الموظفون المختصون هم الفئران التي دمرت التنمية ومكنت للفساد


■ تحقيق / محمد العزيزي –
■ متهم : تدني الراتب والإغراءات وتشجيع غول الفساد وراء تورط البسطاء من الموظفين بالفساد
■ محامون : كبار المسؤولين يتملصون بتشكيل اللجان.. وجهل الموظفين الأدنى بالقانون يوصلهم إلى القضاء
كان متهما في اختلاس 18 مليون ريال وأكثر من 150 ألف دولار … وبمجرد أن اكتشف فر من العمل إلى مكان مجهول وبعد بحث وتحرُ ومطاردة قرر هو وبنفسه أن يسلم نفسه إلى القضاء طواعية .. سأله القاضي هل أنت من اختلس هذه المبالغ قال نعم¿ ومن عاونك من المتهمين وسهل لك ذلك ¿ أجاب إجابة صدمت كل الحاضرين في الجلسة.. حين قال لا أحد أنا من اختلسها.. وأجاب في رده على سؤال القاضي عن مصير هذه المبالغ وعن إمكانيته سدادها للدولة بالقول لا لقد صرفتها طوال تلك الفترة ….
إذاٍ هذا واحد من الموظفين الضحايا الذين شجعهم آخرون وأوقعوهم في قفص الاتهام وخرجوا من هم معه في التهمة وفي مقدمتهم المسؤولون الكبار الذين ساعدوه لاختلاس هذه المبالغ ولكن بأيادُ نظيفة .. كيف ¿!!! هذا ما سنتناوله في التحقيق التالي والذي سنناقش فيه أيضا الأسباب التي دائما ما يكون الموظف العادي هو المتورط في الفساد .. ومن يقدم كمتهم إلى العدالة ويفلت المجرم الحقيقي والآمر الناهي من العقاب .. نتابع التفاصيل في السطور التالية :
المتهم الذي تناولناه في مقدمة هذا التحقيق كان يعمل بحسب قرار الاتهام في إدارة تمويل الطائرات في مطار صنعاء الدولي حيث يقوم هذا المختص البالغ من العمر 55 عاما بتزويد الطائرات بالوقود بالسعر المعروف وبالدولار وعادة تكون المعاملة عن طريق شيك مقبول الدفع لصالح شركة الطيران ( إدارة تمويل الطائرات ) مقابل الوقود .. إلى هنا والأمور تمر بسلام .. إذا أين المشكلة ¿ المشكلة وبحسب قرار الاتهام الموجهه إلى المتهمين أمام القضاء ومعهم ذلك المتهم المختص أن هناك بعض شركات الطيران كانت تدفع نقداٍ قيمة الوقود لتمويل طائراتها من مطار صنعاء هذه المبالغ الكبيرة طوال الأعوام من 1993م وحتى 1997 م .. لم تورد إلى خزينة الدولة … والسؤال المحير الذي قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم .. هل كان هذا الموظف يختلسها دون علم أحد ¿!!!!!!
الإجابة طبعا لا والدليل أن المتهم لم يحل إلى القضاء وحيداٍ بل مع مجموعة من المتهمين ولكنه المتهم الرئيسي في القضية .. قال المتهم للقاضي أستلم قيمة الوقود ولم أقيدها في السجلات وترحل بطريقة الاحتيال وتوزع º وتقسم هذه المبالغ على مسؤولين وموظفين مقابل السكوت على الاختلاس وعدم الإشارة إليها لا من قريب ولا من بعيد وظل الأمر على حاله طوال هذه الفترة حتى تم اكتشافه ونزول الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ونيابة الأموال العامة وإحالة القضية إلى القضاء . ولكنه لم يستطع الإثبات بأنه أعطى للمتهمين معه أموالاٍ مقابل السكوت أو حتى للمسؤولين عليه في تلك الجهة .

صدور الحكم
صدر في هذه القضية حكم أدان المتهمين جميعاٍ بالتهم وحكم عليهم بالحبس بمدد مختلفة لتسهيلهم له اختلاس المبالغ المتهم بها المتهم الأول ودفع تكاليف المحاماة والتقاضي للجهة المتضررة .. أما المتهم الأول فقد حكم عليه بالسجن سبع سنوات أولا و ثانيا إلزامه بدفع المبالغ المختلسة كاملة للدولة ولا يفرج عنه إلا إذا دفعها حتى وإن أكمل فترة السجن المحكوم بها عليه ..
هذا مثال واحد فقط من مئات القضايا التي تستقبلها نيابات ومحاكم الأموال العامة بأمانة العاصمة والمحافظات الأخرى على مدار العام حيث يتستر المسؤولين خلف التوجيهات المبطنة وبحسب القانون والاعتماد على الرفع من المختصين بقانونيتها أو من خلال اللجان التي تشكل لدراستها وتقديم المبررات خاصة تلك التي تسمى لجان الفحص والجرد والاستلام والمخازن والتي تقوم بالرفع والتوقيع على كل هذه الإجراءات وتعميدها من المسؤول الأول وذلك بعد تقسيم الاختلاسات والإتاوات والرشاوى وسلخ المبالغ المالية وتفريق مسؤوليته على القبائل من أعضاء اللجان والموظف المسكين الذي يفرح بالحاصل كما يقولون .. لتبدأ مرحلة الدولة في ملاحقة من سرقها أموالها وكيف ومن¿!.. ثم مرحلة القضاء ….. إلخ

