محافظة◌ْ ريمةö.. د◌ْرøة◌َ تشكو من الإهمال

تحقيق/ فايز محيي الدين البخاري –
وقعها الفريد يكفل أنú تكون سياحية من الطراز الأول إذا أْخلصِت النوايا
لا تزال الحميرْ هي وسيلة المواصلات الأولى في عاصمة المحافظة فكيف ببقية المناطق
■ .. كانت الساعةْ تْشيرْ إلى السادسة مساءٍ قبل غروب شمس ذلك النهار الذي لايزال محفوراٍ بذاكرتي وأنا أْغادرْ مدينة الحديدة عروس البحر الأحمر باتجاه الجبال الشرقية المْطلة على سهل تهامة وأعني بالتحديد جبال ريمة الشماء يحفْني قلقَ غريبَ معجونَ برغبةُ عارمة لاكتشاف هذه المحافظة الفتية ورؤية جبالها الشامخة التي ترددتú على الألسْن كثيراٍ بفضل شدو فنان اليمن الكبير أيوب طارش عبسي باسمها في أغنية شاعر اليمن الكبير المرحوم إبراهيم الحضراني التي يقول فيها:
عانقي يا جبال ريمه شماريخ شمسات

وكانت البداية من مدينة المنصورية التي تقع شرق مدينة الحديدة على طريق المسافرين إلى جبال بْرِع أو جبال ريمة على السواء فضلاٍ عن قْربها من مدينة السْخنِة المشهورة بحماماتها الكبريتية الساخنة التي يقصدها الناس للاستشفاء من كل مكان في عموم محافظات الجمهورية.
■ من مدينة المنصورية انطلقتú بنا السيارة صوبِ النجوم أقصد صوب مدينة الجبين عاصمة محافظة ريمة وعند أسفل الجبل الذي كان علينا أنú نتسلقِهْ بالسيارة حبواٍ بسبب أن الظلام كان قد حل وداهمنا ونحن في أولى عتبات ذلك الجبل الشامخ وبالتحديد في سوق ومنطقة رباط النهاري التي تستلقي عند أقدام ذلك الجبل المهيب في دعِةُ تامة آمنةٍ بأنها تعيش في حماهْ وتنعم بأبوته الصادقة وهو يحنو عليها من جهة الشرق ويقف على مشارفها ليلاٍ ونهاراٍ كالحارس الأمين.
غادرنا رباط النهاري بعد أنú أسدلِ الظلامْ ستارِهْ ونشرِ الضبابْ جدائلِهْ لنصعد بعدها جبلاٍ يْخيل للرائي ليلاٍ وهو يتسلقِهْ أنهْ يصعد باتجاه الغيم وأنهْ فعلاٍ في طريقه لملامسة النجوم حيثْ تبدو أنها بمحاذاة ذلك الجبل الذي نريد الصعود إليه ناهيك عن أن القْرى المْعلقة على جنبات جبال الجبين الغربية تبدو وكأنها مسبحة من نجومُ انتثرِتú على ضفاف تلك الجبال لتهمس في أْذن تلك الطبيعة البكر محييةٍ لها وقد اختصتها من بين كل جبال اليمن بذلك العناق الحميم على ضفاف سهل تهامة الفسيح.

موقع فريد
■ كْنا نصعد ونصعد وتلك النجوم تبتعد رويداٍ رويداٍ عن ناصية جبال الجبين فيما النجوم الصناعيةºوأقصد بها مصابيح الكهرباء في تلك القْرى المنتشرة على جنبات الجبل لاتزال تستقبلنا ثم تودعنا سريعاٍ بعد أنú نتجاوزها صعوداٍ نحو الأعلى.
فيما المدرجات الزراعية التي تزرع البْن تحفْنا من كل جانب وهي تدلْ على كفاح الإنسان اليمني الذي استطاع تطويع الطبيعة لصالحه وقهر بجْهده أعتى الصعاب.
كانتú ليلةٍ مْثيرةٍ وأنا أقتربْ من السماء وأْحلقْ كالنسر بشموخُ وإباءُ على سهل تهامة ومدنه العديدة..
وكان يزيد من عِظِمِة المكان رؤيتنا لمدينة الحديدة التي بدتú عند نهاية الأْفق متلألئةٍ كمزهرية من الكريستال المتوهج.
فضلاٍ عن رؤية سهل تهامة وقد خِلِدِ إلى نومه مبكراٍ فيما لاتزال جفوننا معلقة بتلك النجوم التي نِحْثْ السيرِ باتجاهها عسى نلامسها أو تكتحل بها عيوننا حين نراها لأول مرة وقد اقتربتú منا بشكلُ لن نراهْ في مكانُ آخر.
ومن محاسن الصْدِف أن الضباب كان قد غادرِ تلك الجهات سريعاٍ فأفسح لنا – مشكوراٍ – مساحةٍ شاسعة للرؤية وللتأمْل في طبيعة تلك البلاد الساحرة وللاستمتاع بذلك الأْفق الذي لم نرِ أْفْقاٍ بسعته من قبلْ أبدا.
كانت السيارة تقترب من مدينة الجبين وحين وصلناها عرفنا لماذا أطلق عليها الأوائل ممن سكنوها في وقتُ مْبكر اسم الجبين فهي والله بموقعها ذلك الفريد تْمثل جبين جبال ريمة الشماء وناصيتها الناصعة بالبهاء والمكسوة بالرهبة والعظمة في آنُ معاٍ.

