‬الزعيم جمال عبدالناصر‮ ‬يوجه من تعز رسائل إنذار إلى الاستعمار في‮ ‬الجنوب‬


‬محمد عبدالله السيد –
‬لاقت ثورة سبتمبر عواصف عاتية من كل اتجاه‮ ‬لكنها ولدت لتبقى‮ ‬فجاء الدعم العربي‮ ‬من القاهرة بقيادة الزعيم المناضل جمال عبدالناصر فكان مصير هذه الثورة والحفاظ عليها شغل عبدالناصر الشاغل في‮ ‬الأيام والسنوات التي‮ ‬تلت قيامها‮. ‬وكما رأيناه‮ ‬يدافع عنها بالدم والمال والسلاح فقد رأيناه وسمعناه أيضاٍ‮ ‬يدافع عنها بالكلمة‮. ‬وكان في‮ ‬السنوات الأولى من عمر هذه الثورة لا‮ ‬يلقي‮ ‬خطابا ولا‮ ‬يْدلي‮ ‬بحديثُ‮ ‬للنشر‮ ‬‮ ‬إلا كانت ثورة ‮٦٢ ‬سبتمبر جوهر ذلك الخطاب أو هذا الحديث أو جزءاٍ‮ ‬هاماٍ‮ ‬فيه‮ ‬حيث من الصعوبة تتبع كل ما جاء في‮ ‬خطابات وأحاديث الزعيم جمال عبدالناصر عن هذه الثورة‮. ‬جمال عبدالناصر الرجل الذي‮ ‬تلخصت به أحلام أمة بأسرها الزعيم الذي‮ ‬أرتبط اسم الوطن باسمه كما لم‮ ‬يرتبط اسم الوطن بزعيم قبل‮ . ‬المعلم الذي‮ ‬عمر الوجدان بالثقافة والقيم الفاضلة‮. ‬الأب الذي‮ ‬ملأ القلوب الخائفة بالأمن‮ ‬الرائد الذي‮ ‬فجر من الجوانح عزة الكبرياء‮ . ‬رجل الدولة الذي‮ ‬فرض على العالم هيبة العرب‮. ‬وبحسب فيلم وثائقي‮ ‬عن القائد العربي‮ ‬‮ ‬فإن الزعيم الراحل خلال زيارته إلى اليمن في‮ ‬شهر إبريل‮ ‬1964م‮ ‬وقف متحدثاٍ‮ ‬إلى الضباط والجنود‮ ‬متحدثاٍ‮ ‬إليهم مفتوح القلب والوجدان وذكرهم بماضيهم البعيد‮ . ‬ولم‮ ‬ينس ذلك المستعمر الأجنبي‮ ‬في‮ ‬الجنوب‮» ‬بريطانيا‮» . ‬ثم أنه‮ ‬يعاهد الله على طرد هذا المستعمر من كل أرجاء الوطن العربي‮. ‬قائلاٍ‮ ‬مقولته الشهيرة‮» ‬على بريطانيا أن تأخذ عصاها وترحل من عدن‮». ‬سوف‮ ‬يظل دور الزعيم عبدالناصر في‮ ‬ثورة سبتمبر رمزاٍ‮ ‬حياٍ‮ ‬ليقظة الضمير العربي‮ ‬الحي‮ ‬كل ما‮ ‬يْبشر به من صحوة القومية ومن شجاعة التضحية وشرف النجدة ونبل العطاء‮. ‬

عندما قامت ثورة سبتمبر‮ ‬كانت وحيدة في‮ ‬مواجهة عواصف عاتية من كل اتجاه‮ ‬فطلبت نجدة مصر‮ ‬حينها كان السؤال الذي‮ ‬طرحه الزعيم جمال عبدالناصر آنذاك لاتخاذ القرار حول المساندة المصرية بمختلف صورها هو‮: ‬هل نترك ثورة اليمن وحيدة‮ ‬يسهل ضربها أو إجهاضها¿ وماذا سيكون عليه حال الأمة العربية إذن¿‮ . ‬لقد اتخذ الزعيم جمال عبدالناصر قرار دعم الثورة اليمنية‮ ‬من منطلق مسئولية مصر ودورها القومي‮. ‬كما أن قرار القاهرة بالوقوف وراء ثورة سبتمبر لم‮ ‬يكن قرارا انفعاليا اتخذه الرئيس عبدالناصر كما صوره البعض بعد ذلك لمجرد التجاوب مع حركة ثورية في‮ ‬أكثر من مناطق العالم تخلفا‮ ‬‮ ‬ولم‮ ‬يكن مجرد رد فعل لنكسة الانفصال مع سوريا سعى عبدالناصر عن طريقها إلى استعادة التوازن لصالح التيار القومي‮ ‬‮ ‬أو محاولة للانتقام من الرجعية العربية‮ ‬بل كان القرار‮- ‬بحسب شهادة سامي‮ ‬شرف‮- ‬متسقا مع ممارسات عشر سنوات مضت من عمر ثورة‮ ‬يوليو‮. ‬حيث كانت اليمن حاضرة في‮ ‬تفكير ثوار‮ ‬يوليو منذ فترة مبكرة جدا من عمر الثورة‮. ‬
