..
وهنا ووفقا لكل التضحيات واتساقا مع مرحلة التغيير السياسي في عموم المنطقة العربية والعالم فإن الظروف الموضوعية والذاتية في اليمن تتاهب لاعتماد مسار سياسي جديد عنوانه الدولة المدنية والنظام البرلماني متعدد الأقاليم ..وهذا وحده كفيل بالحفاظ على وحدة اليمن أرضا وشعبا ووحده الكفيل بتحقيق المواطنة المتساوية من خلال دولة وطنية حديثة تتسع فيها مجالات المشاركة السياسية والتمثيل السياسي على مستويين المحلي/الإقليمي والمركزي/الوطني العام .
لا مجال لإهدار الوقت في حياتنا الراهنة لأن اليمن اليوم إن لم يتحرك لإعادة الاعتبار للدولة وبناء مؤسساتها وفق منظور سياسي وثقافي مدني فإن المستقبل سيكون أكثر بؤسا وكارثيا . ولهذا لا يحتمل اليمن الإجراءات الاعتباطية في القضايا السياسية ولا ترك السياسة والوطن رهنا لنزعات ورغبات مراكز القوى التي هي في الأصل سبب رئيسي في كل الأزمات التي نعيشها اليوم . وهذه القوى والمراكز لا ينفع أن تكون جزءا من الحل السياسي والتطوير في بناء الدولة فكل مصالحها السياسية والاقتصادية تم تجميعها في غياب الدولة وضعفها وهي لذلك تريد الاستمرار بنفس المسار السياسي والمؤسسي ..
وهنا يجب إحداث تغييرات جذية (شاملة) في مؤسسات الدولة وتمكين القوى الوطنية والنزيهة من أن تكون في مواقع صنع القرار بكل تعددها وتنوعها ولهذا فالهيكلة العسكرية والأمنية يجب أن تنجح ويكتمل مسارها لأنه بدون هذه العملية لا بناء للدولة ولا تحقيق للتغيير السياسي .
وللعلم فإن مؤتمر الحوار الوطني يعتبر آخر فرصة للخروج من الأزمة الراهنة قبل أن تتحول اليمن إلى ساحة للحروب الإقليمية والدولية وقبل أن تنهار الدولة (ما تبقى منها مؤسسيا ورمزيا). ولكن هذه الفرصة لا يمكن أن تذهب نحو مراكز القوى التقليدية التي كانت جزءا من نظام تمت الثورة عليه .
لقد حان الوقت لليمنيين أن يؤسسوا دولة ترتقي بهم وتضعهم في مسار التطور العالمي ومن ثم تكون بمثابة رافعة بنيوية للخروج من الأسر التاريخي بحمولته السلبية من التعصب القبلي والمذهبي والطائفي ومن التسول من دول الجوار .
إن تحقيق أهداف الثورة بمحاربة الفساد والمفسدين وتحقيق المواطنة وتمكين المرأة وبناء التنمية وتعزيز التطور الاقتصادي لن يكون دون دولة القانون والمواطنة .. وهنا لا مجال لان تكون القبيلة موازية للدولة أو تقوم بوظيفتها بل لابد من أبراز فاعلية الدولة ومؤسساتها القضائية والأمنية والتعليمية والصحية وهنا فقط تكون العلاقة بين الدولة والمواطن مباشرة دون واسطة من المشائخ أو الق