مهنية البلاطجة !!
سام عبدالله الغـباري
سام عبدالله الغـباري –
الذين يشرفون حاليا على إصدار صحيفة “الثورة” الرسمية موسومون بالبلطجة (!!) و الذين أسقطوا أهداف الثورة اليمنية من رأس الصحيفة الأولى في اليمن ثوار ينادون بالحرية !!.
البلاطجة الآن يـعبرون عن مهنية حـرة و إرادة جميلة تـعثرها صعاب التمترس خلف خطوط الولاءات و المناطق و في خنادق الكهوف الـمعبرة عن رؤية واحدة عنوانها : الانتقام من أي شيء مميز في حياتنا !!
ثورة بلا أهداف .. كوجبة إفطار صباحية لسجين مخابرات في زنزانة انفرادية لا يدري ماذا يفعل في قبو الرعب البوليسي ! و صحيفة عملاقة كـ”الثورة” لا يجوز أن تخضع لمزاج رجل واحد اسمه : الوزير (!!) ففي أسابيع تثوير المؤسسات التي حذر من تداعياتها العقلاء .. لم يسمح : علي ناجي الرعوي لنفسه و تاريخه و موقعه أن تصيبه سهام الرحيل و مطالب الإهانة فذهب إلى منزله .. و ترك البرامكة هناك و هو يمضي حياته الآن ككاتب مـغرد بعودته إلى أصله الصحفي المهذب و الرصين .
لما أسقطت أهداف سبتمبر الخالد تجاوز الأمر أمنية إسقاط النظام و عبر الفاعلون عن غضبة قصوى ليس لها شأن بالصحافة أو الساحة و رأى بلاطجة النظام و بقاياه – كما يحلو الوصف لأصحاب الخيام – أنهم ليسوا المستهدفين و حسب .. فما حدث يتجاوز حد التغيير و يدمر مفهوم الحرية و يصعق الآف القراء و ملايين الشعب و يـلغي زمنا طويلا من الحياة الجمهورية تحت ظلال سبتمبر النقي (!!) . و عليه تحركوا تقاطروا تجمهروا .. فحاصروا المؤسسة .. و النتيجة لم تصدر “الثورة” .. ثم عادت الأهداف و حدث الاعتذار و رحل الإقصائيون الغاضبون .. و بقي البلاطجة الذين فتحوا بابا مهنيا براقا و جديدا لم نألفه منذ نمت أظافرنا في مهنة الصحافة المضنية .. تحدثوا بلغة تعترف بالحقيقة . تؤمن بالواقع و تقدس التعدد .
لم تزل البلطجة مفهوما سيئا لأي رجل ينتمي للنظام و يستخدم قوة الدولة لفرض موانعه بالعنف بعيدا عن نص القانون و مرافعات القضاء .. فجاء الساحاتيون للسيطرة على الشوارع و الإعتصام فيها بما قطع أرزاق الناس و أحال المدن إلى خراب و الأحياء إلى متارس و خيام و بأفعالهم تقدم السطو الشامل على تفاصيل المصطلح السيء فانتقل الوصف إلى الواصف و تحرر الموصوف من شوائبه بإثباته و ثباته على جواهر الحدود الخلاقة بعيدا عن ممارسة التسبيح المكروه و بما عزز مراجعة أخرى لوصف آخر أكثر نقاءا من ذاك العالق بذاكرة السيئات المحيقة .
بلاطجة “الثورة – الصحيفة” فتحوا أوردتهم لكل فصائل الدم اليمني .. و تعاملوا باحترام مع ما يجب .. كتبوا .. نشروا لغة تعترف بالسابق كجزء من الحقيقة و تؤمن بالحاضر القادم بإرادة الشعب .. لم تقص أحدا أو تثور على من ثاروا .. و بإصدارتها اليومية تحررت من عقدة الرسمية و حافظت على رصانة الخبر بارتفاع سقف المحاذير الحكومية لاستيعاب الجميع تحت ظلال اليمن و توافقية بنود المبادرة الخليجية .
في ظل البلاطجة .. يأتي رئيس تحرير أقسى موقع إخباري معارض ليكتب في أخيرة “الثورة” و الشأن مفتوح أيضا لغالبية المنضمين إلى ساحات الاعتصام بعودة صورهم و عباراتهم للظهور بوقع منسجم مع موضوعية الأداء و الخطاب .
لقد أفرغ المتعصبون مفهوم “البلطجة” من محتواه بأفعالهم المتشنجة المعادية للحرية و المؤمنة بالتجدد و تحسين الرسالة الإعلامية الحكومية و ما يحب الآن هو إعادة التوازن لهذه الرسالة الرسمية بعيدا عن سيطرة وزير بلا برنامج واضح .. حلفاؤه ينتظرون سانحة التغيير لإشباع رغبتهم في الثأر من أشخاص أفسدهم طول البقاء على كراسي القيادة . ينتظرون ربق الانعتاق من طوق النار المضروب على أفكارهم و مخيلتهم و أدوارهم .
قديما .. أعدم رجال الكنيسة الكاثوليكية كل المستنيرين الذين طالبوا بحرية العلم .. و شهدت أوروبا عصورا قاتمة وعهودا منحطة .. و في لحظة ضعف .. انقض المستنيرون على بابوية الكنيسة . و في سياق تاريخ الألم المريع حدث الانتقام المدوي .. تخلى المستنيرون عن الإيمان بالله جهرا و أحرقوا جلاديهم في لحظة شبق دانها العقل الواقعي و كتبها المؤرخون بحسرة خلفت وراءها الآف القتلى .
هنا و اليوم لا نريد للمستنيرين إنكار وحدانية الله .. و الغي بخطابهم في إيغال التطرف و إسقاط الزمن و الأهداف و الأشياء المميزة .. وصولا إلى نصب المشانق و تقمص أدوار رجال الأكليروس في محاكم التفتيش للقتل بإسم النور و لكن تحت عباءة البابا (!!).
و هذه المعادلة الإنسانية التلقائية القاتمة لا يجب أن تستمر بالمطلق .. فعليها سنظل ندور .. و حولها نحوم و ندندن .. و يتواصل الظلام .
و إلى لقاء يتجدد .
Samgh4u@yahoo.com