الواقع والأسطورة (14)
أحمد يحيى الديلمي
أحمد يحيى الديلمي –
الاستعراض الذي أسلفنا دل على الأفق الإبداعي والدور الحضاري لمدينة صنعاء انسد وتعرض للاستهداف من قوى مختلفة مرات عديدة وفي أزمة متعاقبة وذلك بسبب الانقطاع الجغرافي وغياب العقل التواصلي بين أبناء المدينة والشرائح الاجتماعية من القبائل المحيطة بها.
كما نعلم أن صنعاء محاطة بسبع «قبل» لم يتآلف أبناؤها مع المدينة والنزعة المدنية المتأصلة في سكانها كان الطامحين والمتكالبين على الحكم يستخدمون عدم التجانس وسيلة لإجبار سكان صنعاء على الانقياد الطوعي لظواهر وطقوس وتقاليد وأعراف تتعارض مع اهتماماتهم الخاصة.
هذه الاختلالات جعلت المدينة عرضة للدمار والهدم أو ساحة لتصفية الحسابات تارة بين الطامحين في الحكم وأخرى بين أبناء القبائل هذا الواقع السلبي المريب أثر كثيرا على مناحي التطور والحال دون أن ترقى بالأنشطة المختلفة أي السلوكيات القبلية الهمجية والممارسات الدينية التي تتسم بالتطرف والغلو أثرت على المكونات الذاتية للمدينة وكان تأثيرها أكبر على النواحي الإبداعية لأنها جعلت المدينة عرضة للحروب وموضع دائم لصراعات لإناقة لأبنائها منها ولا حمل.
اسم السوق
أفادت عدة مصادر بأن الاسم الأصلي للسوق كان سوق الميلح إلا أن الناس اهملوا حرف الياء كأنهم استسهلوا لغط العبارة بدونها ومع مرور الأيام علقت لفظة الملح بالأذهان وهناك مصادر تاريخية أخرى أفادت بأنه لم يكن للسوق اسم تعريفي عام لأن كل سوق كان يعرف تبعا للمادة التي تسوق بما في ذلك السوق المخصص لتسويق مادة الملح.
ونوهت هذه المصادر إلى أن تعميم التعريف يعود إلى اعتماد أهل صنعاء على مادة الملح .. القادم من مارب وكان لكثرة تردد البدو القادمين بالجمال المحملة بمادة الملح دور في إعطاء هذا الركن من السوق شهرة خاصة فالقادم عندما يسمي وجهته يقول سوق الملح والقادم لأول مرة يسأل عن سوق الملح وهو ما جعل اللفظة دارجة على الألسنة أكثر من غيرها حتى أصبحت مع مرور الأيام عامة للتعريف بالسوق بشكل عام أيا يكن القول الصحيح فإن كلا الاحتمالين وارد.
وإن كنت أميل إلى ترجيح الأخير استنادا إلى عدة مصادر ومنها كتاب التاريخ المعروف بـتاريخ مدينة صنعاء فلقد تحدث عن أسواق صنعاء كتعريف عام وهكذا فعل الفقيه الحيمي في كتابه (قانون صنعاء) والكتاب الذي حققه القاضي العلامة حسين بن أحمد السياغي في عقد السبعينيات من القرن الماضي وسنتطرق إليه بالتفصيل.
تقسيمات السوق
قبل الحديث عن تقسيمات سوق الملح لا بد أن نتطرق إلى إفادة أحد الباحثين الأورويين في العصر الراهن وهو المهندس المعماري البرتغالي الدكتور فرناندو وقد عين وزيرا للإنشاء والإسكان في البرتغال بعد أن عاد من اليمن وكان قد سكن في اليمن أكثر من عامين في منطقة القاع وكان شديد الإعجاب بسوق الملح حيث قال من يريد أن يعرف الأفق الحضاري والبعد الإنساني لمدينة صنعاء عليه أن يمعن النظر في تقسيمات سوق الملح.
من المفارقات العجيبة أن أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراة في الهندسة المعمارية كان عنوانها « النواح الفنية والأبعاد الإنسانية لتكوينات سوق الربوع في مدينة ذمار) رغم إعجابه الشديد بسوق الملح في صنعاء وقد برر سبب الاختيار بفرضية هامة مفادها أن سوق صنعاء متقدم في البناء وأنه كان النموذج الذي اهتدت به بقية الأسواق في المدن اليمنية الأخرى وقال إنه اعتبر سوق ذمار الاقرب إلى فكرة البث الذي قدم إلى اليمن من أجله ومن ذلك الطابع الشعبي للسوق.
موقع السوق فلقد احتل مكانا متوسطا في المدينة والمباني الحكومية تحيط به من كل جانب ومن السهل جعله ضمن الهيكل الإداري للدولة في حين أن سوق الملح في صنعاء يمثل هيئة عامة لكيان مستقل وإطار مكمل لمقومات الدولة السيادية.
التكوينات الأساسية لسوق الملح
بحسب الخارطة الفعلية لمكونات الأسواق استطاعت المساحة الجغرافية للسوق والتي لا تزيد عن كيلو مترين مربعين أن تختزل كل الأنشطة الاقتصادية بمكوناتها التجارية والخدمية الأخيرة بالمفاهيم التي كانت سائدة في الأزمنة الماضية استنادا إلى ما كان متوفرا من إمكانيات تحددت بموجبها طبيعة احتياجات الناس الأساسية ونوعية الخدمات المكملة للمفهوم الاقتصادي.
سوق البر وسوق الأقمشة وسوق الحب وسوق المعطارة وسوق البشامق «الأحذية» وسوق القشر والبن «قشرة البن» وسوق التمر والحلويات وسق السلب وسوق المعدن وسوق النجارة وسوق الجنابي والعسوب وسوق الكتب والمصاحف وسوق العنب والفواكة وسوق النحاس وسوق الذهب والفضة وسوق القات وسوق المدائع .. وسوق الفتلة وسوق المبساطة «الحر