لقد أدرك الزعيم جمال عبدالناصر حجم المؤامرة الهادفة إلى القضاء على ثورة سبتمبر والنظام الجمهوري‮. ‬كما كان‮ ‬يدرك تماماٍ‮ ‬الأخطار الجسيمة المترتبة على نجاح مشروع إجهاض ثورة الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬جنوب الوطن ضد الاستعمار البريطاني‮ ‬خاصة وأن الثورة في‮ ‬الجنوب كانت في‮ ‬بداياتها المخاضية مطلع عام‮ ‬1964م‮ ‬وفي‮ ‬نفس الوقت كان عبدالناصر‮ ‬يدرك حجم الصعوبات التي‮ ‬تكتنف قرار دعم الثورة في‮ ‬اليمن‮ ‬كما كان‮ ‬يعي‮ ‬تماماٍ‮ ‬المحاذير الجمة التي‮ ‬تترتب على ذلك‮. ‬لكنه مقابل كل ذلك أصر على دعم الثورة السبتمبرية‮. ‬فكانت اليمن في‮ ‬الثاني‮ ‬والعشرين من إبريل‮ ‬1964م‮ ‬على موعد مع زيارة تاريخية زلزلت أعداء الثورة في‮ ‬الداخل والخارج‮ ‬قام بها القائد العربي‮ ‬جمال عبدالناصر‮ ‬الذي‮ ‬هدف من ورائها إلى تحقيق جملة من الأهداف التي‮ ‬نجحت في‮ ‬تثبيت النظام الجمهوري‮ ‬وأفزعت المستعمر الأجنبي‮ ‬في‮ ‬جنوب الوطن‮.‬
القوى المعادية وقرار ناصر‮ «‬الجسور‮»‬
‮❊ ‬يؤكد الكاتب المصري‮ ‬عمرو صابح‮ ‬على أن الثورة اليمنية تكالبت عليها الكثير من القوى المعادية‮ ‬عززها مناخ إعلامي‮ ‬معادُ‮ ‬لهذه الثورة وقائدها‮. ‬مناخ إعلامي‮ ‬حاول جاهداٍ‮ ‬تشويه القرار الجسور الذي‮ ‬أتخذه جمال عبدالناصر في‮ ‬دعم الثورة في‮ ‬اليمن‮. ‬يقول الكاتب عمرو صابح‮ (‬لم‮ ‬يحظ قرار من قرارات الرئيس عبدالناصر بانتقادات واسعة وهجوم شرس مثل قرار مساندته لثورة اليمن التي‮ ‬اندلعت في‮ ‬26‮ ‬سبتمبر‮ ‬1962م‮ ‬‮ ‬فقد تم اتهام عبدالناصر أنه بدد احتياطي‮ ‬مصر من الذهب هناك‮ . ‬وخرب الاقتصاد المصري‮ ‬وضحى بأرواح عشرات الآلاف من الشباب المصري‮ ‬على سفوح جبال اليمنوأن وجود جزء من الجيش المصري‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ «‬50‮ ‬ألف مقاتل‮ « ‬كان هو السبب الرئيس في‮ ‬كارثة‮ ‬يونيو‮ ‬1967م‮. ‬
وهكذا أصبحت مساندة مصر لثورة اليمن هي‮ ‬سبب كل النكبات والمشاكل‮ ‬وفى ظل مناخ إعلامي‮ ‬معادُ‮ ‬للثورة وقائدها راج هذا الكلام وشاع وأصبح من المسلمات‮». ‬ويضيف‮: «‬ولكن بكثير من التدقيق ومحاولة قراءة ما وراء السطور سنكتشف معا زيف كل تلك الأقاويل‮ ‬‮ ‬بل سنكتشف أن ترويجها له هدف آخر هو تشويه ذلك القرار الجسور وجعل تكراره من المحرمات وإصابة الشعب المصري‮ ‬بعقدة ذنب وعاهة نفسية من مجرد ذكر تاريخ مصر في‮ ‬اليمن في‮ ‬عهد جمال عبدالناصر‮ ‬وهي‮ ‬ليست أكثر من مجرد أكاذيب‮».‬

عبدالناصر‮ ‬يتصدى للمؤامرات الشرسة ضد ثورة سبتمبر
‮❊ ‬يْجمع الباحثون والكتاب على تعرض ثورة الـ26‮ ‬من سبتمبر لأصناف المؤامرات والاعتداءات سواءٍ‮ ‬من أعداء الخارج أو الداخل‮. ‬ولا سيما في‮ ‬الشهر الخامس عشر للثورة‮. ‬وضع دفع القائد العربي‮ ‬جمال عبدالناصر إلى سرعة الدعوة لعقد أول مؤتمر عربي‮ ‬في‮ ‬القاهرة شهر‮ ‬يناير‮ ‬1964م‮ ‬بهدف التصدي‮ ‬للمخاطر والمؤامرات التي‮ ‬تْحاك للأمة العربية‮ ‬على رأسها كانت قضية الثورة اليمنية‮ ‬والمحاولات الإسرائيلية لتحويل مجرى مياه نهر الأردن‮. ‬فقد كانت قضية اليمن بشقيه الجمهوري‮ ‬في‮ ‬الشمال والاحتلال البريطاني‮ ‬في‮ ‬الجنوب‮’ ‬في‮ ‬صدارة هذه المخاطر والتحديات التي‮ ‬تبحثها أول قمة عربية‮.‬
