
إعداد/ افتكار القاضي –
❊ (٠٠٠٥١) مرتزق من أنحاء العالم وأحدث أنواع الأسلحة لدعم الملكية ضد جيش أعزل جهزه عبدالناصر
انفصال سوريا وتقويض حلف بغداد وفتور العلاقة مع بريطانيا وفرنسا..دوافع استراتيجية لمصر لدعم الثورة اليمنية
تردد ناصر في إرسال جنوده لمنع التدخل في شؤون اليمن .. وحين تضخم التكالب الدولي هب لتصرتها
قرابة (٠٠٠٥) جندي عام ٣٦م إلى ٥٥ ألفا يدافعون عن الثورة بالسلاح والمال والأرواح
تفوق الملكيون عددا وعتادا ومالا .. وتفوق الثوار إرادة وقيادة
قائد سلاح الجو الأردني يرفض ضرب صنعاء .. ويسلم طائرته لناصر
انعدام الخرائط الطوبوغرافية سبب إرباكاٍ كبيراٍ للمصريين في الأشهر الأولى من المواجهات
أكثر من 15 ألف جندي مصري سقطوا في خندق الدفاع عن الثورة اليمنيةمن (55000 ) جندي كانوا في اليمن
قمة الإسكندرية بين مصر والسعودية ومؤتمر أركويت مهدت لانسحاب القوات المصرية من اليمن
فشل مؤتمري خمر وحرض عجل بهزيمة الملكيين واعتراف السعودية بالنظام الجمهوري
اعتقال الارياني والعمري ونعمان في مصر أكثر من عام لمحاولاتهم التفاوض مع الملكيين
حين اختلف السلال مع (الارياني والعمري ونعمان) احتجزته القاهرة .. وحين مال الثلاثة للمصالحةاعتقلهم ناصر
طول أمد الحرب ونكسة حزيران واتضاح المؤامرة الإسرائيلية على العرب عجل بتصالح ناصر والسعودية ومهد للانسحاب
استغل الملكيون انسحاب المصريين لحسم المعركة – رغم بوادر المصالحة- فكتبوا نهايتهم
استغلت إسرائيل انشغال ناصر باليمن فقدمت أسلحة ومرتزقة وجسرا جويا لإنهاكه
.. هذه الصفحات الشيقة هي (حكاية حرب وثأر بيننا وبين الاستعمار) كما تِغنِى ذائع الصيت عبدالحليم حافظ قبل نصف قرن!!
في تفاصيلها قصة مارد اسطوري هب من مصر الكنانة ليتجاوز حدود الدعم إلى التحام الدم
بطل هذا الدعم زعيم خالد ووجهته شعب يمني بائس أراد إسماع أنينه للدنيا بأسرها انتفض على قرون البؤس واليأس الظلم والظلام الجهل والفقر والمرض والعزلة التامة شعب خرج ليدافع عن حقه في حياة حرة كريمة وإطلالة على وهج العصر كباقي شعوب الأرض!!
شعب تمسك بأهداب المستحيل ليخرج من ظلمة قبر .. ظن أن العالم سيصغي لجلجلته وعدالة مطلبه .. تلفت يمنة ويسرة – شرقا وغربا – كي يرى حجم التعاطف البشري معه .. لكنه في لحظة خذلان تاريخية وجد نفسه إزاء مؤامرة ضخمة استهدفت (عبدالناصر) وثورة يتيمة تكالب عليها العالم وحرية مغدورة لم يدعمها غير (عبدالناصر) في محور مصري – سوري – صيني – سوفيتي – قاوم حتى النصر.
وحده قائد سلاح الجو الأردني أدرك مرارة الخذلان وخطيئة التآمر فألقى بطائرته بين يدي عبدالناصر متجها إلى القاهرة بعد أن كانت وجهته صنعاء لضرب ثوارها.
ووحدها إسرائيل أيضا اهتبلت الفرصة حين وجدت حرب اليمن قد أدخلت عدوها القومي اللدود في مستنقع منهك .. وللإمعان في إنهاكه هيأت العدة والعتاد وجسرا جويا سريا في جيبوتي ومرتزقة أوروبيين بلا حصر لنصرة الملكيين .. لتلتهم على غفلة من العرب كعكة سيناء على وقع نكسة حزيرانية مشؤومة أخرجت عبدالناصر نازفا من اليمن.
ليتنفس الملكيون الصعداء فقاتل الثوار وحدهم.. ولسان حالهم يقول (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة) وهاكم التفاصيل:
هيئة التحرير
❊ .. كان للدور المصري في مساندة وإنجاح ثورة 26 سبتمبر الأثر األفاعل الذي بفضله صمدت الجمهورية وانتصرت على المحاولات الملكية المستميتة التي كانت تتفوق على الجمهوريين لوجستيا وماديا وعددا وعتادا.. وتنوع الحضور المصري فكان لمصر دور رائد في إعداد المناضلين اليمنيين عسكرياٍ وسياسياٍ وتنظيمياٍ وروحياٍ. كما لعبت دوراٍ محورياٍ في دعم وتوجيه الحركة الوطنية للثورة اليمنية.. وقدمت مصر قوافل كبيرة من الشهداء الذين سقطوا في حرب الدفاع عن الثورة والجمهورية طيلة سبع سنوات خسرت فيها أكثر من 15 ألف جندي.
قبل بداية المد المصري لدعم الثورة في اليمن تردد الرئيس عبدالناصر حينها كثيرا في إرسال قوات مصرية إلى صنعاء لمساندة الجمهورية رغم محاولات عبدالرحمن البيضاني المتكررة من خلال خطة قدمها للمسؤولين المصريين للإطاحة بالنظام الملكي.. لكن وبعد نجاح ثورة 26 سبتمبر وإعلان قيام الجمهورية وفرار البدر من العاصمة صنعاء إلى مدينة حجة وافق عبدالناصر على إسناد الثورة والجمهورية.
