الآلية المقترحة لما بعد مؤتمر الرياض 2012م

 - تْجادل هذه التناولة مشاركة المانحين في وضع السياسات وتصميم المشاريع والبرامج التنموية  في اليمن أمر مهم لكن الأهم من ذلك هو طبيعة ودرجة هذه المشاركة التي ينبغي أ
د.موسى عبدربه علاية –
تْجادل هذه التناولة مشاركة المانحين في وضع السياسات وتصميم المشاريع والبرامج التنموية في اليمن أمر مهم لكن الأهم من ذلك هو طبيعة ودرجة هذه المشاركة التي ينبغي أن تَحدد بعوامل مثل الكفاءة والمعرفة وقدرة المنظمات المانحة على تنفيذ المشاريع الإنمائية على أكمل وجه.. مرحلة ما بعد مؤتمر الرياض 2012م لابد أن تضع الجهات المانحة في الحسبان الفكرة القائلة بأن الاهتمام بإدارة التنمية هي أكثر أهمية من حجم الأموال التي ستْخصص لدعم استقرار اليمن.
في هذا الصدد نؤكد أن محور إدارة التنمية الأساسي ينبغي أن يكون الإنسان وبهذا يمكن القول إن عملية اختيار الخبراء والعاملين الذين سيتولون مهمة تخطيط ورسم وتنفيذ أي نموذج تنموي مستقبلي في اليمن لابد أن تْبنى وفقا لشروط المعرفة بظروف هذا البلد وتعقيداته المحلية لضمان تحقيق فاعلية المساعدات.
العديد من العلماء والباحثين يؤكدون على أهمية المعرفة المحلية في إدارة برامج التنمية على اعتبار أنها لا تْحدد فقط في العملية التوجيهية أو الإدارة اليومية لتلك البرامج حول ما هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله بل أيضاٍ لها أهمية كبرى في تقديم مقترحات أساسية حول ما يجب أن تكون علية القيم أو المبادئ التوجيهية لعملية التنمية برمتها. على اعتبار أن واحدة من أساسيات الإدارة من أجل التنمية هو تطوير وتحسين قيم التنمية و تحويل تلك القيم وعلى الرغم من أن هناك خلافاٍ كبيراٍ حول ماهية قيم التنمية وما يجب تحقيقه على أرض الواقع . هذه المهمة ترتكز أساساٍ على عاتق مدراء برامج مساعدات التنمية والذين يفترض أنهم يعملون وكأنهم وكلاء للتغيير الداخلي في الدولة المستلمة للمساعدات ففضلاٍ عن دورهم في تبسيط الإجراءات وتخفيض تكاليف المعاملات يجب أن يعملوا على تقديم المقترحات التي تساعد الجهات المانحة والحكومات المستلمة في إنفاق المساعدات بشكل أفضل يتناسب مع احتياجات كل بلد وأولوياته وعملياته وبما يتناسب مع قدراته وظروفه الداخلية.
وعلى صعيدُ آخر نجد الأسئلة الرئيسية المطروحة في الوقت الراهن أمام المانحين أو شركاء اليمن في التنمية والتي تثير المخاوف هو ما إذا كان اليمن يمتلك القدرة حالياٍ على استيعاب المزيد من أموال المساعدات بفاعلية نتيجة للفساد الداخلي ونقص القدرات. وما يضاعف هذه المخاوف أن اليمن يفتقر إلى المهنيين المتعلمين لإدارة بفاعلية مزيد من البرامج, وعدم استقرار الأوضاع الأمنيةº فعدم القدرة على ضمان سلامة الغربيين العاملين في مشاريع التنمية يمثل مصدر قلقُ كبير. ورغم أن هذه المخاوف من الظاهر صحيحة ومنطقية إلا أن ما يزيد مخاوفنا أن قضية تصميم وإدارة المشاريع الإنمائية الهادفة إلى تصحيح المسار التنموي في اليمن تحتاج إلى خبراء ذات معرفة عميقة محلية في اليمن لكي يتم تصميم مشاريع هادفة ومدروسة ذات منهجية تنطلق من الأولويات والمتطلبات الضرورية والملحة وهي القضية التي لم تتوفر لدى الجهات المانحة العاملة في اليمن حتى الوقت الراهن.
ولتبديد هذه المخاوف ولتفادي أسوأ السيناريوهات المحتملة قد نكون أمام واقع يفرض علينا دوراٍ عربياٍ فاعلاٍ في هذا السياق من خلال الاستعانة بخبرات عربية ومؤسسات استشارية عربية بصورةُ مدروسة لعدم تحويلها “لتجارة سلبية”. بعيداٍ عن الأبعاد السياسية التي قد تْفسر بما يسمى تعريب القضية اليمنية وغيرها. هنا المقصود فقط تعريب إدارة العملية التنموية في اليمن. فمن المسلم به أن الخبراء العرب في مجال إدارة التنمية قد يكونوا أكثر دراية بواقع البيئة والمشاكل المحلية في اليمن بجميع جوانبها السياسية, الاجتماعية, الاقتصادية والإدارية. إن مثل هذا الاتجاه قد لا يخلو من العيوب والثغرات إلا أننا نتوقع من اعتماده تحقيق مستوى أعلى في فاعلية المساعدات الإنمائية الموجهة لمساعدة اليمن لتجاوز ظروفه الراهنة.
وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة إنشاء وحدة مركزية لتخطيط و إدارة و تنسيق الجهود الدولية الجاري التحضير لها لمساعدة اليمن1. اعتماد هذا النهج التنموي كسيناريو مستقبلي لمساعدة اليمن لم يأت جزافاٍ أو من باب الهراء بل لأسباب موضوعية عدة سيتم سرد أهمها في النقاط التالية:-
أولاٍ: أن السبب الرئيس في عدم فاعلية المشاريع التنموية الخارجية في سياق اليمن خلال المرحلة المنصرمة كان بسبب سوء تصميم وإدارة تلك المشاريع من قبل الخبراء والعاملين الأجانب في المنظمات والوكالات المانحة نتيجة لقلة معرفتهم بالمشاكل والتعقيدات المحلية في هذا البلد وهناك عوامل ذات صلة بالسياسة الداخلية والبيروقراطية داخل المنظمات المانحة نفسها مما زاد من حدة هذه المشكلة ولذا فإن الاعتماد على البديل العربي سيبدد هذه المشاكل نظراٍ لتوفر الدراية في واقع البيئة والمشاكل المحلية في اليمن لدى العديد من الخبراء العرب. على سبيل المثال, القدرة على فهم المجتمعات المحلية ومشاكلهم أمرَ يتطلب على الأقل التحدث بلغات هذه المجتمعات وهو الأمر الذي واجه العديد من الخبراء الأجانب في اليمن نتيجة لعدم تحدثهم اللغة العربية وذات ثقافات مختلفة تماماٍ عن ثقافة المجتمع الذي يحدثون التغيير فيه ولذا فإن الاعتماد على البديل العربي سيسهل كثيراٍ هذه المهمة نظرا لتقارب عاملي اللغة والثقافة على الأقل.
ثانيا : اعتماد البديل العربي لإدارة العملية التنموية في اليمن في مرحلة ما بعد مؤتمر الرياض 2012م فد يْسهل عملية تبني إستراتيجية للتعرف على اللاعبين الرئيسيين في المجتمع من السياسيين و القيادات الإدارية العليا والقيادات التقليدية والذين على الأرجح سيكونون إما عامل دعم أو إعاقة لعملية رسم وتنفيذ الخطط والسياسات التنموية المتعلقة ببرامج المساعدات الإنمائية الخارجية. فعملية الإصلاح والتغيير عادةٍ ما تفرز ما يسمى بصراع المصالح نتيجة لخوف اللاعبين الرئيسين في المجتمع من الخسارة المادية أو المعنوية والخشية من فقدان السلطة أو المصالح المكتسبة المرتبطة بالوضع الحالي القائم وبذلك قد يبدون مقاومة شديدة للتغيير أو قد يعملون على توجيه البرامج القادمة من الخارج بما يخدم الوضع القائم. سيكون من المفيد في هذا السياق تصميم بعض البرامج لتهيئة هؤلاء الأشخاص لتقبل التغيير والتأكيد على عدم فقدانهم مصالحهم وتطوير معارفهم ومدركاهم لمرحلة ما بعد التغيير. في الحقيقة إن أي تجاهل لهؤلاء الأشخاص قد لا يخدم العملية التنموية في سياق اليمن وعليه لابد أن يتم إشراكهم بعد تهيئتهم وفقاٍ لضوابط محددة في عملية تخطيط ورسم وتنفيذ المشاريع الإنمائية في كل المستويات الحكومية.
ثالثا: يمكن أن نقول انه في حالة الاعتماد على البديل العربي كمرحلة انتقالية في إدارة التنمية سيؤدي إلى إزالة المخاوف الدولية بشأن افتقار اليمن إلى المهنيين المتعلمين لإدارة مزيدُ من البرامج التنموية بفاعلية. كما أن الاعتماد على الخبرة العربية في هذه المرحلة سيؤدي إلى إزالة المخاوف الدولية بشأن إرسال خبراء أجانب إلى اليمن بسبب الظروف الأمنية التي يعاني منها البلد في الوقت الراهن ولاسيما إن البديل العربي سيؤدي إلى نقل التجارب العربية الناجعة في مجال إدارة التنمية التي قد تعمل بفاعلية في سياق اليمن نظراٍ لتشابه الدول العربية من حيث السمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
اعتماد مثل هذا السيناريو يجب ألا يْغفل التجربة الماضية لعمل المنظمات المانحة في اليمن بل لابد من دراستها وتحليلها واكتشاف جوانب القوة والضعف ومن ثم تطوير النموذج التنموي المناسب للأوضاع المحلية في اليمن. والاعتماد على البديل العربي في المرحلة المقبلة سيمثل مرحلة انتقالية في ظل الوضع الراهن في اليمن وفي الوقت نفسه لابد من إشراك جهات محلية (خاصةٍ الناجعة منها مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية) بفاعلية في عملية التخطيط والإدارة للمشاريع الإنمائية لتطوير وبناء قدرات اليمن الذاتية في إدارة عملية التنمية.
في الأخير يمكن التأكيد على أن اعتماد البديل العربي كسيناريو مستقبلي في إدارة العملية التنموية في اليمن يتطلب التزام صادق من قبل كل الأطراف ذات المصلحة (Stakeholders) سواءٍ كان ذلك في الجانب اليمني في قبول التغيير كأمر واقعي أو الجهات التي تساعد اليمن أو تهتم بأمن اليمن واستقراره في ضخ وحشد الموارد اللازمة بصورة مطلقة من دون شروط أو تعقيدات لاعتبارات سياسية واقتصادية وثقافية أو غير ذلك. ما لم فيمكن القول إن الجهود الدولية المستقبلية لمساعدة اليمن قد لا تكون أكثر فاعلية كسابقتها.
* باحث في التنمية الدولية- جامعة لايدن – هولندا وجامعة صنعاء -اليمن
elayahmaa@fsw.leidenuniv.nl

قد يعجبك ايضا