‮ ‬وكان من نتائج ذلك تغيير موقف المملكة الأردنية الهاشمية حيث أبدت ميلاٍ‮ ‬إلى تأييد النظام الجمهوري‮ ‬‮ ‬كما خرج بيان المؤتمر بضرورة إزالة التوتر الشديد بين الجمهورية العربية اليمنية والجمهورية العربية المتحدة‮ (‬مصر‮) ‬من جانب وبين المملكة العربية السعودية من جانب آخر‮ . ‬لقد أدرك الزعيم جمال عبدالناصر حجم المؤامرة الهادفة إلى القضاء على ثورة سبتمبر والنظام الجمهوري‮. ‬كما كان‮ ‬يدرك تماماٍ‮ ‬الأخطار الجسيمة التي‮ ‬المترتبة على نجاح مشروع إجهاض ثورة الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬جنوب الوطن ضد الاستعمار البريطاني‮. ‬خاصة وأن الثورة في‮ ‬الجنوب كانت في‮ ‬بداياتها المخاضية مطلع عام‮ ‬1964م‮.‬

عبدالناصر‮ ‬يطير إلى اليمن ويبعث رسائل للخارج والداخل
‮❊ ‬كانت اليمن في‮ ‬الثاني‮ ‬والعشرين من إبريل‮ ‬1964م‮ ‬على موعد مع زيارة تاريخية زلزلت أعداء الثورة في‮ ‬الداخل والخارج‮ ‬قام بها القائد العربي‮ ‬جمال عبدالناصر‮ ‬الذي‮ ‬هدف من ورائها إلى تحقيق جملة من الأهداف التي‮ ‬نجحت في‮ ‬تثبيت النظام الجمهوري‮ ‬وأفزعت المستعمر الأجنبي‮. ‬فمن منطلق فهمه لحجم ما‮ ‬يتعرض له شطرا اليمن من مؤامرات وأخطار‮ ‬‮ ‬ولرفع معنويات الجانبين واستنهاض هممهما في‮ ‬الدفاع عن الثورة السبتمبرية وتثبيت النظام الجمهوري‮ ‬ومن أجل مواصلة ثورة‮ ‬14‮ ‬أكتوبر في‮ ‬الجنوب ضد الاحتلال البريطاني‮ ‬‮ ‬كانت زيارة الرئيس جمال عبدالناصر للجمهورية اليمنية في‮ ‬الثاني‮ ‬والعشرين من إبريل‮ ‬1964م‮ . ‬

عبدالناصر‮..‬في‮ ‬صنعاء
‮❊ ‬سجل التاريخ بأحرف من نور تلك الزيارة العظيمة التي‮ ‬قام بها عبدالناصر إلى صنعاء‮ ‬حيث صافح الجماهير اليمنية المحتشدة بمختلف طبقاتها وشرائحها‮. ‬فقد التقى بالقبائل‮ ‬‮ ‬والعلماء‮ ‬‮ ‬والموظفين‮ ‬‮ ‬والعمال‮ ‬‮ ‬والمزارعين‮ ‬‮ ‬والتجار‮ ‬‮ ‬وأفراد القوات المسلحة‮ ‬‮ ‬والشباب‮ . ‬حيث تحدث إلى الجماهير بقلب كبير ومفتوح‮ ‬مْذكراٍ‮ ‬الشعب اليمني‮ ‬بماضيه المشرق والمشرف‮ ‬قائلاٍ‮ ‬في‮ ‬إحدى لقاءاته‮ (‬كانت اليمن معين الثورة ضد الطغيان‮ ‬‮ ‬وضد الاستبداد وضد السيطرة‮) ‬وقال‮: (‬كان لليمنيين الدور في‮ ‬نشر الإسلام في‮ ‬شرق وجنوب آسيا‮ .. ‬وسطها وشمالها‮).‬
وأضاف‮: (‬حينما كنت ازور مناطق في‮ ‬مختلف أنحاء آسيا‮ .. ‬كنت أسمع منهم أن الإسلام وصل إلى هنا بواسطة اليمانيين‮).‬
‮ ‬
وفي‮ ‬تعز
‮❊ ‬ولم‮ ‬يكتف عبدالناصر بزيارة صنعاء فقط‮ ‬بل حرص على زيارة محافظة تعز كونها أقرب نقطة إلى الجنوب المحتل‮ ‬فخاطب الجماهير مْلهباٍ‮ ‬حماسهم‮ ‬‮ ‬مؤكداٍ‮ ‬لهم مواصلة الدور المصري‮ ‬في‮ ‬دعم الثورة اليمنية والانتصار على المؤامرات‮. ‬وأشاد بنضالهم الكبير‮. ‬وأمام عشرات الآلاف القى خطاباٍ‮ ‬تاريخياٍ‮ ‬لا‮ ‬يزال اليمنيون‮ ‬يتغنون به‮ ‬‮ ‬خطاباٍ‮ ‬قابلته الجماهير المحتشدة بالتصفيق الحار والدموع والأهازيج‮. ‬حتى وصلت مشاعر الحب والحماس لهذا الزعيم العربي‮ ‬إلى حمل سيارته على الأعناق‮ ‬في‮ ‬مشهد لن ولم‮ ‬يتكرر مطلقاٍ‮. ‬خاصة بعد أن عمد الزعيم العربي‮ ‬إلى توجيه عدة رسائل إلى المستعمر الأجنبي‮ ‬في‮ ‬الجنوب الحبيب‮. ‬