ففي 30 سبتمبر1962مم وصل العميد المصري علي عبدالخبير على متن طائرة لتقييم الموقف وتقدير احتياجات مجلس قيادة الثورة اليمني. وعلى الفور تقرر إرسال كتيبة قوات الصاعقة المصرية وكانت مهمتها العمل على حراسة عبدالله السلال ووصلت هذه الكتيبة إلى مدينة الحديدة في 5 أكتوبر.
دوافع استراتيجية
❊ برزت عوامل عديدة لمصر لدعم الثورة اليمنية كما يقول السير أنتوني نتنغ) في كتاباته عن سيرة حياة عبدالناصر دفعت الرئيس جمال لإرسال قوات مصرية إلى اليمن. ومن بين هذه الأسباب انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961م. وكان عبدالناصر يريد استرجاع هيبته بعد انفصال سوريا. ويرى أن انتصارا عسكرياٍ سريعاٍ وحاسماٍ يمكن أن يعيد له قيادته للعالم العربي. وكانت لعبدالناصر سمعته المعروفة كمعاد للاستعمار كما كان يريد طرد البريطانيين من جنوب اليمن ومن ميناء عدن الاستراتيجي المطل على مضيق باب المندب.
فيما قال مؤلف كتاب «اليمن الحرب المجهولة» دانا آدمز شميدت – أن عبدالناصر كان ينوي في البداية انتظار سقوط الإمام أحمد والعمل مع الإمام بدر. ولكن كانت العلاقات العدائية بين عبدالناصر والإمام واضحة في قصيدة كتبها الإمام هاجم فيها الاشتراكية عام 1961م. فرد عليه عبدالناصر عبر إذاعة صوت العرب.
عبدالناصر والفرصة السانحة
❊ ويسرد اللواء محمود عادل أحمد في كتابه الذي نْشر عام 1992م بعنوان «ذكريات حرب اليمن 1962م-1967م». أن مجلس قيادة الثورة في مصر ناقش في 29 سبتمبر 1962م قرار إرسال قوات مصرية لردع الممالك العربية التي تحاول إجهاض الثورة اليمنية والموافقة عليه واتخاذ الاجراءات الكفيلة بالتسريع في تقديم الدعم للثورة اليمنية.
وكتب المؤرخ السياسي والاعلامي الكبير والصديق المقرب من عبدالناصر – محمد حسنين هيكل – في كتاب «لمصر لا لعبدالناصر» أنه تناقش مع عبدالناصر في موضوع دعم الثورة في اليمن وكانت وجهة نظره أن وضع ثورة السلال لا يمكنها من احتواء العدد الكبير من القوات المصرية التي سترسل إلى اليمن لدعم نظامه. وإنه من الأفضل التفكير في إرسال متطوعين عرب من جميع أنحاء العالم العربي للقتال بجانب القوات الجمهورية اليمنية. وقد ضرب هيكل مثال الحرب الأهلية الإسبانية للتطبيق في اليمن. ولكن عبدالناصر رفض وجهة نظره وكان مصراٍ على ضرورة حماية الحركة القومية العربية وكان عبدالناصر يعتقد أن لواء من القوات الخاصة المصرية مصحوباٍ بسرب من القاذفات المقاتلة يمكنه أن يحمي الجمهوريين في اليمن. حيث كان جمال عبدالناصر يتطلع إلى تغيير النظام اليمني منذ عام 1957م وفي يناير من عام 1962م وجد ألفرصة سانحة لتحقيق تطلعاته وذلك بدعم حركة الضباط الأحرار اليمنيين بالإيواء والمال وعلى موجات إذاعة صوت العرب.
ومن بين الأسباب التي أدت بعبدالناصر إلى إرسال القوات المصرية إلى اليمن ايضا تأثير دعمه لحرب تحرير الجزائر من سنة 1954 إلى سنة 1962م. وفتور علاقاته من بريطانيا وفرنسا بسبب دعمه للجزائريين وجهوده لتقويض حلف بغداد الذي أدى سقوطه إلى سقوط الملكية في العراق عام 1958م.
وحينها نْسب إلى وزير الدفاع المصري – المشير عبدالحكيم عامر – قوله أن وجود جمهورية على أرض اليمن هو أمر حيوي بالنسبة لمصر لضمان السيطرة على البحر الأحمر من قناة السويس إلى مضيق باب المندب.
أدرك عبدالناصر خلال ثلاثة أشهر من إرساله القوات إلى اليمن أن الأمر يتطلب أكثر مما توقع. وفي بدايات عام 1963م وجد نفسه مضطراٍ لإرسال المزيد من القوات. لدعم الثوار مع يقينه بالخلافات التي بدأت بالنشوب بين معسكر السلال وشيوخ ألفبائل المؤيدين للثورة لا سيما الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ مشايخ قبائل حاشد صاحبة الدور الكبير في المعارك وكان عدد القوات أقل من 5,000 جندي في أكتوبر عام 1963م وبعد شهرين ارتفع عدد القوات النظامية هناك إلى 15,000وفي نهاية عام 1963م بلغ عدد القوات 36,000 جندي ليصل في نهاية 1964 إلى 50,000 جندي مصري في اليمن وبلغ العدد ذروته في نهاية عام 1965 حيث تجاوز عدد القوات المصرية الــس55,000 جندي مصري تم تقسيمهم إلى 13 لواء مشاة ملحقين بفرقة مدفعية فرقة دبابات والعديد من قوات الصاعقة وألوية المظلات. وقد أرسل السفير أحمد أبو زيد – الذي كان سفير مصر إلى المملكة المتوكلية اليمنية من سنة 1957م إلى سنة 1961م – العديد من التقارير الهامة عن اليمن التي لم تصل إلى وزارة الدفاع المصرية ويبدو إنها ظلت مدفونة في أدراج وزارة الخارجية. فقد حذر السفير المسؤولين في مصر – بمن فيهم المشير عبدالحكيم عامر – أن القبائل اليمنية صعبة المراس ولا تملك أي إحساس بالولاء أوالانتماء للوطن. وعارض السفير إرسال القوات المصرية واقترح دعم الضباط الأحرار اليمنيين بالمال والسلاح. وحذرهم بأن السعوديين سيغرقون اليمن بالمال لتأليب القبائل ضد الثورة.
