الاتفاق التاريخي النووي يسدل الستار على عقد من المواجهات بين إيران والغرب

وأخيراٍ تنفست المنطقة الصعداء إثر اتفاق نووي تاريخي بين إيران والقوى العظمى يسدل الستار على نحو عقد من المواجهات وإثر مفاوضات ماراثونية صعبة بين إيران والدول الخمس استمر قرابة 23 شهراٍ ليثمر في نهاية المطاف عن إبرام اتفاق تاريخي نووي يعترف بحق الجمهورية الإسلامية في برنامجها السلمي وينهي سنوات من العقوبات الاقتصادية وعلاقات الجفا التي سادت بين الطرفين المتنازعين لتعود إيران بذلك الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في فيينا إلى خاصرة الأسرة الدولية وسط ارتياح عالمي واسع النطاق اعتبرته خياراٍ حاسماٍ للاستقرار عبرت عنه ردود الأفعال الصادرة المشيدة بهذا الاتفاق التاريخي النووي باستثناء دولة إسرائيل والسعودية اللتين نددتا به.
وقد تواترت ردود الأفعال العالمية ففي واشنطن حيث أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن الاتفاق مع إيران ليس مبنياٍ على الثقة وإنما على التحقق مؤكداٍ في الوقت نفسه أنه في حال انتهكت إيران الاتفاق فإن كل العقوبات التي سترفع بموجب الاتفاق سيتم فرضها مجددا.
وقال في كلمة مباشرة بالتزامن مع الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق “من دون الاتفاق لما تمكنا من وقف تقدم البرنامج النووي الإيراني وهذا السيناريو كان سيدفع دولا أخرى بالمنطقة للسعي للحصول على أسلحة نووية”.
وأشاد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند بـ”الاتفاق التاريخي” معتبرا انه يشكل “تغييرا مهما” في العلاقات بين إيران والدول المجاورة والأسرة الدولية.
وصرح هاموند في بيان “بعد أكثر من عقد من المفاوضات الصعبة أبرمنا اتفاقا تاريخيا يفرض حدوداٍ صارمة وعمليات تفتيش للبرنامج النووي الإيراني”.
وبدوره رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس بالاتفاق التاريخي حول البرنامج النووي الإيراني معتبرا أن الأسرة الدولية تلقته “بارتياح كبير” بعد مفاوضات استمرت سنوات طويلة.
وصرح بوتين في بيان صدر عن الكرملين أن المشاركين في المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 “قاموا بخيار حاسم حول الاستقرار والتعاون”.
وقال “نحن واثقون بأن الأسرة الدولية تلقته بارتياح كبير اليوم”.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران سيكون “قويا بما يكفي” لعشر سنوات على الأقل وإن القوى الكبرى ستتابع عن كثب كيف ستستخدم إيران أموالها بعد رفع العقوبات.
وصرح لصحيفة “لوموند” الفرنسية اليومية إن موقف فرنسا “الحازم مكن من التوصل لاتفاق قوي بما يكفي للعشر سنوات الأولى على الأقل”.
وهنأ الرئيس السوري بشار الأسد حليفته الرئيسية إيران بالتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الملف النووي معتبرا ذلك “نقطة تحول كبرى في تاريخ إيران والمنطقة والعالم” وفق ما أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”.
وقال الأسد في برقيتي تهنئة أرسلهما إلى مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني “توقيع هذا الاتفاق يعتبر نقطة تحول كبرى في تاريخ إيران والمنطقة والعالم واعترافا لا لبس فيه من دول العالم بسلمية البرنامج النووي الإيراني”.
من جانبه أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع الدول الكبرى يفتح “آفاقا جديدة” بعد حل “هذه الأزمة غير الضرورية”.
وفي تغريدة على “تويتر” كتب روحاني: إن نجاح المحادثات دليل على أن “الالتزام البناء يؤتي ثمارا” وإنه بات من الممكن الآن “التركيز على التحديات المشتركة” في إشارة إلى مكافحة تنظيم “داعش”.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن إسرائيل لن تكون ملزمة بالاتفاق النووي بين القوى العالمية وإيران وإنها ستدافع عن نفسها.
وشدد في تصريحات أمام كاميرات التلفزيون على خيبة أمل إسرائيل بشأن الاتفاق الذي وصفه بأنه “خطأ صادم.. تاريخي”. وأضاف قائلا: “إسرائيل ليست ملزمة بهذا الاتفاق مع إيران لأن إيران مستمرة في السعي لتدميرنا. وسندافع عن أنفسنا على الدوام”.
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية إنه سيبذل قصارى جهده لعرقلة طموحات إيران النووية.
وبحسب نتنياهو فإن إيران “ستحصل على الجائزة الكبرى جائزة حجمها مئات المليارات من الدولارات ستمكنها من مواصلة متابعة عدوانها وإرهابها في المنطقة وفي العالم. هذا خطأ سيىء له أبعاد تاريخية”.
وقال مسؤول سعودي إن اتفاق إيران النووي مع القوى الدولية سيكون يوما جيدا للمنطقة إذا منع طهران من امتلاك أسلحة نووية لكن الاتفاق سيكون سيئا إذا سمح لطهران بأن تعيث في المنطقة فساداٍ على حد قوله. وزعم المسؤول السعودي أن إيران زعزعت استقرار المنطقة بتصرفاتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. “إذا منح الاتفاق تنازلات لإيران فإن المنطقة ستصبح أكثر خطورة”.