فأمام عشرات الآلاف التي‮ ‬احتشدت في‮ ‬ميدان‮ (‬العرضي‮) ‬في‮ ‬تعز للقائه‮ ‬‮ ‬قال جملت++ه الشهيرة التحذيرية لبريطانيا‮:(‬إن بريطانيا لابد وأن تجلو عن عدن‮ – ‬إن كلاٍ‮ ‬من عدن والجنوب ارض عربية‮ ‬‮ ‬وانه من المستحيل تماماٍ‮ ‬على بريطانيا أن تفرق بين عرب وعرب أو‮ ‬يمنيين عن‮ ‬يمنيين‮) .‬
ثم قال جملته الأشهر التي‮ ‬حملت في‮ ‬طياتها إنذارا صريحاٍ‮ ‬وجازماٍ‮ ‬‮ ‬ودعماٍ‮ ‬معنوياٍ‮ ‬عالياٍ‮ ‬لثوار الجنوب المحتل‮: (‬إن بريطانيا‮ ‬‮ ‬التي‮ ‬تنظر إلى ثورتكم بكراهية وحقد‮ ‬‮ ‬يجب أن تحمل عصاها على كتفها وترحل من عدن‮ ‬‮ ‬إننا نعاهد الله على هذه الأرض المقدسة أن نطرد بريطانيا من كل جزء من الوطن العربي‮) .‬
وأضاف‮: (‬ولقد بذلنا الدماء وضحينا بالأرواح وحققنا النصر‮ ‬‮ ‬وسنبذل الدماء ونضحي‮ ‬بالأرواح ونحقق النصر في‮ ‬اليمن كما حققناه في‮ ‬مصر‮) .‬

خطاب عبدالناصر‮ ‬يلهب حماس‮ «‬الثوار في‮ ‬الجنوب‮»‬
‮❊ ‬يؤكد الكثير من الخبراء والمحللين‮ ‬على أن خطاب عبدالناصر في‮ ‬تعز‮ ‬نجح نجاحاٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬في‮ ‬رفع معنويات الثوار في‮ ‬جنوب اليمن المحتل‮ ‬كما عمل على إزعاج المستعمر الأجنبي‮ . ‬فقد تصاعدت الهجمات على قوات الاحتلال‮ ‬‮ ‬واكتسبت ثورتهم زخماٍ‮ ‬وازدادت ثورة تحرير الجنوب اشتعالاٍ‮ ‬وقوة‮. ‬ففي‮ ‬شهر واحد فقط‮ «‬مايو‮» ‬1964م‮ ‬سقط العشرات من الجنود‮ ‬‮ ‬كما اتجهت أنظار العالم نحو ردفان في‮ ‬ثورتها‮. ‬وأرسلت بريطانيا الكثير من النجدات المتمثلة في‮ ‬الكتائب إلى عدن لتعزيز جيشها بعد أن تبين أنه‮ ‬غير قادر على مقاومة الثوار والمتمردين‮. ‬حيث قال‮: (‬أيها الإخوة الثوار‮ ..‬رأيت الشعب اليمني‮ ‬فيكم اليوم تتمثل القوة والعزة والثورة والحرية‮..‬هذا الشعب اليمني‮ ‬الذي‮ ‬صمم على الحرية فثار ونصره الله‮.. ‬وحقق له العزة والكرامة والحرية‮ ..‬أيها الأخوة الأعزاء‮ ..‬كان اليمني‮ ‬دائماٍ‮ ‬رافع لواء الإسلام ورافع لواء الحرية في‮ ‬مشارق الأرض ومغاربها حتى تكبل عليه الأئمة فأذاقوه صوت العذاب وحبسوه بين حدوده ومنعوه من أن‮ ‬ينشر رسالة الحرية والإسلام في‮ ‬العالم‮ . ‬فهل استكان الشعب اليمني¿ أبداٍ‮ ‬لم‮ ‬يستكن الشعب اليمني‮..‬بل ثار دائماٍ‮ ‬على الذل والعبودية وعلى حكم الاستبداد وحكم الإرهاب حتى قامت طليعة الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬يوم‮ ‬26‮ ‬سبتمبر سنة‮ ‬62م‮ ‬قامت لتدك معالم الظلم ولتدك الرجعية والاستبداد وأراد الله لها أن تنتصر‮ ‬‮ ‬فانتصرت وكان انتصارها انتصاراٍ‮ ‬لكم جميعاٍ‮ . ‬أنتم شعب اليمن الذي‮ ‬صمم دائماٍ‮ ‬على الحرية فقاتل وكافح دائماٍ‮ ‬من أجل الحرية‮. ‬أيها الأخوة أنتم شعب‮ ‬يمني‮ ‬واحد‮ ‬‮ ‬أراد الاستعمار أن‮ ‬يْفرق بينكم وأراد أن‮ ‬يجعلكم شيعاٍ‮ ‬وأحزابا ولكن إرادة الله وإرادتكم كانت فوق