انعدام الخرائط
❊ كان القادة الميدانيون المصريون يعانون من انعدام الخرائط الطوبوغرافية مما سبب لهم مشكلة حقيقية في الأشهر الأولى من الحرب. فلم يستطع القادة وضع الخطط للعمليات العسكرية أو إرسال التقارير الدورية أو الإبلاغ عن الخسائر بدون الإحداثيات الدقيقة للمواقع. وكانت لدى وحدات القتال خرائط تستخدم فقط للملاحة الجوية. وقد أقر مدير المخابرات العامة المصرية صلاح نصر أن المعلومات عن اليمن كانت شحيحة. ولأن مصر لم يكن لديها سفارة في اليمن منذ سنة 1961م فقد طلبت معلومات من السفير الأمريكي في اليمن ولكن كل ما أرسله في تقريره كانت معلومات عن الاقتصاد اليمني.
وكان نقص الخرائط الكافية وعدم معرفة المصريين بأرض المعركة يؤدي إلى استمرار بقاء القوات المصرية في مستنقع اليمن. وكان من بين القادة الذين تم إرسالهم لتنفيذ «العملية 9000» – وهو الاسم الذي أطلقه قادة الجيش المصري على حرب اليمن – لواء مصري واحد من أصل يمني من قبيلة بني سند اسمه طلعت حسن علي. وكان هذا اللواء هو الوحيد الذي يمكن أن يكون له معرفة باليمن.
دور القوات الجوية
❊ ومنذ عام 1962م إلى نهاية الحرب أدرك قادة الأركان العامة المصرية أهمية الجسر الجوي. ولم يدرك المصريون تأثيره جيداٍ في اليمن حتى أكتوبر من عام 1963م. في هذا الوقت كان الزعيم الجزائري أحمد بن بلة متورطاٍ في حرب الرمال مع المملكة المغربية الموالية للولايات المتحدة على قطعة أرض في الصحراء الكبرى أعطيت للجزائر بعد طرد الاحتلال الفرنسي. وكان الجزائريون يمتلكون جيشا يعتمد تكتيكات حرب العصابات في مواجهة قوات مسلحة تقليدية. وطلب بن بلة المساعدة من عبدالناصر التي جاءت في صورة كميات ضخمة من الدبابات والعتاد الذي جاء عن طريق البحر والجسر الجوي والتي جاءت على حسب كلام نتنغ بسرعة وكفاءة عالية من الجيش المصري ومكنت هذه المساعدات الجزائريين من الاحتفاظ بقطعة الأرض المتنازع عليها.
في يناير 1964م قام الملكيون بحصار العاصمة اليمنية صنعاء. فقامت ناقلات الأنتونوف إيه إن – 12 المصرية بعمل جسر جوي لنقل أطنان من الطعام والوقود إلى العاصمة المحاصرة. وقدر المصريون تكاليف تجهيز القوات المصرية (الجمهورية) بملايين الدولارات وبالإضافة إلى ذلك فقد قامت موسكو بتجديد مطار الروضة الحربي خارج صنعاء. فقد رأى القادة السياسيون السوفييت أنها فرصة لكسب موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية ولذلك قاموا بتدريب المئات من الطيارين الحربيين المصريين للخدمة في حرب اليمن.
موقف قائد سلاح الجو الأردني
❊ في أثناء الحرب قامت المملكة العربية السعودية والأردن بعقد اتفاقية للدفاع المشترك والتعاون العسكري عْرفت باتفاقية الطائف. وبسبب حوادث لجوء بعض الطيارين السعوديين إلى مصر لرفضهم قصف المواقع المصرية في اليمنلجأ السعوديون إلى الأردن للقيام بالغارات الجوية. وبالفعل ذهب وفد عسكري أردني إلى السعودية يرأسه قائد الجيش حابس المجالي ومعه قائد سلاح الجو سهل حمزة للاتفاق على تفاصيل الضربة الجوية التي سيقوم بها طيارون أردنيون. وكانت الأهداف التي يجب ضربها مطارات صنعاء الحديدة وتعز وتدمير الطائرات والمعدات الموجودة السفن المصرية في البحر الأحمر المتجهة والعائدة من اليمن إذاعة صنعاء محطة الاتصالات اللاسلكية قلعة حجة إذاعة تعز وميناء الصليف شمال مدينة الحديدة.
وبسبب طول المسافة وصغر سعة خزان وقود الطائرات فقد تم الاتفاق على ضرب الأهداف ثم الاتجاه إلى القاعدة العسكرية البريطانية في عدن لإعادة التزود بالوقود وإكمال تسليح الطائرات وفي طريق العودة يتم ضرب أهداف أخرى.
وفي أثناء زيارة الوفد العسكري غادر قائد سلاح الجو الأردني – سهل حمزة – الرياض إلى عمان بدون إبداء الأسباب وكان في نيته مقابلة العاهل الأردني لمناقشته في جدوى الأمر. وعندما لم يستطع مقابلته. قرر التوجه بطائرته إلى القاهرة لمقابلة عبدالناصر. وقد ذكر سهل حمزة في أحد الأحاديث الصحفية أنه فكر في الأمر وتوصل إلى أنه إذا رفض القيام به فسيقوم غيره بالمهمة وإذا امتثل فهو «عار له ولبلده»
مصلحة إسرائيل في الحرب
❊ كانت حرب اليمن فرصة لإسرائيل لأنها أجلت خطط المصريين العسكرية لتقوية وضعهم في سيناء وحولت انتباه جيشهم إلى نقطة أخرى. وقد كتب هيكل أن إسرائيل قامت بإعطاء شحنات من الأسلحة كما أقامت اتصالات مع المئات من المرتزقة الأوروبيين الذين يقاتلون بجانب الملكيين في اليمن وقامت إسرائيل بإنشاء جسر جوي سري بين جيبوتي وشمال اليمن. وأعطت الحرب الفرصة للإسرائيليين لمراقبة وتقييم التكتيكات الحربية المصرية وقدرتها على التكيف مع ظروف المعارك.
