القلم بين الكتابة الورقية والآلة الإلكترونية
–
علي أحمد عبده قاسم
مما سبق يلحظ القارئ البون الشاسع بين كتاب اليوم وأعلام الأمس فمن خلال تأمل سطور الأستاذ المقالح أنه تحول إلى كائن قرائي بامتياز يستغل كل الأوقات في القراءة والكتابة الأصيلة المعمقة بوصفها حياة ومنهجية كما تقول الدكتورة ريم النعيمي جامعة قطر: «العلاقة بين القارئ والمقروء علاقة تصل مستوى من التلاحم يبلغ مرتبة الذوبان في وحدة وجودية. ومتى كانت القراءة والكتابة مجردة من الشغف الذاتي والتوق الوجداني والارتباط الروحي خالية من معنى إنساني نبيل فهي ضئيلة المنافع والعائدات المادية». لذلك كانت الكتابة والقراءة الالكترونية لها ميزاتها في الانتشار والشهرة الآنية لكنها لا تخلق خلودا في كثير من الأحيان وتبحث عن الإغراء أكثر من احتوائها على القيم الإنسانية النبيلة وتحولت إلى ممارسة تشبه التلهي أكثر من علاقة الشغف التي يتلاحم فيها العاشق والمعشوق لذلك لم يعد الكاتب عميقا في كتاباته بل سريعا متوهما التأثير وإذا كان له قدم في الحضور فإن الكتابة الورقية العميقة كانت السبب الأول حضور الفكري لكن لا يمنع ذلك من التعامل واستخدام هذه الآلة الالكترونية تجاوبا مع العصر وتحديثا للتراكم الفكري وليست تقليلا من سياقات الكتابة والقراءة.
3- وإذا كانت الحرية هي السمة الثالثة من تناولي وتتمثل هذه الحرية بنشر كل ما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي وقراءته وحرية التواصل والإيصال بغض النظر عن نوعية ما ينشر لذلك أختفى الرقيب الأمني والسياسي وهذه ميزة رائعة ورقيب التحرير الذي يقرأ الجودة والسطحية في هذه المادة المنشورة وتلاشى الرقيب الذاتي الذي يهتم بكل نوع من الرقيب السابق مما أفضى أن الكاتب يتساهل كثيرا مع مادته المنشورة علاوة على ذلك أن وهمية الجمهور هي الغاية من النشر الالكتروني في كثير من الأحيان وأختفت القيم النبيلة مما ينشر وحتى من المتابع والقارئ فضلا عن الحرية التي تتمثل في القرصنة الالكترونية على المكتوب والمنشور فظهر ما يسمى بـ(الهاكرز) أولئك الذين قد يضيفون أشياء أو أجزاء من أعمال الآخرين لأنفسهم وسيلان التدفق الكتابي ونشر وحفظ معظم العلوم في هذه الشبكة فإن الأمانة العلمية والملكية الفكرية غير متوفرة في كثير مما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي بعكس الكتابة والنشر الورقي المقنن والذي يضبط بدار نشر ورقم إيداع وملكية فكرية لذلك مراكز البحث العلمي والجامعات والدراسات المنهجية المؤهلة لا تقبل بالرجوع لها ولا تقبل أن يكون البحث العلمي المؤهل من مراجعه (الإنترنت) إلا في الضرورات والاستعانة الأولى للوصول للمرجع لذلك فإن الحرية غير المضبوطة قللت من الجانب العلمي في النشر في شبكات الإنترنت ولا يخفى أن الحرية في تطور تقنية المواصلات والتواصل أدت إلى تحطم المركزية الأمنية للسلطات الاستبدادية والأحزاب والفردية التي كانت شمولية في سيطرتها على الفرد المحكوم أو صاحب الرأي وخلقت تنمية فكرية ووعيا جمعيا بحقوق الإنسان وكانت التحولات العربية دليلا على ذلك خصوصا ما حدث في تونس وكان للكاتب الإلكتروني دور فاعل في هذا التغيير. ولكن هذه الحرية أفضلت إلى أزمات وفوضى مفتعلة خاصة وأن الكاتب الإلكتروني يركض وراء التنوير وينشر كل ما يتعلق بالصحافة الشعبية وليس مهتما بخطاب النخبة لذلك الكاتب والمصور زياد الجيوسي يقول: «إن الحافز على المشاركة بأفكار القراء وإحداث تغيير إقناعي بهم هي المقالات التي تنتقد جهاز حكومي أو خدمة معنية» لذلك يلحظ أن الكتابة الإلكترونية ليست الكتابة الإبداعية التي تتميز بالابتكار بل الكتابة الصحفية الآنية الموجهة.
وإذا كانت سطوري مقتصرة على ثلاث مميزات فقط كانت (السهولة والسرعة والحرية) متخذة من المقارنة السياقية للكاتب طريقا للتوضيح فإن السياقات المضمونية للكتابة سوف أحاول أن أتناولها باختصار خاصة وإن الأسلوب الكتابي هو خاصية إبداعية للكاتب أيا كان فإن السياقات المحيطة بذلك كتابيا لابد من أن نعرج عليها:
1- الفكرة: فإذا كانت الفكرة هي القضية التي يرتكز عليها الكاتب عموما منتجه الإبداعي فإن القضية هي «الفكرة» لم تعد مبتكرة كما كان يفعل الكاتب التقليدي الورقي بل تحولت إلى أمر سهل لم يمكن الحصول عليه من مشاركات القراء لذلك يلحظ المتابع للاستطلاعات وردود الكتاب لفظة «محفزات وثراء» بما يشيء بنوع من التطفل من المتواصلين على أفكار القراء خاصة المعجبين لذلك يقول أحدهم: «إن الإعداد للفكرة والموضوع لم يعد مخططا له مسبقا» مما يوحي أن الكاتب لم يعد قارئا حتى تتراكم لديه الأفكار ويأتي بالجديد المبتكر مما أفضى إلى الاستسلام للأفكار المتواترة والتي تصعب في سياق الشعبية الجماهيرية وتنأى عن النخبة الفكرية علاوة عن ضياع الرسالة التي يؤمن بها الكاتب الحقيقي بوصفه روح أم