إرادة الاستعمار‮ . ‬ولم‮ ‬يفلح الاستعمار ولم تفلح الرجعية في‮ ‬أن تقسمكم وان تفرق بينكم‮ . ‬واليوم نحن نعلنها للجميع بأن بريطانيا ومنذ عدة أشهر ترسل الأسلحة لكي‮ ‬تضرب ثورتكم ولكن الأسلحة لم تستخدم ضدكم بل ارتدت إلى صدور الاستعمار وإلى أعوانه‮. ‬لن نمكن الاستعمار من أن‮ ‬يبقى في‮ ‬أي‮ ‬جزء من أرض الأمة العربية ولابد للاستعمار ولابد لبريطانيا التي‮ ‬تنظر إلى ثورتكم بكراهية لابد أن تحمل عصاها وتخرج من عدن‮).‬

هيكل‮: ‬عبدالناصر بدا وسط زحام البشر بصنعاء كأنه‮ «‬شراع وسط البحر الواسع‮»‬

‮❊ ‬وحول زيارة عبدالناصر إلى اليمن‮ ‬يصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل‮ ‬أجواء هذه الزيارة انطلاقا من تجربته ومعايشته للحدث‮ ‬بقوله‮:‬
‮- ‬لقاءات جمال عبدالناصر‮ – ‬على سبيل المثال‮ – ‬مع جماهير الشعب اليمني‮ ‬من سكان المدن وأهل القبائل‮ ‬في‮ ‬شمال اليمن وفى الجنوب‮ ‬حين كان عبدالناصر‮ ‬يبدو وسط زحام البشر كأنه شراع وسط البحر الواسع الممتد‮! ‬ولقد كان كل الذين‮ ‬يراقبون الصورة الحية والرائعة‮ ‬لا‮ ‬يصدقون ما‮ ‬يرون‮ ‬وأذكر مرة في‮ ‬ميدان التحرير بصنعاء‮ ‬وجمال عبدالناصر محاط وسط الميدان الفسيح بعشرات الآلاف‮ ‬أن‮ «‬جورج ماك آرثر‮»‬‮ ‬مراسل وكالة الأسوشييتدبرس العالمية‮ ‬قال منفعلاٍ‮ ‬وعينه على الصورة الحية الرائعة أمامه‮: (‬رباه‮ ‬أليس هناك مسئول واحد عن الأمن‮ ‬يقول لهذا الرجل أنه مهما بلغت ثقته بهؤلاء الناس الذين ترك نفسه وسطهم‮ ‬فليس‮ ‬ينبغي‮ ‬له أن‮ ‬ينسى أن كل واحد منهم‮ – ‬بحكم تقاليد اليمن‮ – ‬يعلق على كتفه بندقية ويحمل في‮ ‬وسطه خنجرا‮)! ‬
وصورة باقية أخرى‮ – ‬على سبيل المثال‮ – ‬حين دخل جمال عبدالناصر إلى نادي‮ ‬ضباط الطيران في‮ ‬صنعاء‮ ‬كان وسط خلاصة الخلاصة من شباب مصر‮ ‬وكانوا جميعاٍ‮ ‬رموزاٍ‮ ‬مدهشة للشجاعة والشباب‮. ‬وحين دخل إلى القاعة الكبيرة من ناديهم كان ترحيبهم به خمس دقائق متصلة من التصفيق الذي‮ ‬لا‮ ‬يهدأ ولا‮ ‬يتمهل‮. ‬وتحدث إليهم بعد العشاء وكانت جوارحهم كلها معه‮ ‬ثم تحدث الرئيس السلال إليهم ليقول لهم أنهم وطائراتهم كانوا أمله في‮ ‬الأيام الأولى من المعركة وأنه‮ ‬يأسف إذ ضايقهم بالبقاء فى قاعدتهم الجوية في‮ ‬الروضة‮ ‬يتابع مع الساعات نشاطهم فوق جبهات القتال المتعددة‮ ‬وكان‮ ‬يضحك معهم لذكريات تلك الأيام وكانوا‮ ‬يضحكون معه‮ ‬ثم طلبوا إلى عبدالحكيم عامر أن‮ ‬يقول بدوره كلمة‮ ‬ولم‮ ‬يقم عبدالحكيم عامر من فوره إلى الكلام‮ ‬وإنما حاول أن‮ ‬يثنيهم عن الإلحاح عليه لكن تصفيقهم طلباٍ‮ ‬له لم‮ ‬ينقطع‮ ‬ووقف وابتسامة حب تملأ وجهه‮ ‬يحاول أن‮ ‬يشدها بتعبير عتاب‮ ‬يقول لهم‮: ‬
‮- ‬ماذا تريدون أن تسمعوا مني‮… ‬هل تريدون أن تسمعوا أنى فخور بكم‮.. ‬ليكن‮ ‬اسمعوها مرة أخرى‮… ‬لست وحدي‮ ‬الفخور بكم‮ ‬أمتكم كلها تعيش بالفخر معكم‮!. ‬

هيكل‮: ‬دخول عبدالناصر تعز صورة تاريخية لتلال القدس تستقبل قديساٍ‮ ‬عائداٍ‮ ‬اليها
