حوار تعز المحلي.. الرسالة والأبعاد
أ.د. عبد الله أحمد الذيفاني

أ.د. عبد الله أحمد الذيفاني –
الثابت قيميا وتاريخيا, وموضوعيا أن الحوار هو اللغة التي كتبها سبحانه وتعالى على الإنسان ليعالج قضاياه واختلافاته مع الأخر في محيطه والمتداخل معه في الجوار والمصالح, وقبح جلت قدرته الفعل المستبيح للدم والمال والعرض وأنزل في حق الفاعل له آيات كريمات وضعته في موضع المفسد في الأرض والمرتكب لجرائم الاعتداء على الحرمات والحقوق… ومن هذه المشكاة كانت رسالات الله سبحانه وتعالى التي بعث بها رسله وأنبياءه للناس تترى بين فترة وأخرى وأجملها في الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم وفي كتابه الجامع القرآن المجيد لكل ما سبقه من كتب.
الحوار لغة الأقوياء, ووسيلة الحكماء, وأداة الباحثين عن الحقيقة والتنمية والاستقرار, وهو بوابة الولوج إلى فضاءات المحبة والتفاهم وترسيخ قيم السلام والتعايش والفهم الواعي والناضج للأدوار والمسؤوليات المنوطة بالأفراد المتطلعين إلى الرفاه والأمن والسلم الاجتماعي.
الحوار عنوان يترجم مدنية وسلمية وموضوعية أي فرد وجماعة أو مجتمع وأي دولة على هذه البسيطة, وهو المفتاح السحري لتجاوز الاختلالات والاختناقات الذي إن أمسك به أي مجتمع, يكون قد أمسك بمفتاح صون الحريات وحقن الدماء والإمساك بآلية البناء والتنمية.
على هذه القاعدة جاءت فكرة الدعوة إلى حوار محلي بتعز, وهي دعوة ليست غريبة على عاصمة عشقت الثقافة وتمسكت بدور حضاري على مدايات طويلة من التاريخ, وجبلت أجيالها على الحرص على السير في مسالك الفكر والعلم والمعرفة واستيعاب الآخر.. وهي دعوة استوعبت المتغيرات الجارية في المحافظة بخاصة والوطن بعامة..
أن تطلق تعز مؤتمرا محليا للحوار بقواها الثورية والسياسية والاجتماعية والمدنية برؤية محلية وطنية على قاعدة التكامل في المستويين المحلي والوطني, لا يخرج عن طبيعتها التاريخية وعمقها الحضاري, وسمتها الثقافية التي ظلت وما تزال عنوان تعز, وبها تعرف وعنها ولها صرفت وتصرف قواها السياسية والاجتماعية جهودها ونضالاتها.
إن احتضان تعز لمؤتمر محلي للحوار لم يأت من فراغ أو رغبة في ظهور إعلامي يزاحم المؤتمر الوطني الشامل, بل جاء استجابة منطقية وموضوعية لتكوين تعز المدني, وخطابها الحضاري, وعنوان فعلها الثقافي الذي لا يخرج من لحظة طارئة, أو رغبة في المجاراة والبحث عن دور, واستجداء مكانة, قدر ما يعبر بعمق عن وعي مسئول, وإدراك ناضج لأهمية الدور التاريخي المنوط بتعز سواء أرادت ذلك أم فرض نفسه, لأنه يأتي من قبيل الحتمية التاريخية والتوالد الطبيعي عن تاريخ وقضية قدمت لأجلها تعز تضحيات غالية, زكية, قافزة عن الذات ومؤكده على الانتماء إلى وطن مترامي الأطراف تمثل تعز قلبه النابض, وشريانه المتدفق بالحيوية والتفاعل المسئول مع قضاياه في كل محطة ونقطة ومسار تاريخي شهده اليمن وأسهمت في تكوينه تعز.
من هنا يمكن القول أن الغرابة التي يمكن ملاحظتها على تعز, هي لحظة تخلي تعز عن دورها
فالدارس للتاريخ يعلم يقينا أن تعز لم تكن يوما في حالة تراجع وانكفاء على الذات وتجاهل ما يحدث للوطن في أي جزء من أجزائه, وفي أي بقعه من بقاعه.
فتاريخ التغيير يشير إلى أن تعز كانت حاضرة في فكرته وولادة معانيه, وتكوينات الأطر الحاملة له, فقد كان أبناؤها وراء محطات التغيير في عشرينيات القرن الماضي, وثلاثينياته, وأربعينياته, وخمسينياته, وصولا إلى ثورة سبتمبر وأكتوبرو11 فبراير, وكان لهم حضور فعال وريادي في شمال الوطن وجنوبه, فالحركة النقابية في جنوب الوطن روادها من تعز, والجمعيات والأندية كان مؤسسوها من تعز, الحركة التجارية والاقتصادية كان فرسانها من تعز, والحركة السياسية والحزبية كانت قياداتها من تعز.
لم يكن يميز أبناء تعز حين يقدمون تضحياتهم بين الأمكنة الجغرافية التي يقدمون على ذلك عليها وفيها, فهي تستوي عندهم أن كانت في تعز أو صعده, أو عدن أو ذمار…الخ
إن حوار تعز هبة وطنية مسئولة, وموزونة وموجهة بالعقل والوعي, ومحمولة بالمسئولية التاريخية تجاه المحافظة والوطن, وهو دليل وعي ناضج ومسئول بمسئولية تعز في هذه المرحلة الحرجة الحساسة والدقيقة, والتي لا يمكن احتواؤها وإزالة مواطن التوتر وبؤره عن الجسد اليمني في تعز وعموم الوطن الآبه, وهو عمل منهجي يستجيب لسنة الله في الخلق, ويتمثل الدروس التي سطرها كتاب الله المجيد, وحمل رسالتها الأنبياء والمرسلون إلى البشرية صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعي
