تحقيق / هشام المحيا –
رغم الظروف الجبارة التي تجثم على صدر الوطن الحبيب .. رغم المعاناة المختلفة التي تكبدوها أثناء قيامهم بالمهمة اختتم مركز الدراسات السكانية بجامعة صنعاء المؤتمر العلمي السابع لمناقشة أبحاث التخرج العلمية لطلاب المركز بعد أن أنهى تأهيل الدفع السبع بنجاح من خلال تطعيمهم بجرع علمية لمدة عام لكل دفعة ومنحهم دبلوماٍ عالياٍ في الدراسات السكانية من شأنها خلق ثقافة سكانية وسط المجتمع اليمني بكافة شرائحه ومن ثم حلحة فروع المشكلة السكانية عبر مئات الأبحاث العلمية المتخصصة في المشكلة السكانية في اليمن والمقدمة من قبل المتخرجين ..
وقد تميزت الدفعة السابعة بعدة مميزات انفردت بها عن سابقاتها لعل أبرزها أن حوالي نصف طلابها من المؤسسة العسكرية قدموا أبحاثا علمية عن هذه المؤسسة ودورها وموقفها إزاء القضايا السكانية كتعليم المرأة والعنف ضدها والصحة الإنجابية وحقوق الطفل ..
غير أن الحلقة المفقودة التي يبحث عنها المركز والطلبة هي دعم الحكومة للمركز لتوسيع نشاطه من جهة وتطبيق الأبحاث من جهة أخرى ..
36 طالبا وطالبة منهم ثلاث فتيات قدموا أنفسهم لخدمة وطنهم من خلال بذل أكبر قدر ممكن من الجهود في سبيل اكتسابهم الثقافة السكانية التي تمكنهم من حلحلة القضايا السكانية وبطريقتين الأولى التأثير على مجتمعاتهم بمختلف الشرائح وتقديم البحوث العلمية لأصحاب القرار كي يتخذوا السياسات اللازمة لحل جوانب عدة تتعلق بالمشكلة السكانية وقد اختتموا ذلك بمناقشة أربعة عشر بحثا علميا بعد أن فِعلت إدارة المركز روح التعاون فيما بين الباحثين بتقسيمهم إلى مجموعات لا تزيد كل مجموعة عن ثلاثة طلاب وتتميز هذه الدفعة بكسر أغلب طلابها لحاجز الخجل من السن بعد أن تعدى بعضهم سن الأربعين عاما فهم يؤمنون بأن “العلم من المهد إلى اللحد” أيضا فرض هؤلاء على أنفسهم تخصيص مساحة كبيرة من أوقاتهم واهتمامهم للدراسة بعد أن تكالبت عليهم مشاكل الحياة فالكثير منهم يعملون في أماكن حيوية في مؤسسات الدولة .
الدكتور محمد الحداد مدير مركز الدراسات السكانية بجامعة صنعاء تحدث عن جهود المركز وكذا الطلاب الدارسين فيه ومواكبتهم للقضايا السكانية في اليمن بتقديم بحوث علمية فقال ” يركز مركز الدراسات السكانية بجامعة صنعاء على المشكلات السكانية التي تعاني منها اليمن فيحاول تقديم الحلول لها من خلال تأهيل المتقدمين للدراسة في برنامج الدبلوم العالي بالمركز وتحت إشراف نخبة من الدكاترة المتخصصين بالجامعة وقد انتهى المركز في هذه الأيام من تأهيل الدفعة السابعة دبلوم عال حيث اختتم تأهيلهم بمناقشة أبحاث التخرج في المؤتمر العلمي السابع بعد أن بذلوا مجهودا كبيرا في سبيل تحصيلهم العلمي ويعتبر جديد المركز في هذه الدفعة أن عدد الطلاب المنتمين إلى القوات المسلحة يمثلون قرابة النصف وبالتحديد 14 طالباٍ من إجمالي 36 طالباٍ وطالبة ولهذا فقد عمل المركز على اقتناص الفرصة لتطعيم هذه المؤسسة بكوادر مؤهلة تغير من الواقع الثقافي لدى أفرادها وقدم هؤلاء الطلاب بحوثاٍ علمية تناقش خلال أيام المؤتمر العلمي الخاص بهم ..