‮❊ ‬ثم صورة ثالثة‮ ‬على سبيل المثال‮ – ‬فى منظر دخول جمال عبدالناصر إلى مدينة تعز‮. ‬كانت الصورة لا تكاد تصدق‮ ‬كأنها لوحة تاريخية لتلال القدس تستقبل قديساٍ‮ ‬عائداٍ‮ ‬إليها‮. ‬إن‮ «‬تعز‮» ‬فيها الكثير من الشبه بالقدس‮ ‬والطريق إليها مثل الطريق إلى القدس‮ ‬يمتد على الوادى بين التلال التي‮ ‬تتناثر فوقها الخضرة‮. ‬وحين اقترب جمال عبدالناصر من‮ «‬تعز‮»‬‮ ‬تدفق أهلها على سفوح التلال متدافعين إليه على الطريق في‮ ‬قلب الوادي‮. ‬وكانت طبولهم تدق‮ ‬ودعاؤهم وصلواتهم تتجاوب مع دقات الطبول‮ ‬وأشكال القادمين على السفوح وأزياؤهم‮ ‬هي‮ ‬أشكال وأزياء قرون طويلة مضت‮ ‬وحتى سحب الغبار التي‮ ‬أثارتها الأقدام الزاحفة إلى قلب الوادي‮ ‬كانت لوناٍ‮ ‬مؤثراٍ‮ ‬فى لوحة التاريخ العظيمة عند دخول‮ «‬تعز‮». ‬

ثورة‮ ‬يوليو تدعم ثورة سبتمبر‮ «‬دون تردد‮»‬
‮❊ ‬يقول الكاتب سامي‮ ‬شرف‮: ‬لقد اتخذت القاهرة قرارها دون تردد في‮ ‬مساندة الثورة بمجرد تعرفها على أسماء قادة الثورة التي‮ ‬كانت في‮ ‬الأصل تعرفهم مسبقاٍ‮. ‬فقد استنجدت الثورة الوليدة بالقاهرة لتنفيذ وعدها بالمساندة حسب قرار مجلس الرئاسة المصري‮ ‬الذي‮ ‬كان قد أتخذ بالإجماع‮ ‬‮ ‬وفى خلال أيام كانت وحدات من قوات الصاعقة المصرية تصل إلى اليمن‮ .‬
لقد كان هذا القرار‮ ‬يمثل التزاما عقائديا للمبادئ التي‮ ‬قامت عليها الثورة الأم في‮ ‬مصر واستمرارا لنفس الدور الذي‮ ‬سبق القيام به نحو الجزائر وسوريا والعراق‮ ‬وكل حركات التحرر التي‮ ‬احتاجت للمساعدة والمساندة باعتبار أن الحرية العربية لا تتجزأ والدفاع عن حقوق شعب عربي‮ ‬هو دفاع عن حقوق الأمة كلها‮ . ‬لقد كان واضحا بعد مؤامرة الانفصال بين مصر وسوريا في‮ ‬سبتمبر‮ ‬1961م أن الاتجاه السائد لدى القوى المعادية للتحرر العربي‮ ‬هو خنق كل صوت‮ ‬ينادى بالتحرر العربي‮ ‬‮ ‬وفى نفس الوقت فإنه كان من المستحيل على مصر أن تمارس دورها إلا في‮ ‬مجالات تأثيرها وتأثرها‮ . ‬وعندما قامت ثورة اليمن في‮ ‬سبتمبر‮ ‬1962م كانت وحيدة فى مواجهة عواصف عاتية من كل اتجاه‮ ‬وطلبت هذه الثورة نجدة مصر‮ . ‬كان السؤال الذى طرحه الزعيم جمال عبدالناصر آنذاك لاتخاذ القرار حول المساندة المصرية بمختلف صورها هو‮: ‬هل نترك ثورة اليمن وحيدة‮ ‬يسهل ضربها أو إجهاضها¿ وماذا سيكون عليه حال الأمة العربية إذن¿‮. ‬وكان الرد بعد دراسة مستفيضة ومناقشات طويلة للإجابة على هذا السؤال‮ ‬يتلخص في‮ ‬الآتي‮:‬
أولا‮: ‬أن أمن ومستقبل الحركة الوطنية العربية معلق فى الميزان‮ .‬
ثانيا‮: ‬أن الوقت لا‮ ‬يحتمل التردد وإلا ضاعت هذه الثورة الوليدة وفى هذا الوقت بالذات‮.‬
ثالثا‮: ‬أن تدخل بعض عناصر الصاعقة والطيران كافيان‮ .‬
ولقد اتخذ هذا القرار من منطلق مسئولية مصر ودورها القومى مستبعدا وجهة النظر الإقليمية المصرية‮ . ‬