محافظة وليدة
■ في الجبين كان كل شيءُ ينم عن أنك في قرية وليس في مدينة فالكهرباء تنامْ فيها مبكراٍ إلا في بعض البيوت والأماكن التي توصف بالحكومية والعامة ومساحتها لا تعدو عن كونها قرية من القرى المتوسطة حسب ما نعرف من قْرى في محافظة إب أو تعز أو ذمار فهي ليستú كبيرة بالشكل الذي تبدو عليه بعض قرى المناطق الوسطى وليستú بالشكل الذي كنا نتصوره حين قصدنا عاصمة محافظة!! ولا تزال الحمير والدواب هي وسيلة المواصلات والنقل الأولى وبلا منازع في الجبين التي يفترض أن تمتلك مقومات عاصمة محافظة!
كان كل ما في الجبينْ ساكناٍ والمكان يلفْه السكون من كل جهة ورغم استوحاش البعض من ذلك الجو بعد معايشتهم لأجواء المدينة الصاخبة إلا أنني كنتْ في غاية المتعة وأنا أتعايش مع بيئةُ وْلدتْ من رحمها وكانت الحاضنة الأولى لطفولتي ولا أقصد هنا منطقة الجبين أو ريمة وإنما البيئة الريفية التي أتيتْ منها في قلب محافظة إب الخضراء وهي تتشابهْ كثيراٍ مع طبيعة البيئة والتضاريس في محافظة ريمة.
بحثنا عن فندق فلم نجد إلا بيوت قيل لنا أنها تحولتú بقدرة قادر عشية إعلان ريمة محافظة عام 2004م إلى فنادق ومقرات حكومية بعد أنú أجرها أصحابها كمرافق حكومية بأغلى الأثمان وهاجروا إلى المدن الكبيرة كأمانة العاصمة ومدينة الحديدة مستفيدين من ريع تلك البيوت باهظة الثمن وفي الوقت نفسه أسهموا في حل مشكلة المباني التي ستحتضن المكاتب والمرافق الحكومية لهذه المحافظة الوليدة وبذلك اصطادوا عصفورين بحجرُ واحد.

مدينة الغيم
■ بعد وقفة ارتباك من ذلك الواقع غير المتوقع سألنا صاحب دْكانُ كان لا يزال فاتحاٍ عن مكانُ نأوي إليه وكنتْ أتوقع أنهْ سيشير علينا لمكانُ أو نْزْلُ قديمُ من تلك التي كان يأوي إليها المسافرون في عهودُ سالفة والتي كانتú تْسمى (سماسر) لكن الحظ كان إلى جانبنا وأشار علينا إلى البيت الذي يقع دْكانه أسفل منه وحين صعدنا ذلك البيت وجدنا مِن يستقبلنا ويقول:حظكم عندنا غرفة لوكس!
وعند دخولنا تلك الغرفة وجدناها بفراشها المهلهل وبنائها العتيق تمتد إلى قبل حوالي خمسة عقود من الزمن.. ولجنا إليها ونحن نحمد الله الذي مِنِ علينا بذلك المكان الذي سيأوي أجسادنا المنهكة من صعود ذلك الجبل المهيب وفي الصباح كْنا مع موعدُ هو الأجمل على الإطلاق في تلك الرحلة وقد كان كفيلاٍ بأنú يْنسينا كل المتاعب التي واجهتنا في طريق الصعود نحو مدينة الغيم (الجبين).
فتحنا النوافذ على إشراقة الشمس الأولى التي بدأتú توزع أشعتها على ذلك المكان المكسو بالجمال والدهشة لترتسمِ أمامنا لوحةٍ ربانية ولا أروع منها حيثْ كان الضباب يهربْ من تلك الأشعة الذهبية نحو الأسفل تاركاٍ وراءِهْ مندوحة وفْسحة من الجمال تتراءى منها العديد من الوهاد والجبال والأودية التي كانت لاتزال لتوها تصحو من سباتها فيما البعض كان لايزال في غفوةُ حميمية في بطون وثنايا تلك الجبال ينتظر بفارغ الصبر تلك الأشعة الذهبية لتوقضه من نومه ليبدأ يوم عملُ نشيط لا يجبره على تركه سوى الهجوم الشرس لظلام الليل الذي لا يتركهم في منأى عنه أبدا.

