الرياضات تاريخ للعولمة الثقافية

–
تمثل الرياضة إحدى الظواهر الأكثر شيوعا في العالم منذ ما يقارب قرنا من الزمن. وخلال هذه المدة القصيرة أصبح للرياضات بكل أنواعها «إمبراطوريتها» كما يشرح المؤرخان بيير سنغارافيلو وجوليان سوريز في كتابهما الذي يحمل عنوان: «إمبراطوريات الرياضة» الذي يقدمان فيه «تاريخا للعولمة الثقافية» كما يقول عنوانه الفرعي. ويشرح المؤلفان أن الرياضات المتنوعة من رياضة «الكريكيت الهندية» إلى «الركبي النيوزلندية» ومرورا بـ»كرة القدم الإفريقية» و»كرة القدم الأميركية اللاتينية» تجد جذورها لدى ممارسات تأصلت انطلاقا من إمبراطوريات استعمارية. وساهم في انتشارها كثر من بحارة ومبشرون ومعلمون ومهندسون في قطاع السكك الحديدية خاصة ومستوطنون بحثوا عن إقامة في هذه المنطقة أو تلك من العالم وكذلك عسكريون. ويرى المؤلفان أن ازدهار الرياضة «الحديثة» استفاد كثيرا من «تجديد» التوسع الاستعماري حيث يتم عن طريق الرياضة نشر قيم وممارسات تخدم المشروع الاجتماعي والثقافي «الإمبراطوري». والتأكيد أن الانتشار الكبير للرياضات يصب في مقولة أن تساهم في «مهمة تحضيرية» للشعوب الأخرى ذلك استطرادا للمقولة نفسها التي رفعتها الإمبراطوريات الاستعمارية تحت عنوان «تمدين» المجتمعات كمبرر لاستعمارها.ضمن هذا الإطار يتم النظر للرياضة على أنها تقوم بوظيفة أساسية تتمثل في «ترويض جسد» الشعوب والمساهمة من خلال ذلك في جعل السلوك الاجتماعي لديها «أكثر حضارية». لكن يتم التأكيد هما أيضا أنه لا يمكن اختزال مهمة الرياضة إلى مجرد «تصدير» أو «فرض» المعايير الأوروبية والقيم الاجتماعية الأوروبية على الشعوب الأخرى. ذلك خاصة أن العديد من الرياضات جرت «أقلمتها» مع محيطها الجغرافي والاجتماعي الجديد. هذه الظاهرة برزت بوضوح مع «الكريكيت الهندي» التي أصبحت رياضة محلية بامتياز عبر إدخال «تقنيات» و»أساليب لعب» جديدة بل لا يتردد المؤلفان في وصفها أنها «ثورية». ويذهبان أبعد من ذلك إلى حد القول أن بعض الهويات الوطنية تأسست «جزئيا على الأقل» على «خصوصيات رياضية». كما أن الرياضة مثلت منذ فترة مبكرة جدا ميدانا لـ»المواجهة» بين الشعوب المستعمرة التي وجدت في الممارسات الرياضية وسيلة لرفض السيطرة الأوروبية التي كانت تمثلها الإمبراطوريات الاستعمارية. وتتمثل إحدى الأفكار السائدة التي يؤكد عليها المؤلفان بالقول أن هناك نوعا من القوانين الكونية «يونيفرسال» «المعولمة» بحيث أنها أصبحت «مكانا للقاء العام بين الشعوب». لكنهما أي المؤلفين» يطالبان بالوقت نفسه عدم تجاهل «الأسباب التاريخية والثقافية التي تفصل أساليب اللعب» رغم أن «مجموع التقنيات والقواعد في مختلف الألعاب وعلى غرار كرة القدم تبدو أنها موحدة بالنسبة للمتفرجين». يتم في هذا السياق ذكر العديد من الفوارق وأشكال التباين «الطفيفة» بين قواعد اللعب في مختلف المناطق الجغرافية في العالم. ويشرح المؤلفان في مقدمة الكتاب ما يسميانه «آليات انتقال الممارسات الرياضية». والتأكيد أن جميع مؤشرات «عولمة الرياضات الحديثة» لا توفر سوى قدرا قليلا من القناعة ذلك أنها لا تستجيب لمستلزمات النظرة الشاملة. ولا يكفي تفسير انتقال تلك الممارسات برغبة الأوروبيين في فرض ثقافة رياضية في إطار العلاقات الاستعمارية. ويؤكد المؤلفان أن انتقال الرياضات الحديثة يتجاوز ما يسمى بـ»الإمبريالية الثقافية» و»ينعش» بالمقابل «التفاعل الثقافي» على خلفية «جغرافية معقدة». ولكن ليس على أساس وجود «مركز» تمثله «القوى الاستعمارية» و»محيط» تمثله المستعمرات بل على أساس عملية «إعادة توزيع» تأخذ فيها المجتمعات المصنفة بـ»تابعة» دورا نشيطا. وبعد القيام بعملية تحديد للمفاهيم المستخدمة ولموضوع الدراسة تتركز التحليلات المقدمة في الكتاب حول ثلاثة محاور أساسية يخص المحور الأول دراسة دور الممارسات الرياضية في بناء الهويات الثقافية والاجتماعية داخل العالم الاستعماري. تفسير غير تقليدي ما يميز فيه هذا العمل هو أن مؤلفين يبتعدان عن التفسير التقليدي القائل أن انتشار الرياضات الحديثة تم على أساس الروابط الاستعمارية بين المركز والمحيط. والقول بالمقابل أن «انتقال الممارسات الرياضية جعل من الممكن تداخل النشاطات بين المستعمرين (بكسر الميم) والمستعمرين (بفتح الميم). المؤلفان في سطور بيير سنغارافيلو هو أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة السوربون الفرنسية وباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي. مختص بدراسة الإمبراطوريات الاستعمارية الفرنسية والانكليزية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وجوليان سوريز باحث في مركز التاريخ للعلوم السياسية في باريس ويعمل على تاريخ الرياضة في القرن العشرين. الكتاب: إمبراطورية الرياضات – تأليف: بيير سنغارافيلو جوليان سوريز – الناشر: بيلان – باريس- 2011 – الصفحات: 300 صفحة – القطع: المتوسط.