ويضيف سامي‮ ‬شرف‮:» ‬وهنا لابد من التأكيد على أن قرار القاهرة للوقوف وراء ثورة اليمن لم‮ ‬يكن قرارا انفعاليا اتخذه الرئيس جمال عبدالناصر كما صوره البعض بعد ذلك لمجرد التجاوب مع حركة ثورية في‮ ‬أكثر من مناطق العالم تخلفا‮ ‬‮ ‬ولم‮ ‬يكن مجرد رد فعل لنكسة الانفصال سعى عبدالناصر عن طريقها إلى استعادة التوازن لصالح التيار القومى‮ ‬‮ ‬أو محاولة للانتقام من الرجعية العربية التي‮ ‬لعبت دورا حاسما في‮ ‬إنهاء تجربة الوحدة المصرية السورية‮ ‬‮ ‬بل كان‮ -‬كما ذكرت آنفا‮- ‬قرارا نابعا من منطلق أخلاقي‮ ‬ومبدئي‮ ‬التزمت به ثورة‮ ‬23يوليو‮ ‬1952م‮ . ‬وفى الحقيقة كان قرار الرئيس عبدالناصر متسقا مع ممارسات عشر سنوات مضت من عمر ثورة‮ ‬يوليو‮. ‬لقد قصدت بهذا الشرح المطول لعلاقة مصر باليمن قبل ثورة‮ ‬62م أن أوضح أن قرار ثورة‮ ‬يوليو والرئيس عبدالناصر بالوقوف إلى جانب أى محاولة لتحرر الشعب اليمنى قد أتخذ على الصعيد العملي‮ ‬منذ بداية‮ ‬1953م‮ . . ‬وربما فقط كانت للظروف العربية والدولية التي‮ ‬كانت سائدة في‮ ‬سنة‮ ‬1962م دورها فى اكتساب قرار الاعتراف والمساندة للثورة اليمنية سمة الحسم والعلنية التي‮ ‬تنفي‮ ‬عن القاهرة أي‮ ‬محاولة للتردد‮.‬
أما ما حدث بعد ذلك فقد كتب فيه الكثيرون وتم التعرض لكل تفاصيله بكل ما للتجربة وما عليها‮ ‬‮ ‬لكن ما لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يختلف عليه اثنان أن هذه الثورة قد أحدثت زلزالا في‮ ‬شبه الجزيرة العربية كلها دفعت الاستعمار البريطاني‮ ‬إلى إعادة حساباته‮ ‬‮ ‬واضطر تحت ضغط الحركة الوطنية المدعومة من القاهرة للانسحاب من إمارات وسلطنات الجنوب العربي‮ ‬كله‮ ‬وقيام جمهورية اليمن ودولة الإمارات العربية المتحدة بعد ذلك‮ ‬‮ ‬وأعقب ذلك الانسحاب العسكري‮ ‬من منطقة الخليج العربي‮ ‬أيضا‮ ‬‮ ‬كما دفعت النظم التقليدية في‮ ‬شبه الجزيرة إلى إعادة ترتيب أوراقها‮ ‬وتوجيه قدر أكبر من الاهتمام لصالح تحديث وتنمية شعوبها‮ ‬‮ ‬كما أصبح البحر الأحمر بحيرة عربية خالصة‮ ‬‮ ‬وقبل هذا كله فقد نجحت هذه الثورة في‮ ‬الانتقال باليمن من ظلام العصور الوسطى إلى آفاق القرن العشرين‮ . ‬
ويواصل سامي‮ ‬شرف‮:» ‬لقد ارتكزت ثورة‮ ‬يوليو فى تخطيط إستراتيجيتها وترتيب أولوياتها على فكرة التحررº كفكرة محورية في‮ ‬كل تحركاتها‮ ‬وجاء الوطن العربي‮ ‬في‮ ‬مقدمة الدوائر التي‮ ‬يجب العمل من أجل تحريرها تمهيدا لوحدتها الشاملة‮ ‬وإقامة نظام للأمن القومي‮ ‬العربي‮ ‬يمتلك عناصر القوة اللازمة لمواجهة التهديدات الخارجية‮ .‬
وإذا كانت فكرة التحرر تستهدف فى الأساس مقاومة النفوذ الأجنبي‮ ‬في‮ ‬كل صوره وأشكاله‮ ‬فقد كانت مقاومة التخلف فى كل أشكاله أيضا أحد الأهداف الذي‮ ‬رأت فيه الثورة مدخلا ضروريا لإقامة النظام الأمنى المشار إليه‮ ‬‮ ‬وأستطيع أن أقول أنه بالنسبة لهذا الشق الأخيرº أي‮ ‬التصدي‮ ‬للتخلف فقد انتظرت الثورة مبادرة القوى الوطنية فى كل دولة عربية على حدة باتخاذ الخطوة الأولى‮ ‬‮..