القوات الملكية اليمنية وحلفاؤها
الدعم السعودي الايراني
❊ في عام 1963م دعمت السعودية القبائل اليمنية الموالية للملكيين بالسلاح عبر تأجير المئات من المرتزقة الأوروبيين وإنشاء محطة إذاعية خاصة بهم. وقامت باكستان ببيع بنادق للملكيين وكانت قد رأت فيها فرصة للتكسب من الحرب. وقامت إيران بدعم الملكيين بالمال فقد وجد الشاه محمد رضا بهلوي أنه يجب عليه دعم الإمام محمد البدر حميد الدين الشيعي الزيدي. وسمح البريطانيون بمرور قوافل السلاح عبر أراضي أحد حلفائهم في ما كان يسمى الجنوب العربي وهو شريف بيحان الذي كان تحت حماية الإدارة البريطانية في عدن. وقامت الطائرات الحربية البريطانية بعمليات نقل جوية لإعادة إمداد قوات الإمام.
وقام البدر بتشكيل جيشيين – واحد تحت قيادة الأمير حسن في الشرق والثاني تحت قيادته في الغرب. وسيطر الجيشان على معظم شمال وشرق اليمن بما فيه حريب ومارب. ولكن عاصمة الشمال صعدة – التي كانت تعطي للإمام طريقا استراتيجيا هاما للعاصمة صنعاء – كانت تحت سيطرة الجمهوريين. وكانت هناك مناطق مثل مدينة حجة حيث كان الملكيون يسيطرون على الجبال بينما سيطر المصريون والجمهوريون على المدينة وقلعتها. وقد تم إرسال مرتزقة من فرنسا بلجيكا وإنجلترا لمساعدة الإمام في التخطيط للحرب التدريب وإعطاء القوات غير النظامية التابعة للإمام القدرة على الاتصال بالسعوديين وفي ما بينهم. كما قام أولئك المرتزقة بتدريب رجال القبائل على استخدام الأسلحة المضادة للدبابات مثل المدفع عيار 106 مليمتر وكيفية زرع الألغام. وقدرت المصادر المصرية عدد المرتزقة بخمسة عشر ألف مرتزق. وكانت تكتيكات الملكيين محصورة في أساليب حرب العصابات لعزل القوات التقليدية المصرية عن الجمهورية العربيه اليمنية والقيام بهجمات على خطوط الإمداد.
ثلاثة محاور
❊ قسمت قيادة الأركان العامة المصرية حرب اليمن إلى ثلاثة أهداف عملياتية. الأول كان الشق الجوي وبدأ هذا الشق بطائرات تدريب قامت بعمليات تمشيط كما قامت أيضاٍ بحمل القذائف وانتهى بثلاثة أسراب من القاذفات المقاتلة تمركزت بالقرب من الحدود اليمنية السعودية. وقام المصريون بطلعات جوية على طول ساحل تهامة وفي مدن نجران وجازان . وكان هدف هذه الطلعات قصف تشكيلات الملكيين الأرضية وتعويض قلة التشكيلات المصرية على الأرض بالقوة الجوية. وبجانب الغارات الجوية المصرية كان الشق العملياتي الثاني هو السيطرة على الطرق الرئيسية المؤدية للعاصمة صنعاء والطرق التي تربطها بالمدن والقرى الرئيسية. وكانت حملة «رمضان» هي أكبر هجوم نْفذ من أجل هذا الشق العملياتي الذي بدأ في مارس 1963م حتى فبراير 1964 وركز على فتح وتأمين الطرق من صنعاء إلى صعدة في الشمال وطريق صنعاء-مارب في الشرق. وكانت نتيجة نجاح المصريين أن الملكيين سيتخذون الهضاب والجبال ملجأ لإعادة التجمع والقيام بالكر والفر.
فيما كان الشق العملياتي الثالث هوإخضاع القبائل وإغراؤهم لتأييد الجمهوريين. وتطلب ذلك إنفاق أموال كثيرة لإمداد القبائل بالمساعدات بل ورشوة زعماء القبائل.
ومع حلول العام 1967م تمركزت القوات المصرية في مثلث الحديدة – تعز – صنعاء للدفاع عنه. وقامت بعمل طلعات جوية لقصف جنوب المملكة العربية السعودية وشمال اليمن. وقد أراد عبدالناصر انسحاباٍ متزامناٍ للقوات المصرية والسعودية من اليمن لحفظ ماء الوجه. ولكن هذا الانسحاب جاء عند اندلاع حرب يونيو 1967م عندما قامت إسرائيل بهجوم جريء على ثلاث دول عربية هي مصر سوريا والأردن. وبعد نكسة 67 بدأ العرب في الاتحاد ضد إسرائيل. وقد أعطى ذلك عبدالناصر ألفرصة للخروج من اليمن في قمة الخرطوم. ومن سنة 1968م إلى سنة 1971م انسحبت مصر والسعودية والمرتزقة من اليمن.