ولفت الحداد إلى أن البحوثاٍ اهتمت ببعض القضايا السكانية كالصحة الإنجابية ومناصرة قضايا المرأة ومواضيع أخرى وتعتبر هذه الخطوة “تطرق القوات المسلحة للقضايا السكانية كقضايا المرأة وتنظيم الأسرة ” إيجابية بل وممتازة بعد أن كانت هذه المؤسسة التي تمثل شريحة كبيرة من السكان خارج الدائرة .
ودعا الحكومة إلى الاهتمام بالقضايا السكانية كحل رئيسي للمشاكل التي تمر بها اليمن ودعم هذا المركز ليقدم المزيد من الكوادر المؤهلة علميا لمؤسسات الدولة وكذا لتقديم الأبحاث العلمية للمشاكل المختلفة في الدولة ” .
لكن في الوقت الذي تميزت هذه الدفعة حضور طلاب المؤسسة العسكرية غاب بالمقابل الشريحة الأهم في المشكلة السكانية وهي النساء فلم يتعد العدد ثلاث طالبات غير أن الدكتور الحداد يعتبر ذلك صدفة ففي الأعوام الماضية كان للفتيات حضور جيد .
عوامل مساعدة
يعتبر صندوق الأمم المتحدة للسكان الداعم الرئيسي للمركز وبالتالي كان له كلمة مكتوبة حول مخرجاته ومستقبله ” إيمانا من صندوق الأمم المتحدة للسكان بمخاطر المشكلة السكانية من جهة ومدى صعوبة المرحلة التي تمر بها اليمن من جهة أخرى يقوم الصندوق بتقديم كافة أوجه الدعم لليمن لمساعدتها على التغلب على المشكلة السكانية ومن ضمن ما يقدمه الصندوق في اليمن دعمه للدبلوم العالي بمركز الدراسات السكانية بجامعة صنعاء الذي يهدف إلى نشر الوعي وسط المجتمع بمخاطر المشكلة السكانية أولاٍ وتقديم البحوث العلمية السكانية التي ينجزها الطلاب المتخرجون إلى أصحاب القرار لرسم سياسات واضحة وبأسس علمية تنعكس نتائجها على المسألة السكانية إيجابيا وكمساعدة من الصندوق فإنه بالإمكان نشر أفضل ثلاثة بحوث من كل دفعة بناء على اقتراح المركز كون البحوث المقدمة في برنامج الدبلوم العالي لا ترتقي إلى ذات المعايير التي يتم الالتزام بها في الماجستير لكن يبقى التنويه إلى أننا ـ حاليا ـ لا نحتاج تخريج أكاديميين أكثر من احتياجنا لدارسين مؤهلين يلمون بالمشاكل السكانية في اليمن كي يعودوا إلى مقار أعمالهم ويعكسوا ذلك على مجتمعهم وقياداتهم وهنا يجب أن ننوه في هذه المساحة على ضرورة أمرين الأول أنه يجب على مؤسسات الدولة أن تعمل على ابتعاث موظفيها إلى مثل هذه المراكز أما الأمر الثاني فهو توجه الدولة إلى وضع المشكلة السكانية في أولويات أعمالها وبرامجها التنفيذية “.
أبحاث .. ماذا بعد¿
الدكتور حمود العودي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء وبالمركز تطرق إلى ما قدمه الطلاب خلال فترة دراستهم وما يمكن أن تقدمه أبحاثهم للقضية السكانية في اليمن فقال ” من خلال تدريسي في مركز الدراسات السكانية لاحظت أن الطلاب يتميزون برغبة كبيرة في دراسة القضايا السكانية وهو الأمر الذي انعكس على المخرجات حيث قدموا بحوثاٍ علمية ممتازة لو أن الدولة التفتت إليها وتولت تطبيقها على أرض الواقع لكان لها الأثر الكبير على المشكلة السكانية بمختلف اتجاهاتها .