‬‮ ‬أقول أن هذا الخط كان منهج القاهرة فى كل أرجاء الوطن العربي‮ ‬‮ ‬وذلك باستثناء اليمن‮ ‬فقد جاءت المبادرة الأولى من جانب ثورة‮ ‬يوليو‮ ‬1952م وليس العكس وكان لذلك ما‮ ‬يبرره لقد كانت اليمن من أشد مواقع الوطن العربي‮ ‬تخلفا وانعزالا عن كل ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬العالم‮ ‬فقد كان‮ ‬يحكمها نظام الإمامة على رأسه أئمة استأثروا بالسلطة الروحية والزمنية لأكثر من ألف ومائة عام متصلة‮. ‬كانت اليمن تمثل عنصر توازن‮ ‬يستعين به الاستعمار البريطاني‮ ‬في‮ ‬الجنوب العربي‮ ‬المحتل والأنظمة التقليدية الأخرى في‮ ‬شبه الجزيرة العربية كجدار دفاع ضد تيارات التغيير والتقدم القادمة من الشمال العربى‮ ‬وتعتبرها منطقة عازلة بين التقدم والتخلف‮. ‬وقد كانت هذه القوى‮ – ‬أي‮ ‬الاستعمار البريطاني‮ ‬والرجعية العربية‮ – ‬أقوى مصادر الدعم لحكم الأئمة في‮ ‬اليمن‮ ‬وعامل الضعف الرئيسي‮ ‬في‮ ‬أي‮ ‬تخطيط ثوري‮ ‬يستهدف هذا الحكم‮ ‬ولقد لعبت القوتان أدوارهما فى إفشال عديد من الحركات الثورية التى سبقت ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر‮ ‬1962م‮ .‬
كانت اليمن‮ – ‬ومن وجهة النظر العربية‮ – ‬نقطة ارتكاز حيوية فى الأمن القومي‮ ‬المصري‮ ‬والعربي‮ ‬بحكم موقعها الإستراتيجي‮ ‬فى جنوب البحر الأحمر وفى مواجهة السودان والقرن الإفريقى وباب المندب‮ ‬‮ ‬وأدركت الثورة فى مصر مبكرا أن أي‮ ‬تغيير سياسي‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحدث ردود فعل إيجابية لصالح حركة التحرر الوطني‮ ‬في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬كله‮.‬
لهذه الأسباب فلم‮ ‬ينتظر قادة ثورة‮ ‬يوليو قدوم الكوادر الثورية فى اليمن إليهاº بل حرصت هى على الذهاب إليهم‮ ‬‮ ‬وكان ذلك فى العام‮ ‬1953م‮.‬
وعندما فكر الرئيس عبدالناصر فى اتخاذ الخطوة الأولى فى اليمن‮ ‬‮ ‬كان‮ ‬يدرك حجم الصعوبات التى تكتنف هذا العمل º لقد أدرك من خلال ما‮ ‬يصل إليه من تقديرات سياسية وأحاديث الزعامات اليمنية فى القاهرة أن التخلف الرهيب هو نقطة القوة فى حكم الإمام نفسه‮ ‬وإذا كان حكم الملك فاروق فى مصر قد شكل أضعف حلقات الأوضاع فى مصر قبل سنة‮ ‬1952م‮ ‬فقد كان الحال بالنسبة لحكم الإمام على عكس ذلك فى اليمن حيث مكن هذا الحكم لنفسه على مدى قرون طويلة بكل الوسائل الممكنة كما شرحنا‮ ‬ولم‮ ‬يكن فى اليمن استعمارأجنبي‮ ‬بالمعنى المفهوم الذى‮ ‬يمكن تجميع القوى الوطنية للعمل ضده‮ .‬
كان الرئيس عبدالناصر‮ ‬يدرك أيضا محاذير العمل فى اليمن خاصة بالنسبة للقوى المجاورة لليمن وعدن‮ ‬والنفوذ البريطاني‮ ‬فى منطقة الخليج‮ ‬وأمام معارك الثورة فى الخمسينيات فلم‮ ‬يكن راغبا أو قادرا على فتح جبهة جديدة تختلط فيها الأوراق العربية بالأجنبية‮ ‬ومن ثم فقد حرص على التعامل مع اليمن بحذر شديد مفضلا توظيف عامل الوقت بأحسن طريقة ممكنة‮ .‬
ولكن ما أريد أن أقوله فى هذه المرحلة أن دعم مصر لثورة اليمن لم‮ ‬يكن وليد ليلة26سبتمبر‮ ‬1962م‮ ‬ولم‮ ‬يكن مجرد رد فعل لردة الانفصال‮ ‬وتعبير عن رغبة فى استعادة التوازن لصالح التيار القومي‮ ‬أو انتقام من تآمر القوى الاستعمارية والقوى الرجعية على دولة الوحدة‮ ‬أو‮ ‬غير ذلك من الأسباب التي‮ ‬يتبناها كثير من الباحثين والسياسيين فى أيامنا الحاضرة‮ ‬بل كانت اليمن حاضرة فى تفكير ثوار‮ ‬يوليو منذ فترة مبكرة جدا من عمر الثورة‮.‬

قد يعجبك ايضا