مبنى مهيب
■ كان هذا الجو البديع كفيلاٍ بأنú يْخرجني مْرغماٍ لمعانقة ذلك الصباح البهي على سفوح جبال ريمة وكان من حظي أن الناس قد بدأوا يتقاطرون على سوق الجبين فيما الطلاب يتجهون نحو مدارسهم والحركة بدأتú تِدْبْ في أرجاء تلك المدينة القرية التي يبدو أنها ستنسلخ رويداٍ رويداٍ عن قرويتها باتجاه المدنية التي ستحرمنا الكثير من ميزات هذه البلدة التي تأخذْ زائرِها مرغماٍ إلى أحضان الطبيعة الوادعة.
التقطتْ بعض الصور لذلك الجو البديع والمناظر الخلابة وجْلتْ في أرجاء الجبين العاصمة لأرى بعض آثارها القديمة قلعة القشلة ودار الحكومة كما كان يسمى قديماٍ والذي أضحى وقت زيارتنا مركزاٍ للمجلس المحلي فيما كان مقر قيادة المحافظة الجديد لايزال في الطور الأخير منه وهو مبنى مهيب وفي موقعُ أكثر مهابةٍ وجمالاٍ وهو يقع على مشارف الجبين مطلاٍ على سهل تهامة.
فيما بقية المكاتب الحكومية التي مازالت في بيوت يتم إنشاء مبانُ لها في بطون تلك الشعاب والوهاد التي ستكون معاٍ فيما بعد مدينة الجبين التي ستكون مدينة فعلية وعاصمة لمحافظة حقيقية في حالة تم ذلك.
ومن جميل ما يراهْ المرءْ في الجبين بدائية الحياة اليومية حيث تنتشر الحمير التي تستعمل للنقل والبقر والأغنام والماعز.. أما الطيور المحلقة في السماء فترسم لوحةٍ بديعة حين تتماهى مع الضباب في سماء الجبين في مشهدُ يسلب الألباب ولا يمكن رؤيته في مكانُ ما إلا في الجبين التي هي اسمَ على مسمى.

قبل الوداع
■ عند الساعة الحادية عشرة ظهراٍ ينبهر المرءْ حين يهبط الضباب فجأةٍ مصافحاٍ الأهدابºناشراٍ ظلالِهْ على كل مِن يقابله في وقتُ يكون المتسوقون قد بدأوا يحزمون أمتعتهم لمغادرة سوق ومدينة الجبين فيما يظل فيها فقط سْكان المدينة وبعض الموظفين في تلك المكاتب الحكومية حديثة النشأة الذين تْجبرهم ظروف عملهم على البقاء وعدم المغادرة رغم ظروفهم القاسية المتمثلة في انعدام السكن المريح فهم يسكنون وينامون ويأكلون في نفس المباني التي يستخدمونها في الصباح مكاتب حكومية ومن الظهر تتحول إلى سكنُ ومكانُ للمقبل.
عند طواف مدينة الجبين كانت كل المظاهر تدلْ على أنها مازالت تنتمي إلى العصور السابقة وفيها جمالَ طبيعي يأسرْ القلوب الباحثة عن الراحة والدعة في أحضان الطبيعة بعيداٍ عن ضجيج المدينة وصخبها المشاكس.
أخذنا عدداٍ من الصور وغادرنا بعد أنú تغدينا فيها وجلسنا ساعات للمقيل على سفوح تلك الجبال مستمتعين بتلك المناظر التي تراءت لنا من قمة جبال الجبين التي تْعدْ بحقُ جبيناٍ لكل الجبال الغربية المطلة على سهل تهامة بل وأكثرها مهابةٍ وجمالاٍ وروعةٍ وإغراءٍ.
وحين شارف النهار على الذهاب سبقناه وغادرنا الجبين منحدرين نحو الأسفل باتجاه مدينة الحديدة قبل أنú يدهمنا الظلام ونحن في أحضان ذلك الجبل الأعجوبة الذي يستحق بحقُ مزيداٍ من تسليط الضوء عليه ورفد تلك المدينة الوليدة بالعديد من المرافق والاستثمارات السياحية التي تكفل لها اللحاق بركب المدنية الحديثة خاصة وأنها تمتلك معظم المقومات التي تجعل منها منطقة سياحية من الطراز الفريد فقط إذا أْخلصِتú النوايا!!