حملة رمضان
❊ بدأت حملة رمضان في فبراير 1963م عندما وصل المشير عبدالحكيم عامر وأنور السادات إلى صنعاء. وقد طلب عبدالحكيم عامر من القاهرة مضاعفة عدد القوات الموجودة إلى 40,000 جندي ووصل منهم 5,000 كدفعة أولى. وفي 18 فبراير تحركت فرقة من 15 دبابة عشرين عربة مدرعة 18 شاحنة والعديد من سيارات الجيب من صنعاء متجهة إلى صعدة في الشمال. وتبعتها العديد من القوات. وبعد بضعة أيام توجهت فرقة أخرى يتقدمها 350 جنديا في دباباتهم وعرباتهم المدرعة من صعدة إلى مارب في الجنوب الغربي. ولم تتجه ألفرقة الأخيرة إلى مارب مباشرة. بل قاموا بالعبور إلى صحراء الربع الخالي داخل الأراضي السعودية حيث تم تجهيزهم بواسطة جسر جوي ثم توجهوا إلى الغرب. وفي 25 فبراير احتلوا مارب ثم حريب في 7 فبراير. وقد فشلت قوة ملكية من 1,500 رجل تم جمعهم في نجران في وقف الهجوم عند خروجه من صعدة. وقد هرب قائد الملكيين في حريب إلى بيحان.
معركة العرقوب
❊ وفي معركة العرقوب التي تقع على بعد 25 ميل جنوب شرق العاصمة صنعاء قام 500 ملكي يقودهم الأمير عبدالله بالهجوم على موقع مصري على قمة أحد الهضاب وكان الموقع يحرسه ست دبابات سوفيتية من نوع تي-54 دستة من العربات المصفحة ومدافع آلية. فقام المصريون بالرد على الهجوم بالمدفعية وقذائف المورتر وطائرات التمشيط. بينما قام الملكيون بالرد بالبنادق وقاذف مورتر واحد معه عشرين قذيفة ومدفع بازوكا معه أربعة قذائف. واستمرت المعركة أسبوعاٍ كلفت المصريين ثلاث دبابات سبع عربات مدرعة و160 قتيلاٍ. ولكن المصريين كانوا في مواقع تمكنهم من منع الملكيين من الإمدادات في الجبال شمال وشرق صنعاء. وفي أبريل قرر الملكيون تطبيق تكتيكات جديدة ومنها الحصول على الإمدادات بالدوران حول المواقع التي يحتلها المصريون باستخدام الجمال بدلاٍ من الشاحنات لعبور الجبال والوصول لمواقعهم شرق صنعاء. ويمكن لقوافل الجمال أن تدخل الربع الخالي من بيحان إلى اليمن شمال مارب. وقد تقرر أيضاٍ تكثيف عمليات الملكيين شرق الجبال بواسطة ثلاثة «جيوش». وفي نهاية أبريل بدأ الملكيون في استعادة قوتهم واسترجعوا بعض المواقع التي أخذها منهم المصريون في الجوف
حملة حرض
❊ في 12 يونيو قام 4,000 جندي من قوات المشاة المصرية مدعمون بالجيش الجمهوري والمتطوعين من محمية عدن بمهاجمة مدينة بيت عذاقة التي تقع على بعد 30 ميلاٍ غرب صنعاء حيث تمتد جبهة يقودها الأمير عبدالله من طريق الحديدة عبر مدينة كوكبان إلى جنوب حجة. وخلال يومين تقدم الهجوم حوالي 12 ميلاٍ قبل أن يتم صدهم بهجوم ملكي مضاد. وقد اعترف الملكيون بمقتل 250 من جانبهم. ثم هاجم الجمهوريون مدينة السودة 100 ميل شمال غرب صنعاء. وقد استغلوا قلة شعبية الأمير عبدالله بين القبائل لشراء شيوخها ودخلوا المدينة بلا مقاومة. ولكن بعد مرور شهر بعثت القبائل بمندوبين للبدر يطلبون العفو ويطلبون منه المال والسلاح لقتال المصريين. وارسل البدر قوات جديدة واستطاع استعادة المناطق المحيطة بالمدينة ولكن ليس المدينة نفسها.
وفي 15 أغسطس قام المصريون بهجوم من قاعدتهم الشمالية الغربية الرئيسية في حرض. وكان عدد القوات يصل إلى 1,000 جندي مصري يصاحبهم 2,000 جندي جمهوري. وكانت الخطة – على حسب رواية المخابرات البريطانية – هي قطع الطريق الجبلي الذي يبلغ طوله 35 ميلاٍ ويربط بين الخوبة على الحدود السعودية ومقر قيادة البدر في جبال القارة ثم بعد ذلك قسم القوات إلى قسمين تتحرك واحدة إلى الشرق إلى مقر قيادة البدر والأخرى تتجه إلى الشمال الشرقي عبر الطريق الجبلي إلى الحدود السعودية تحت جبال رازح. وبداٍ المصريون تحركهم عبر وديان حرض وتعشر. وفي عصر يومي السبت والأحد هطلت الأمطار بغزارة وغرزت آلياتهم المكونة من 20 دبابة وحوالي 40 عربة مدرعة في الوحل. ولم يهاجمهم الملكيون حتى فجر الإثنين. وغادر البدر مقر قيادته في الثالثة فجراٍ مع 1,000 من رجاله للقيام بهجوم مضاد في مضيق تعشر بينما هاجم الأمير عبدالله وادي حرض.
تنسيق التحركات
❊ وفي هذه الأثناء خطط المصريون لتحرك منسق من صعدة إلى الجنوب الغربي تحت جبال رازح للانضمام مع القوة القادمة من حرض. وقد اعتمدوا على احد مشأخ القبائل الذي كان من المفروض أن تنضم قواته إلى 250 من قوات المظلات المصرية. ولكنه لم يحضر لاستقبال المظليين. فاضطروا إلى العودة إلى صعدة وسقط بعضهم بنيران قناصة الملكيين. وبعث البدر بمبعوثين ورسائل لاسلكية في جميع أنحاء البلاد يطلب فيها الدعم. وطلب حضور قوات الاحتياط التي تتدرب في الجوف. وقد وصلت هذه القوات على شاحنات تحمل مدافع عيار 55 و 57 مليمتر ومدافع مورتر عيار 81 مليمتر بالإضافة إلى مدافع آلية ثقيلة بعد 48 ساعة. وقاموا بضرب الصفوف المصرية الغارقة في الوحل داخل الوادي بالمدافع. وقد أعلن الملكيون فيما بعد أنهم دمروا 10 دبابات مصرية و نصف عرباتهم المدرعة.