وتابع :ومن هنا نستطيع القول أن مركز الدراسات السكانية بما فيه الطلاب سواء طلاب هذه الدفعة أو الدفع السابقة عموما عملوا ما عليهم وقدموا عدداٍ من الأبحاث العلمية ويبقى الدور التالي ــ وهو الأهم ــ على الدولة حيث يتوجب عليها إخراج هذه البحوث وغيرها إلى حيز الوجود كي تلامس النتائج المرجوة “.
اتفاق غير معلن
لم يكن يعلم الباحثون في المركز لهذا العام أنهم ضربوا موعدا مع أنفسهم لمناقشة الجانب الإنساني والنفسي للمواطن اليمني وحسب فالمتأمل لكامل البحوث المقدمة للمناقشة في المؤتمر العلمي السابع المقام حاليا سيجد أن الأمر حقيقة فقد قدمت أربعة أبحاث تهتم بحق الرجل والمرأة الإنساني في الحياة الكريمة من خلال مناقشتهم لمفهوم التوافق في تنظيم الأسرة لدى الرجل والمرأة والمشكلة السكانية ومستوى الخدمات الصحية في أمانة العاصمة ودور منظمات المجتمع المدني في موضوع الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة ومدى وعي القوات المسلحة بالصحة الإنجابية كما اهتم باحثون آخرون بالحق الإنساني للمرأة من خلال بحثين الأول بعنوان “درجة وعي ضباط القوات الجوية في قضية تعليم المرأة” والثاني بحث بعنوان “العنف ضد المرأة “ولم يقف الباحثون عموما عند المرأة والرجل فقد اهتموا أيضا بالشباب والمسنين والأطفال والمعاقين لكنهم لم يخرجوا من دائرة الإنسانية فقد قدمت ثلاثة أبحاث ناقشت بعض مشاكل الطفل وبحثان للمسنين وبحث واحد عن مكانة المعاقين في وسائل الإعلام المرئية .
مجموعة قضايا
الطلاب عبدالله التبعي ومجاهد المدني ومحمد سلمان عكفوا على دراسة تهدف إلى قياس درجة وعي ضباط القوات الجوية في قضية تعليم المرأة وهي دراسة ميدانية طبقت على أمانة العاصمة كمجتمع بحث وقد توصلت الدراسة إلى نتيجة غير متوقعة حيث أبدى حوالي 99% من عينة البحث عدم اعتراضهم على حق المرأة في التعليم وقال الباحثون إن هذه الدراسة عكست النظرة التي كان ينظر بها إلى المؤسسة العسكرية التي يعتبرها الكثير من الناس غير جديرة بالثقة وغير مندمجة مع متطلبات العصر .
أما الطلاب عمار الصلوي وعبدالله ظافر ومحمد المغلس فقد طرقوا موضوعا آخر يعتبر من المواضيع المهمة في موضوع الصحة الإنجابية فكانت دراستهم لقياس مدى التوافق في مفهوم تنظيم الأسرة لدى الزوجين وأكد الباحثون أنهم توصلوا إلى أن قرار تنظيم الأسرة بين الزوجين غالبا ما يكون بيد الزوج وبالتالي تبقى المشكلة قائمة وحتى تحل ,ويقترح الباحثون خلق ثقافة مجتمعية للتوعية بأهمية توافق الزوجين في مسألة تنظيم الأسرة .
الطلاب علي عبده محمد وعبدالله الأكحلي وماجد قائد أحبوا أن يدرسوا دور المنظمات الرسمية والأهلية في مجال الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة كدراسة مقارنة ,وقال الباحثون إنهم توصلوا إلى أن نسبة فاعلية المنظمات الأهلية تتراوح بين 60و70% أما فاعلية المنظمات الحكومية فهي بين 30 و40% كما توصل الباحثون إلى غياب التنسيق بين المنظمات الأهلية فيما بينها من جهة وبينها وبين المنظمات الحكومية من جهة ثانية ما يعني غياب الرؤية والاستراتيجة في عمل تلك المنظمات بنوعيها .
