بيــن الإقصــاء والانفتــاح
محمد عمر كويران
محمد عمر كويران –
حسب قراءة معطيات الحالة الراهنة وما يجري في المنطقة من إعادة ترتيب أو إعادة صياغة البنى السياسية والفكرية والثقافية استنادا إلى جملة من المفاهيم التي تبحث لذاتها عن أرضية تؤهلها لأن تأخذ طريقها إلى الحياة يبدو أن إنساننا الشرقي – إن جاز التعبير – مازال يعيش وسط تناقضات لا حيلة له بها أو لم يمتلك بعد الإرادة التي تنقله من حيث لا يرضى إلى واقع يستطيع من خلاله أن يمارس ذاته كما يدعي أو كما يطمح إليه ولو نظريا كونه نتاج التشوه الذي سيطر على ذهنية المجتمع جراء التداخل التراكمي بين منابع الايديولوجيات الشمولية وكذلك الثقافات المعشعشة في أحضان الفكر السلفي والقبلي وأيضا المذهبي والطائفي والتي بمجملها تجد لذاتها مرتعا خصبا كي تفرخ وتنتج المزيد من التشوه كونها – وعلى مر العقود – محمية بأدوات سلطوية تشكل حاملها وتتفاعل معها في مواجهة ما قد يفرزه التطور من ردود أفعال أو مواجهات تجاه سلطة القرار ومركز أولي الأمر .. وبالتالي فإن السمة البارزة للحراك المجتمعي في واقعنا هي الركون إلى ما هو أمر واقع بفعل السلطة والسلطان وبالتالي الابتعاد عن ملامسة الحقيقة درء للتهلكة أو خشية من البطش أو الاستبداد..
وإذا ما حاولنا ملامسة الجانب الحقيقي في معادلة النضال السياسي في المنطقة وفي ظل قوة السلطة المتحكمة بمقاليد الأمور لوجدنا أن هناك عملية استنساخ بين ممارسات السلطة وآليات التعامل في الوسط السياسي المعارض فهي الأخرى حاملة لفيروس العقلية السلطوية في التعامل مع استحقاقات ما قد يستجد في الوضع من إرهاصات أو إفرازات بمعنى آخر هي واقعة في مأزق التناقض بين الادعاء والممارسة كون الذهنية التي ترتكز إليها هي ذاتها ذهنية سلطتها من حيث الإقصاء أو النسف أو الاحتواء..
هذه المعادلة – حسب رؤيتي للواقع – متحكمة بكل مفاصل الحياة في واقعنا المعاش سواء في الوسط السياسي والاجتماعي أو في الوسط الثقافي والمعرفي ولا نبالغ إن قلنا بأن هذه المعادلة تشكل الغذاء الرئيسي لاستمرارية (الحزب السياسي) أو المنهجية السياسية في إدارة الأزمات الداخلية سواء داخل الحزب كإطار ينبغي أن يكون أحد تجسيدات الفعل المدني أو داخل الوطن كحاضن ينبغي أن يتسع للكل .. وإذا أردنا أن نعالج قضيتي الإقصاء والانفتاح سيكولوجيا وأن نقوم بعملية تشريح مخبري في الذهنية التي ينبغي أن تتفاعل مع التطور من حيث هدم البائد وبناء المتفاعل لوجدنا أن هذه الذهنية مأزومة بحكم الموروثات التاريخية ومتأزمة بفعل التراكمات التي لحقت بها وبالتالي نجدها غير مستقرة في صياغاتها وادعاءاتها وإرادة الفعل لديها..
ولو حاولنا رصد جانب من الحراك المجتمعي على أرض الواقع واستندنا في ذلك إلى تجربتين تجربة القوى الوطنية الديمقراطية وتجربة الحزب السياسي الكردي في سوريا وبما لهما من اتصال مباشر مع حركة المجتمع وما يجب أن يحققه لكانت النتائج بعكس ما نشتهيه أو ندعيه .. فالسمة العامة للخطاب الذي تتداوله قطاعات واسعة من أبناء مجتمعنا هو التغيير بما يحمله من دعوة إلى الحوار والانفتاح على الآخر والقبول بما هو من نتاج العقل الجمعي ذلك العقل الذي ينبغي أن يفكر ويقرر بذاته واستنادا إلى ذاته وإن اختلفت مضامين وأدوات هذا التغيير بين رأي وآخر.. ولكن حين نمعن في مفردات هذا الخطاب ونبحث عن آلياته وتجسيداته نكون أمام واقع آخر مناقض تماما لما هو ظاهر منه .. فالانفتاح الذي نطبل له ونسوق بشأنه الجمل والمصطلحات ما هو إلا شكل آخر من أشكال الإقصاء أو يمر – بالضرورة – عبر نفق الإقصاء.. ومجمل أشكال التعامل من قبل القوى والأحزاب السياسية تبرهن على ما نذهب إليه وكل بحسب خياراته أو المنابع والايديولوجيات التي تتحكم به ..
فالمعارضة السورية المنقسمة على ذاتها بين الداخل والداخل وبين الداخل والخارج.. بين من يغازل السلطة ومن يجادلها ومن يطرح نفسه بديلا لها أو يوحي بأنه يقف على الرصيف الآخر وأنه قد قطع كافة أشكال التواصل معها منهمكة في طرح تصوراتها ومرتبكة في توظيف أدواتها وإن كان الكل يدعي التغيير ذاك التغيير المنقسم بين الولاءات وبحسب مشيئة دعاته.. فهناك من يغلق الباب في وجه العامل الخارجي وهناك من يستغيث طالبا نجدته.. هناك من يقفز فوق الحقائق التاريخية أو يتجاهلها وهن