كما نفذوا هجومين آخرين أحدهما على جهينة وقتلوا العديد من ضباط الأركان. والثاني كان محاولة لقصف صنعاء من قمم أحد الجبال القريبة. وقد شارك في هذه العملية خبراء بريطانيون ومرتزقة فرنسيون وبلجيكيون من كاتانغا. قاموا بهجمات خاطفة أخرى من ضمنها غارات على الطائرات والدبابات المصرية في مطار صنعاء الجنوبي وهجوم بقذائف المورتر على أماكن معسكرات المصريين والجمهوريين في تعز.
كما قام الملكيون بإجهاض أربع محاولات مصرية لفتح طريق مباشر إلى جبال رازح بين ديسمبر 1964 وفبراير 1965. وقد خفت حدة هذه المحاولات المصرية تدريجياٍ وفقد المصريون 1,000 جندي ما بين قتيل وجريح وأسير.
طرق شاقة
❊ وكان خط المواصلات المصري من صنعاء إلى مارب يتخذ طريقاٍ غير مباشر حيث يمر بعمران ثم وادي الخيران حيث يتفرع إلى الشمال الشرقي إلى حرف سفيان. ومن حرف سفيان يتحول جنوباٍ إلى فرح ثم إلى الجنوب الشرقي إلى وادي الحميدات المطمة والحزم. ومن الحزم إلى الجنوب الشرقي إلى مارب وحريب. وتمر القوافل العسكرية المصرية من هذا الطريق مرتين في الشهر. لأن الملكيين أغلقوا الطريق المباشر عبر الجبال بين صنعاء ومارب.
وكان هدف الملكيين تحت قيادة الأمير محمد هو قطع هذا الخط لإجبارهم على الانسحاب. وخططوا للتغلب على الحاميات العسكرية المنتشرة على الطريق وإنشاء مواقع لقطع الطريق على المصريين. وقد نسقوا مع قبيلة نهم التي كانت تتظاهر بالتحألف مع المصريين لمساعدتهم على عبور طريق الجبال عبر وادي الحميدات. ووعد الملكيون قبيلة نهم بإعطائهم الغنائم. وقد شعر المصريون بأنه يوجد لهم مخطط لأنهم قاموا بإرسال طائرة استطلاع إلى المنطقة قبل الهجوم بيوم. وقد قام الملكيون ينصب رشاشات عيار 75 مليمتر ومدافع مورتر على الجبل الأسود والجبل الأحمر المشرفين على الوادي.
وفي 15 أبريل بعد أن عبرت آخر قافلة مصرية قام الملكيون بهجوم مفاجئ.. وقامت الرشاشات على الجبلين الأسود والأحمر بفتح النار وخرج رجال قبيلة نهم من وراء الصخور. ثم خرجت جنود الأمير محمد. وكانت هذه العملية الملكية منسقة باللاسلكي لأول مرة. وقد استسلم بعض الجنود المصريين بلا مقاومة وهرب آخرون إلى الشمال. ولكن قام الجانبان بإعادة التعبئة والتسليح وتحولت المعركة ما بين حرف سفيان والحزم.
وفي هذه الأثناء قام الأمير عبدالله بن حسين بغارة على المواقع المصرية في الأعروش شمال شرق صنعاء وهاجم الأمير محمد بن محسن المصريين بخمسمائة رجل غرب الحميدات وضرب الأمير الحسن بالقرب من صعدة وتحرك الأمير حسن بن الحسين من جماعة غرب صعدة إلى موقع يمكنه من ضرب المطارات المصرية بمدافع المورتر. واستسلم خمسون مصرياٍ في المطمة بالقرب من الحميدات. واضطر المصريون بعد ذلك إلى إمداد الحاميات في الطرق الجبلية التي كان عددها يتراوح بين 3,000 و 5,000 جندي مصري عن طريق الجو.
قمة الإسكندرية ومؤتمر الكويت
❊ في سبتمبر 1964 تقابل عبدالناصر والملك فيصل في مؤتمر القمة العربية بالإسكندرية. وكان لايزال في اليمن 40,000 جندي مصري فيما قْتل 10,000 جندي آخر. وفي البيان الختامي للقمة تقرر المساهمة في حل الخلافات بين مختلف ألفصائل اليمنية.والعمل سوياٍ لوقف القتال المسلح في اليمن.والوصول إلى حل بالطرق السلمية.
وفي 2 نوفمبر من نفس العام عْقد مؤتمر سري في أركويت بالسودان. وأعلن المتحاربون وقفاٍ لإطلاق النار يسري مفعوله الساعة الواحدة من ظهر يوم الإثنين 8 نوفمبر. وفي 2 و 3 نوفمبر تناقش 9 مندوبون من الطرفين ومعهم ملاحظان مصري وسعودي حول شروط الاتفاق. وتم الاتفاق على عقد مؤتمر موسع يحضره شيوخ القبائل في 23 نوفمبر. وكان المؤتمر بالنسبة للملكيين نواة مجلس نواب سيقوم بتعيين لجنة تنفيذية مؤقتة تتكون من اثنيين من كل طرف بالإضافة إلى شخص محايد لحكم البلاد مؤقتاٍ تمهيداٍ لأجراء استفتاء عام لتحديد طبيعة نظام الحكم ملكي أم جمهوري. وتقرر تنحية السلال والبدر من أي مناصب رسمية. ولكن المصريين قاموا بقصف بعض المواقع الملكية يوم 4 نوفمبر فتأجل المؤتمر الموسع إلى يوم 30 نوفمبر ثم إلى أجل غير مسمى. وتبادل الجمهوريون والملكيون الاتهامات لعدم الحضور.
