قبل سنوات قليلة أعطت أمريكا التوجيهات للدول الخليجية وعلى رأسها بالطبع السعودية بعدم الاستيراد من الصين.. ردت هذه الدول باستعدادها لوقف أي استيراد من الصين، ولكنها ستظل تحتاج لاستيراد ما لا يتوفر لدى بقية الدول ووافقت أمريكا وإن بامتعاض..
تذكرت هذا قبل أيام وأنا أتابع تقارير وتحليلات تقول إن أمريكا طلبت من السعودية ودول أخرى أن تحسن علاقتها مع إيران وأن تتخلى عن الصدامية معها، ومن أهداف ذلك جرّ إيران للدخول فيما تسمى الاتفاقات الإبراهيمية..
حين تفشل أمريكا في أي جانب تزعم وتدعي أنها أوقفت حرباً كحرب الهند وباكستان، وحين تنجح الصين في الوصول إلى اتفاق أو توافق بين إيران والسعودية ستقول إنه لولا أنها أوعزت أو وافقت لما تم مثل ذلك..
دعونا نتجاوز الكثير من هذا لنسأل كيف أصبحت علاقات السعودية والإمارات وغيرهما مع الصين وروسيا إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ النظام السعودي؟ وذلك لم يعد يحتمل القول إن أمريكا أوعزت أو تم الأخذ منها، لأن الصين باتت أكبر مورد للسيارات الكهربائية إلى السعودية، وبالتالي فإنه باستثناء التسليح وما يرتبط كاتفاقات أمنية ودفاعية أو غیر ذلك، فالسوق الخليجي بات مفتوحاً وعلى مصراعيه لكل المنتجات الصينية والروسية وغيرها، ومثل هذا لا علاقة له لا بإيعاز ولا بإذن أمريكي وهو أمر واقع عالمي فوق قدرة أمريكا على أن تحكمه أو تتحكم فيه..
الأنظمة الخليجية و«السعودية» على رأسها محكومة أمريكياً وباتت محكومة إسرائيلياً وهي في ذلك مكبلة ومجبرة ولا تستطيع التحرك خارج هذا الخط حتى لو أرادت، وأمريكا إلى جانب ذلك تحكم وتتحكم في اقتصاد هذه البلدان وثرواتها وبقدر كبير فيما يمكن القول إن الأمر الواقع عالمياً فرض تحرير وتحرر التجارة عالمياً فوق إرادة أمريكا وإرادة هذه الأنظمة.
الاصطفاف العالمي المناوئ لأمريكا، لم يعد في فكر الثورات والتثوير أيديولوجياً ولا يريد قلب وتغيير الأنظمة لا في أمريكا ولا حتى في هذه الدول الخليجية، وكل ما يريده هو التنافس للشراكة وشراكة حقيقية في المصالح تحس وتلمس، وهو بذلك استطاع تغيير أرضية ما عُرفت بالحرب الباردة وشعار «يا عمال العالم اتحدوا»، بينما أمريكا – وذلك سيثبته الزمن – هي التي لا تستطيع خوض التنافس الشريف وانكشفت في شمولية وديكتاتورية على بلدان كهذه بأفظع وأسوأ مما مثلته الشمولية الأيديولوجية الشيوعية..
خبير أمريكي كبير ومتخصص سُئل لماذا السياسة الصينية تتصاعد نجاحاتها عالمياً وبتسارع مقارنة مع أمريكا؟..
أجاب لأن السياسة الصينية ترتكز على الإقناع والمصالح المشتركة، بينما السياسة الأمريكية ترتكز على القوة والإكراه ومصالح أمريكا فقط يعنينا في هذا السياق أن الصين وروسيا تقاطعتا مع أمريكا في منطقتنا من منظور مصالحها – وهذا طبيعي – ثم من منظور احتدام النظام الدولي والقوانين الدولية، ولذلك فهذا الاصطفاف الدولي لا يمارس مع أي حلفاء له ضغوط قوة أو استفراداً بمصالح، ولذلك يعنينا أن نعي هذا الميزان أو التوازن الذي يمثل التغيير التدريجي في واقع العالم..
لا يمكن دفع الصين وروسيا في منطقتنا تحديداً إلى موقف فوق هذا الميزان أو التوازان وفي ذات الوقت فإنه لا الصين ولا روسيا تستطيعان فرض موقف على اليمن غير ما تراه اليمن الموقف الذي يحافظ على حقوقها ويراعي مصالحها، وإذا النظامان السعودي والإماراتي مثلاً يفكران بأن علاقة الصين وروسيا التجارية أو غيرهما، ستمكنهما من دفع روسيا والصين للضغط على اليمن لتقبل ما لا يقبل، فذلك هو الوهم الذي لن يأتي ولن يتحقق..
في ظل استمرار العبث والعدوان السعودي – الإماراتي، نذكر النظامين أننا هزمنا أمريكا والغرب وإسرائيل، ونذكر بكل واقعیة وتواضع بهذه الحقيقة، وإذا هذا ما حدث مع أمريكا بكل أتباعها وتوابعها وأبقارها الحلوبة، فعليهم ومن الآن أن لا يفكروا في أدوار للصين وروسيا أو غيرهما خارج الالتزام الكامل بحقوق ومصالح اليمن، ولا ولن يفيد إعلام التهريج الزائف والمزيف بكل قدرات أمريكا وإسرائيل معاً!.
