
خالد منصور –
من المؤكد ان انعدام التمييز بين العمل الحزبي وعمل المنظمات الجماهيرية يتطلب المزيد من البحث والدراسة كي يصبح بمقدور الجماهير العريضة التفريق العلمي والدقيق بينهما فالانتماء إلى المنظمات الجماهيرية في نظر الجماهير يكاد يكون هو عينه الانتماء إلى الأحزاب السياسية بسبب الخلط القائم في أذهان الجماهير الشعبية المحكومة بالوعي المغلوط وهو ما يتطلب بذل أقصى الجهود لجعله وعيا حقيقيا يتيح الفرصة للجماهير لتقف على حقيقة الأحزاب وضرورتها ودواعي قيامها والفرق بينها بناء على الفرق بين الأهداف وحقيقة المنظمة الجماهيرية وعلاقتها بمصالح الناس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
وتعتبر مهمة إزالة اللبس بين الأحزاب من جهة والمنظمات الجماهيرية والنقابية من جهة أخرى ضرورة مرحلية وإستراتيجية لدفع الجماهير الشعبية الكادحة للارتباط بالمنظمات الجماهيرية والعمل على تفعيلها كي تلعب دورها المطلوب في مختلف المجالات.
أسس عمل الحزب وأسس عمل المنظمة الجماهيرية:
إن عدم التمييز القائم بين مفهوم الحزب ومفهوم المنظمة الجماهيرية يقود الكثيرين إلى القول بان المنظمة الجماهيرية تساوي الحزب وان الحزب يساوي المنظمة الجماهيرية وهو قول غير صحيح لان الحزب مجموعة من المواطنين يؤمنون بأهداف سياسية وأيديولوجية مشتركة وينظمون أنفسهم بهدف الوصول إلى السلطة وتحقيق برنامجهم.. أما المنظمات الجماهيرية فهي أشكال من التنظيم الجماهيري الواسع من أجل تحقيق مطالب أو أهداف اجتماعية (منظمات الشباب حقوق المرأة حقوق الطفل…) أو مهنية (نقابات) أو فئوية محددة (معلمين فلاحين نوادي وروابط وجمعيات بيئية الخ…) أو لجان شعبية ذات أهداف مؤقتة تنتهي بتحقيقها وتلبية مطالبها مثل لجان مقاومة الجدار والاستيطان الخ…
إن الأساس الموضوعي لقيام المنظمات الجماهيرية هو ضرورة توحيد الجماهير لخدمة مصالحها وتلبية احتياجاتها في مواجهة السياسات غير العادلة للحكومة في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وصولا الى إشراك أوسع الجماهير في التغيير الديمقراطي. ويختلف دور المنظمات الجماهيرية عن دور الأحزاب السياسية بالبرنامج بينما يقدم الحزب برنامجا للتغيير الشامل على الصعيد الوطني يتحقق من خلال العمل للوصول الى الحكم والسلطة السياسية يقتصر برنامج المنظمة الجماهيرية على مطالب فئوية تعمل لتحقيقها بالتحرك الديمقراطي والضغط على السلطة السياسية القائمة لتعبر بمرحلة متقدمة عن شكل من أشكال السلطة البديلة التي تتبنى مطالب الجماهير الشعبية.
دور الحزب السياسي
التجنيد السياسي والمشاركة في الحياة السياسية: توفر الأحزاب فرصة مناسبة لكل أفراد المجتمع للمساهمة والمشاركة بعملية صنع القرار السياسي فيه.
التنشئة السياسية ورفع مستوى الوعي السياسي: حيث أن قيام الأحزاب بالتعبئة والتثقيف السياسي لأعضائها تساهم في رفع مستوى الوعي السياسي لدى أفراد المجتمع بشكل عام.
تمثيل الآراء المختلفة والتعبير عنها: حيث تقوم الأحزاب ببلورة وجهة نظر سياسية واحدة على مستوى الحزب والتعبير عنها أمام الهيئات السياسية.
المراقبة والمحاسبة: حيث تقوم الأحزاب بدور المراقبة والمحاسبة للحكومة على أعمالها سواء كانت هذه الأحزاب داخل إطار الحكومة أو خارجها. وهذا من دون شك يلعب دورا هاما في التأثير على السلطة السياسية.
إعطاء الشرعية: تلعب الأحزاب دورا هاما في إعطاء الشرعية للنظام السياسي القائم من خلال مشاركتها في العملية السياسية سواء كانت هذه الأحزاب داخل إطار الحكومة والسلطة التنفيذية أو خارجها.
تجميع المصالح والتعبير عنها: تقوم الأحزاب بتجميع القضايا والمصالح المشتركة لأعضائها ومؤيديها من أجل صياغتها في برنامجها السياسي إلى جانب القضايا العامة التي تهم عامة أفراد المجتمع.