دور الاذاعة الملكية
❊ حاولت الإذاعة الملكية إثارة الشقاق بين الجمهوريين عن طريق وعدهم بالأمان بعد انسحاب القوات المصرية من اليمن. وقد وعد البدر أيضاٍ بتشكيل «نظام دستوري ديموقراطي» محكوم «بمجلس شعب ينتخبه شعب اليمن». وقد لبى عبدالناصر طلب عبدالله السلال عندما طلب منه الدعم العسكري فبعث له الجنود والسلاح على طائرة شحن من القاهرة.
وبحلول شهر أغسطس كان لدى الجمهوريين سبعة «جيوش» يتراوح عدد مقاتلي كل جيش ما بين 3,000 و 10,000 مقاتل ويصل مجموعهم ما بين 40,000 إلى 70,000 مقاتل. وكان يوجد حوالي خمسة أو ستة أضعافهم من رجال القبائل والقوات النظامية تحت قيادة الأمير محمد. وطبقاٍ للإحصاءات المصرية وصلت خسائر مصر من القتلى إلى 15,194 مصرياٍ. وكانت الحرب تكلف مصر 500,000 دولار يومياٍ. فيما قتل من جانب الملكيين ٠٠٠٠٤.
مؤتمر خمر
❊ قام رئيس الوزراء احمد محمد نعمان بدعوة القبائل من جميع ألفصائل إلى المصالحة الوطنية. وقال في دعوته التي بثت على إذاعة صنعاء أنه سيقابلهم في خمر لتحقيق «السلام من أجل شعب اليمن». وقال أنه سيرأس وفد الجمهوريين في المؤتمر وأن السلال سيبقى في صنعاء لإقناع البدر بحضور المؤتمرولكن لم يحضر البدر أو أي من قادته الكبار بل حضر بعض من مشايخ القبائل الكبار المؤيدين للملكيين. وعين المؤتمر خمسة شيوخ قبائل وأربعة قيادات دينية في لجنة مكلفة بالمساعدة على الوصول لحل سلمي. وبارك عبدالناصر هذا المؤتمر الذي وعد فيه نعمان الملكيين بانسحاب القوات المصرية. وقالت إذاعة القاهرة أن المؤتمر هو «فجر عهد جديد» وقال السلال أن المحادثات كانت «ناجحة» ومن جانب الملكيين قال البدر «أنه من الضروري إنهاء الحرب التي دمرت وطننا الحبيب بالمفاوضات السلمية بين اليمنيين».ولكن في أوائل يونيو عندما قال نعمان أن القوات المصرية ستغادر اليمن وسيحل محلها قوات جمهورية ملكية مشتركة. عارض الناصريون الاتفاق. وبعد أن سافر نعمان للقاهرة للاحتجاج لدى عبدالناصر قام السلال بسجن سبعة وزراء مدنيين في إدارة نعمان. واستقال نعمان وكان تعليقه على الأمر أن «من الواضح أن السلال ورفاقه يريدون الحرب لا السلام». وعين السلال حكومة جديدة من 13 عسكريا ومدنيين.
قمة جدة
❊ كانت رحلة عبدالناصر إلى جدة في 22 أغسطس عام 1965 على متن مركبه الحرية هي أول رحلة له للملكة العربية السعودية منذ عام 1956 عندما قام بزيارتها للحج ومقابلة الملك سعود بن عبدالعزيز. وقد قام الملك فيصل بالترحيب به ترحيباٍ كبيراٍ. وخلال 48 ساعة توصل الإثنان إلى اتفاق كامل على انسحاب القوات المصرية من اليمن تدريجياٍ خلال عشرة أشهر ووقف كل المساعدات السعودية للملكيين.وتكوين مجلس يمني من 50 عضواٍ يمثلون جميع الفصائل اليمنية ويكون مكلفاٍ بتكوين حكومة انتقالية تمهيداٍ لاستفتاء عام لتحديد مستقبل اليمن.
مؤتمر حرض
❊ وفي 23 نوفمبر التقى الجانبان في حرض. وكانت أول نقطة موضع النقاش هي اسم الدولة المؤقتة التي من المفروض أن تقوم حتى موعد الاستفتاء العام. وأراد كل من الجانبين فرض الدولة التي يريد فالملكيون أرادوها مملكة اليمن والجمهوريون جمهورية اليمن. وقد تم تأجيل المؤتمر إلى ما بعد رمضان الذي كان سيبدأ بعد أسبوع.
اعتقال الارياني والعمري ونعمان
❊ وفي ذات الوقت كان هناك الكثير من الخلافات والمشاحنات بين عبدالله السلال وبين عبدالرحمن الإرياني وحسن العمري وأحمد محمد نعمان. فقرر عبدالناصر احتجاز السلال في القاهرة لمدة تصل إلى عشرة أشهر أو أكثر. ولكن عبدالناصر سمح له بالعودة في شهر أغسطس من عام 1966م ووصل السلال إلى مطار صنعاء في 13 أغسطس. وكان حسن العمري ينوي استقباله في المطار بالمدرعات ولكن اللواء طلعت حسن قائد القوات المصرية منعه من ذلك. فسافر قادة الجمهوريين إلى تعز وهم مصممون على إيجاد طريقة لإبعاد السلال واقترح بعضهم الذهاب إلى بيروت وإعلان الأمر في مؤتمر صحفي ووصل التفكير ببعضهم إلى اقتراح تصعيد الأمر للأمم المتحدة. ولكن الإرياني اقترح عليهم الذهاب إلى القاهرة لمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر لعرض المشكلة عليه. ووصلوا إلى القاهرة يوم 18 سبتمبر. وقابلوا شمس بدران بدلاٍ من المشير عبدالحكيم عامر. وحدثهم شمس بدران بأنه توجد معلومات عن التخطيط لانفصال على غرار الانفصال السوري. وحدثت مشادة وانصرف الجميع إلى بيوتهم أو إلى السفارة اليمنية. ثم جاءت سيارات إلى أماكن إقامتهم لتقلهم لمقابلة عبدالحكيم عامر – ولكن في الحقيقة جاءت هذه السيارات لاعتقالهم. وقد بقوا معتقلين في مصر إلى ما بعد حرب سنة 1967م.