النصف الآخر
” العنف ضد المرأة ” عنوان دراسة قام بها الطلاب حسن آدم ونواف صالح وعبدالله منصر وهدفت الدراسة إلى التعرف على واقع ظاهرة العنف ضد المرأة في اليمن وكان مجتمع الدراسة النساء المتزوجات وتوصل الباحثون إلى أن نسبة العنف ضد هذه الشريحة تصل إلى 80% ويتقدم العنف اللفظي مقدمة أنواع العنف ورصد الباحثون أن الزوج هو المسؤول الأول عن هذه الظاهرة ويقترح الباحثون لحل المشكلة إيجاد قانون يعاقب المخالفين ومن ثم خلق ثقافة مجتمعية تندد بالظاهرة وتبين مدى مخاطرها على المرأة .
أما الطلاب سام العامري وحازم الحاوري وعلى الروحاني فقد ناقشوا في دراستهم “مدى وعي منتسبي المؤسسة العسكرية حول الصحة الإنجابية ” وتوصلوا إلى أن حوالي غالبية العينة المختارة سمعوا بالصحة الإنجابية من التلفزيون ما يعني غياب دور المنظمات المتخصصة ووسائل الإعلام الأخرى حول التوعية بالمشكلة .
الشباب كان لهم نصيب في هذه الدراسات فقد ناقش الطالب محمد عزالدين المثالي ظاهرة انتشار تدخين الشيشة وارتياد المقاهي بين الشباب من الجنسين وعلاقة ذلك بالسلوك الانحرافي ” وتوصل الباحث إلى وجود علاقة كبيرة بين ظاهرتين ويقترح لحل ذلك تفعيل دور الإعلام بمختلف وسائله والاهتمام بتثقيف الأمهات كونهن المشرفات الرئيسيات على تصرفات الأبناء والبنات .
أما الطلاب عبدالرحمن الرجوي وعبدالإله قحيط وعبدالخالق الجنيد فقد ناقشوا في دراستهم “أثر الإعلام المرئي على تدعيم ثقافة الطفل ” وتوصل الباحثون إلى أن الإعلام المرئي في اليمن لا يملك الرؤى والاستراتيجيات التي تهتم بالطفل من كافة الجوانب النفسية والاجتماعية والثقافية وبالتالي فالأطفال يلجأون إلى متابعة ثقافات ليست في مستواهم ولا تليق بمجتمعاتهم وبالتالي فهم يكتسبون ثقافات غربية تهدم ولا تبني ويقترح الباحثون وضع رؤى واضحة تهتم بالطفل وفق دراسات علمية.
عناية خاصة
في الإعلام أيضا ولكن هذه المرة عن “مكانة الأشخاص ذوي الإعاقة في الإعلام المرئي ” فقد درس الباحثون عبدالغني يحيى وعلي النجار وعبدالله بنيان واقع المشكلة وتوصلوا إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة مغيبون من وسائل الإعلام إلا في المناسبات وبعض البرامج النادرة كنشرة الأخبار المحلية فيما يخص المعاقين بالصمم أما بقية أنواع الإعاقة فهي مغيبة تماما ولهذا يجب على الإعلام إعادة النظر في سياسته فيما يخص المعاقين .
آخر مساحة هنا كانت للمواليد حيث درس الطلاب وائل الجنيد وهشام النوعة ومحمد العمري واقع تسجيل المواليد في اليمن وتوصل الباحثون إلى أن الجهات المختصة مهملة جدا في هذا الموضوع كما توصلوا إلى أن الأوضاع الاجتماعية والثقافية للمواطنين لعبت دورا كبيرا في تدني تسجيل المواليد في السجل المدني للأحوال المدنية ويقترح الباحثون تفعيل دور الدولة في التسجيل ونشر ثقافة مجتمعية تعمل على دفع الأسر إلى تسجيل أبنائهم المواليد في السجلات المدنية لضمان حقوقهم المشروعة.
وقبل الختام يجب أن ننوه إلى أن بحوثاٍ أخرى نوقشت في هذا المؤتمر كظاهرة العنف بين الشباب وبحثين عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية للمسنين والمشكلات السكانية والخدمات الصحية بأمانة العاصمة وكلها توصلت إلى حلول كلها تنتظر الحكومة إليها .