تنمية وتعزيز الشعور الوطني والقومي والمساهمة في عملية التحرر الوطني: حيث تلعب الأحزاب السياسية في المجتمعات الخاضعة لاستعمار خارجي دورا هاما في قيادة نضال المجتمع من أجل التحرر والاستقلال.
الأهداف الحزبية والأهداف الجماهيرية:
أهداف الحزب
تعبئة طبقة معينة أو أكثر للالتفاف وراء وحول الحزب.
نشر إيديولوجية الحزب في صفوف الطبقات المعنية بتلك الإيديولوجية.
إقناع الجماهير بصفة عامة والجماهير المعنية بصفة خاصة ببرنامج الحزب.
قيادة الصراع الإيديولوجي والسياسي والاجتماعي من أجل الوصول إلى السلطة.
بناء آليات المحافظة على استمرار الحزب.
أهداف المنظمة الجماهيرية:
بناء قاعدة مجتمعية تؤمن بالتغيير وتسعى له.
جعل الجماهير بصفة عامة والجماهير المعنية بصفة خاصة تمتلك وعيا حقوقيا وفق ما هو مدون في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدنية والسياسية.
جعلها تمتلك ثقافتها الحقيقية لتوظفها في مناهضة الثقافة المناقضة التي تعمل الجهات المتحكمة في المؤسسات الثقافية على إشاعتها.
جعلها تمتلك وعيا تربويا يؤهلها لإعداد الأجيال القادمة لتحمل مسؤولية العمل على صياغة تصور تربوي متجدد ومواكب لكل أشكال التطور الاقتصادي والاجتماعي والثفافي والسياسي في إطار النظام السياسي القائم.
جعلها تدرك مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أجل العمل على تحسين أوضاعها المادية والمعنوية عن طريق ممارسة الضغط على المسئولين عن تردي الأوضاع المختلفة.
جعلها تدرك دور التنظيم في قيادة نضالاتها المطلبية وتنتظم لهذه الغاية.
خلاصة
وأخيراٍ يمكن القول: إن العمل الجماهيري الصحيح هو العمل المتحرر من أسر الحزبية الضيقة والمنفتح على أوسع الجماهير والعامل على تحسين أوضاعها المادية والمعنوية والتفاعل مع مختلف المكونات التي تلتقي معه في نقاط معينة والمتعامل مع كل التنظيمات المتقاربة على مستوى الأهداف والبرامج والمبادئ.. وهو العمل الذي لا يقحم المنظمة الجماهيرية في صراع أو تنافس مع الأحزاب السياسية على المكانة والتمثيل السياسي للجماهير.
كما ويمكن القول أيضا: إن العمل الحزبي الصحيح هو العمل الذي يساند ويدعم الدور الذي تلعبه المنظمات الجماهيرية ويبني أشكالا من العلاقات التنسيقية معها (مؤسسة مع مؤسسة) بناء على الانسجام في الرؤى والأهداف وهو العمل الذي يستثمر نضالات وأنشطة وخدمات المنظمة الجماهيرية ويوظفها لخدمة الطبقات والفئات الاجتماعية التي يسعى لتمثيلها وذلك من خلال تأثير أعضائه المنضوين تحت لواء المنظمة الجماهيرية ودون التدخل التعسفي بها أو محاولة الهيمنة عليها أو تطويعها لإرادة وقرار الحزب..
إن توحيد جهود وتحركات مختلف المنظمات الجماهيرية في النضال الديمقراطي العام يجب أن يكون أحد أهداف الأحزاب السياسية الديمقراطية من خلال انخراط الحزبيين في المنظمات الجماهيرية والتفاني في العمل على تنفيذ أهدافها مع الحرص على استقلالية المنظمة الجماهيرية والتزام العمل بداخلها حسب القواعد الديمقراطية والامتناع بالتالي عن ممارسة الوصاية عليها إن الحزبي العامل في المنظمة الديمقراطية الجماهيرية يستطيع أن يمارس دورا قياديا في هذه المنظمة من خلال تحوله إلى قدوة في التزام الديمقراطية واكتساب الثقة في التفاني في العمل آخذا بعين الاعتبار إن المنظمة الجماهيرية يمكن أن تضم أكثرية غير حزبية كما يمكن أن تضم أعضاء ينتمون إلى أحزاب مختلفة تتقاطع أهدافها مع أهداف المنظمات الجماهيرية. وبالتالي يكون من الضروري العمل على صيانة وحدة المنظمة الجماهيرية من خلال الالتزام باستقلاليتها ونظامها الداخلي والعمل الديمقراطي فيها.
farman1958@gmail.com