وفي ما يلي أبرز نقاط الاتفاق التاريخي بشأن البرنامج النووي الإيراني المكون من أكثر من 13 مادة هي:
مدة إنتاج مادة انشطارية
الهدف هو جعل المدة اللازمة لإيران لإنتاج ما يكفي من المادة الانشطارية لصنع قنبلة ذرية سنة كحد أدنى على مدى عشر سنوات على الأقل وجعل مثل هذه الخطوة قابلة للكشف على الفور. وهذه المدة تتراوح الآن بين شهرين وثلاثة أشهر.
تخصيب اليورانيوم
تخصيب اليورانيوم بواسطة أجهزة الطرد المركزي يفتح الطريق لاستخدامات مختلفة تبعا لمعدل تكثيف النظير المشع يو-235 : 3,5 إلى 5% بالنسبة للوقود النووي و20% للاستخدام الطبي و90% لصنع قنبلة ذرية. وهذه المرحلة الأخيرة الأكثر دقة يعتبر انجازها أيضا أسرع تقنيا.
عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران ستخفض من أكثر من 19 ألفا حاليا منها 10200 قيد التشغيل إلى 6104 — أي بخفض الثلثين– خلال فترة عشر سنوات. وسيسمح لـ5060 منها فقط بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3,67% خلال فترة 15 سنة. وسيتعلق الأمر حصرا بأجهزة الطرد من الجيل الأول.
لكن إيران ستتمكن من مواصلة أنشطتها في مجال الأبحاث حول أجهزة طرد مركزية أكثر تطورا والبدء بتصنيعها بعد ثماني سنوات خاصة أجهزة من نوع آي آر-6 الأكثر قدرة بعشرة أضعاف من الآلات الحالية وآي آر-8 التي تفوق قدرتها بعشرين مرة.
وستخفض طهران مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 آلاف كلغ حاليا إلى 300 كلغ على مدى 15 عاما.
وقد وافقت طهران على عدم بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم طيلة 15 عاما.
كما وافقت إيران على التوقف عن تخصيب اليورانيوم خلال 15 سنة على الأقل في موقع فوردو المدفون تحت الجبل والذي يستحيل بحكم موقعه تدميره بعمل عسكري. ولن يكون هناك بعد الآن مواد انشطارية في فوردو على مدى 15 سنة على الأقل. وسيبقى الموقع مفتوحاٍ لكنه لن يخصب اليورانيوم. وستسحب نحو ثلثي أجهزة الطرد الموجودة في فوردو من الموقع.
موقع نطنز
هذه هي المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في إيران وتضم حوالي 17 ألف جهاز طرد مركزي من نوع أي ار-1 من الجيل الأول ونحو ألف جهاز من نوع أي ار-2ام وهي أسرع وتتميز بقدرة استيعاب تصل إلى 50 ألفا في الإجمال. وقد وافقت طهران على أن يصبح نطنز منشأتها الوحيدة للتخصيب وأن تبقي فيه 5060 جهاز طرد فقط كلها من نوع أي آر-1. أما أجهزة الطرد من نوع آي آر-2 ام ستسحب وتوضع تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ستكلف الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموجودة أصلا في إيران بمراقبة جميع المواقع النووية الإيرانية بشكل منتظم مع تعزيز صلاحياتها إلى حد كبير.
سيوسع مجال صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الآن فصاعدا لتشمل كل الشبكة النووية الإيرانية بدءا من استخراج اليورانيوم وصولا إلى الأبحاث والتطوير مرورا بتحويل وتخصيب اليورانيوم. وسيتمكن مفتشو الوكالة من الوصول إلى مناجم اليورانيوم والى الأماكن التي تنتج فيها إيران “الكعكعة الصفراء” (مكثف اليورانيوم) طيلة 25 عاما.
وافقت إيران أيضا على وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل محدود إلى مواقع غير نووية خاصة العسكرية منها في حال ساورتهم شكوك في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي التي التزمت إيران بتطبيقها والمصادقة عليها.
البلوتونيوم
يهدف الاتفاق إلى جعل إنتاج إيران لمادة البلوتونيوم 239 أمرا مستحيلا علما أن هذه المادة هي العنصر الآخر الذي يمكن من صنع قنبلة ذرية.
مفاعل المياه الثقيلة الذي هو قيد الإنشاء في أراك ستجري عليه تعديلات كي لا يتمكن من إنتاج البلوتونيوم من النوعية العسكرية. وسترسل النفايات المنتجة إلى الخارج طيلة كل فترة حياة المفاعل.
لن تتمكن طهران من بناء مفاعل جديد للمياه الثقيلة طيلة 15 عاما.
العقوبات
يفترض أن يصدر مجلس الأمن الدولي في وقت سريع قراراٍ جديداٍ للتصديق على الاتفاق وإلغاء كل القرارات السابقة ضد البرنامج النووي الإيراني. لكن بعض التدابير ستبقى بصورة استثنائية.
العقوبات الأميركية والأوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني وتستهدف القطاعات المالية والطاقوية -خاصة الغاز والنفط– والنقل سترفع “فور تطبيق” إيران لالتزاماتها النووية التي يفترض أن يؤكدها تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أي على الأرجح ليس قبل 2016م.
العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على الأسلحة: ستبقى خلال خمس سنوات لكن يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يمنح بعض الاستثناءات. وتبقى أي تجارة مرتبطة بصواريخ بالستية يمكن شحنها برؤوس نووية محظورة لفترة غير محددة.

قد يعجبك ايضا