الفئران الصغار
يرى البعض أن الموظف الصغير هو رأس الفساد وسنامه حيث يقول المحامي فائد سرحان ” لولا الموظف الصغير لما استطاع المسؤول سرقة ريال واحد فهم من يقننون ويعرضون ويعرفون ذلك المسؤول بالطرق والثغرات القانونية لأجل الاختلاس وسرقة المال العام .. وهو أيضا يحتاج إلى التوقيعات من أصغر موظف وحتى أعلى موظف لإتمام هذه العملية.
ويرى سرحان أن الموظف الصغير هو فأر الفساد ورأسه وعموده ..لماذا ¿ لأنه يسهل للذي أعلى منه الاستيلاء على المال العام º فمثلا إذا رفض هذا الموظف الصغير والآخرون من أمثاله.. فمن أين سيسرق عتاولة الفساد¿! ºº فهم يعتمدون على فسادهم على الموظفين الصغار ليرموا المسؤولية عليهم ويخرجوا منه سالمين غانمين والسبب البسطاء من الموظفين وبالذات أولئك الذين يأتون بهم أو المدعومين في الوظيفة والإدارة وعلى رأس هؤلاء من يعملون في الشؤون المالية والمشتريات والمناقصات والمشاريع وغيرها من الإدارات التي فيها بؤر للفساد .

مسؤولية مشتركة
وهنا يقول القاضي عبدالحفيظ المحبشي القاضي المختص بالقضايا المحالة من الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد أن الفساد المرتكب في أجهزة الدولة المختلفة مشترك ولابد أن يقع فيه أو في مسؤولية ارتكابه الموظف الصغير والكبير .. ويؤكد القاضي المحبشي إن القانون وبما فيه من ثغرات وقصور جعل أحيانا الموظف الكبير وأيضا الصغير يفلت من العقاب فمثلا القانون لم يجرم الإخلال بالعقود من قبل المقاولين والموردين وعدم وجود نص يجرم التزوير الإلكتروني وجرائم البطاقة الإلكترونية والمعاملات الإلكترونية بشكل عام .
ويستطرد المحبشي في حديثه قائلا : إذا قلت كان القانون وأقصد قانون العقوبات قد حصر الأضرار بمصلحة الدولة بالموظف العام وتغافل الآخرون حيث اشترطت المادة رقم 163 من قانون العقوبات أن يكون المضر بمصلحة الدولة موظفاٍ عاماٍ وعدم التجريم إذا كان المضر بمصلحة الدولة مقاولاٍ .. وكون المادة القانونية اشترطت أن تكون المنفعة التي يحصل عليها الموظف ظاهرة وعادة ما تكون مخفية.. ولذلك فإن استشراء الفساد ليس محصوراٍ على الموظف العام ولكن هناك تداخل في العملية مع وجود الثغرات القانونية.. وأرى أن الموظف المختص جزء كبير من الفساد ولكن برضى وتوجيه المسؤول الكبير الذي يسهل عملية النهب للمال العام محتم بالحصانة القانونية التي منحها له القانون .. وإلا إذا لم تكن هناك حصانة لما تمادوا بالفساد وسهلوا لمن هم أقل منهم مسؤولية بالفساد .

المادة 163
ويشاطر القاضي المحبشي الرأي وكيل نيابة مكافحة الفساد رمزي عبدالله الشوافي حيث يقول أولا ورداٍ على سؤالك بأن الموظف المختص سبب الفساد أقول إنه على العكس قد يكون شريكاٍ رئيسياٍ مع المسؤول الأعلى فلولا هذا المسؤول ما استطاع الموظف المختص من الاستيلاء على المال العام هذا جانب أما الجانب الآخر وبالنسبة لواقعة الاستيلاء على المال العام فيعاب على المادة رقم 163 من قانون العقوبات أنها اشترطت أن يكون المستولي موظفاٍ عاماٍ º وإذا كان المستولي على المال العام غير موظف فإنه لا يكون مستولياٍ وينسب له فعل آخر … بالإضافة إلى عدم وجود نص قانوني يقضي بالمصادرة لمبلغ مساو للمبلغ الذي حصل عليه الموظف من الرشوة حيث إن القانون الحالي يقضي بمصادرة المبالغ المضبوطة على ذمة جريمة الرشوة فقط بينما الموظف الذي يكون قد تصرف بمبلغ الرشوة لا يحاكم بمصادرة مبلغ يساوي المبلغ الذي كان قد تصرف فيه .

التعديلات مطلب مهم
ويوضح القاضي الشوافي أن بيت الفساد وساسه بعض رؤساء المؤسسات والوكلاء والوزراء الذين شملهم القانون بالحصانة وجعل المسؤولية على من هم أدنى بالمستوى الوظيفي وبالتالي فإن من أهم المعوقات لمكافحة الفساد حالياٍ بعض مواد القانون رقم 6 لسنة 1995 م والخاص بمنح حصانات لشاغلي الوظائف العليا من موظفي الدولة .
ويقول وكيل نيابة مكافحة الفساد إن مكافحة الفساد والحد منه بشكل حقيقي يبدأ من التعديلات التي قدمت إلى مجلس النواب في القوانين الخاصة بالمساءلة ومكافحة الفساد والعقوبات التي هي الأساس في ردع كل من تسول له نفسه المساس بالمال العام بغض النظر عن درجة وموقع مرتكب جريمة الفساد أعتقد أن هذه الإجراءات إذا تمت في أقرب وقت ستعمل في الحد من الجريمة وبنفس الوقت سيكون الموظف المختص والمسؤول تحت طائلة المساءلة والعقاب ولن يفلت منها أحد .

قد يعجبك ايضا