الانسحاب المصري من اليمن
❊ بحلول عام 1967م تركزت القوات المصرية في مثلث الحديدة تعز وصنعاء للدفاع عنه. بينما قامت القوات الجوية بقصف مواقع في جنوب السعودية وشمال اليمن. وفي أغسطس قام عبدالناصر باستدعاء 15,000 جندي لتعويض الجنود الذين فْقدوا في الحرب مع إسرائيل.
وفي مؤتمر القمة العربية بالخرطوم الذي عْقد بعد الحرب أعلنت مصر بأنها مستعدة لسحب قواتها من اليمن. واقترح وزير الخارجية المصري محمود رياض إعادة إحياء اتفاق جدة 1965م وقبل الملك فيصل الاقتراح ووعد البدر بإرسال قواته للقتال مع مصر ضد إسرائيل. ووقع عبدالناصر والملك فيصل اتفاقية تنص على سحب القوات المصرية من اليمن ووقف المساعدات السعودية للملكيين وإرسال مراقبين من ثلاث دول عربية محايدة هي العراق السودان والمغرب. ورفض السلال الاتفاق واتهم عبدالناصر بخيانته. وقامت مصر بإعادة ممتلكات سعودية بقيمة 100 مليون دولار كانت قد جمدتها سابقاٍ وتراجعت السعودية عن تأميم ثلاثة مصارف مملوكة لمصريين
انحسار شعبية السلال
❊ كانت شعبية السلال بين جنوده في انحسار فبعد أن تعرض لمحاولة اغتيال بواسطة اثنين من جنوده اتخذ حراسٍا مصريين. كما أمر بالقبض على مدير الأمن العام عبدالقادر الخطري ووزير الداخلية الأهنومي بعد أن قامت الشرطة بإطلاق النار على محتجين تظاهروا أمام مقر القيادة المصرية يوم 3 أكتوبر عام 1967م لرفضهم حضور اللجنة العربية المكلفة بتحقيق السلام في اليمن التي رفض السلال الاعتراف بها. كما قام بحل الحكومة وقام بتعيين واحدة جديدة يتولى ثلاثة عسكريون الوزارات المهمة فيها. وتولى بنفسه منصبي وزير الدفاع والخارجية. وفي مصر قام عبدالناصر بإطلاق سراح ثلاثة قادة جمهوريين احتجزهم لأكثر من سنة لأنهم كانوا يريدون التفاوض مع الملكيين وهم القاضي عبدالرحمن الإرياني أحمد محمد نعمان وحسن العمري. وعندما قام السلال بزيارة القاهرة أوائل نوفمبر نصحه عبدالناصر بالاستقالة والذهاب إلى المنفى. ورفض السلال نصيحة عبدالناصر وذهب إلى بغداد طالبٍا الدعم من البعثيين. وبعد أن غادر القاهرة أرسل عبدالناصر إلى قواته تعليمات بعدم الوقوف أمام محاولة انقلاب كانت تجري ضد السلال. وهي المحاولة التي كللت بالنجاح في 5 نوفمبر.
حصار السبعين
❊ مثل انسحاب القوات المصرية من اليمن بعد حرب سنة 1967م نقطة ضعف كبيرة في دفاعات وتماسك الجمهوريين. فقد أخذ المصريون معهم أسلحتهم الثقيلة. وانعكس اتجاه الجسر الجوي عائداٍ إلى القاهرة بدلاٍ من أن يمد صنعاء بالمؤن والسلاح. كما أن حركة 5 نوفمبر والانقلاب على السلال أثناء زيارته لبغداد أضعفت من موقف الجمهوريين وأثارت شكوك الدول الداعمة للجمهوريين في قدرتهم على الصمود. وقد تشكلت بعد الإطاحة بالسلال حكومة كان بعض أفرادها خارج اليمن أو خرجوا منها بعد تعيينهم.
وعلى الجانب الآخر كان الملكيون متفوقين عسكرياٍ من حيث العدة والعدد ويصاحبهم العديد من المرتزقة الأجانب. فقرروا محاصرة العاصمة صنعاء لحسم الموقف والقضاء على الجمهورية. ولكن الجمهوريين استعادوا تماسكهم وعينوا ألفريق حسن العمري رئيساٍ للحكومة كما حافظ على موقعه كقائد للجيش. وقد دام الحصار سبعين يوماٍ شهد معارك عديدة داخل المدينة وعلى أطرافها. وقد أحدث الطيران العسكري والمدني الجمهوري فارقاٍ كبيراٍ في المعركة. وقد ساندت الصين ومصر الجمهوريين عسكرياٍ واقتصادياٍ وبعثت سوريا بطيارين لقيادة الطائرات اليمنية المقاتلة التي كانت مكونة بالأساس من طائرات ميج-17. وأفادت بعض التقارير الغربية أن الاتحاد السوفيتي بعث بطيارين حربيين لمساندة الجمهوريين.
وقد أدى انتصار الجمهوريين في معركة الحصار إلى نتائج عديدة منها اعتراف المملكة العربية السعودية في ما بعد بالجمهورية اليمنية. واكتمال انسحاب القوات المصرية من اليمن عام 1971م وصاحب الانتصار أيضاٍ خروج بريطانيا من الجنوب في ٠٣ نوفمبر عام 1967م.