التهديدات والأخطار المحدقة بالمواقع والمعالم التاريخية والأثرية لا تنتهي بل وأصبحت متنوعة حتى التكنولوجيا باتت تشكل في بعض الأحيان أخطاراٍ على تلك المواقع والمعالم.
فشركات الاتصالات تبحث عن أماكن مرتفعة وشاهقة تعتبرها مناسبة لإقامة أبراج تقوية وبالنظر إلى القلاع والحصون فمعظمها تتخذ من تلك الأماكن الشاهقة مقرات لها بحكم مواقعها الدفاعية والتحصينات التي توفرها تلك الأماكن المرتفعة لهذه القلاع والحصون وهو الأمر الذي وفر لها الحماية منذ عشرات السنين.
إلا أن هذه المواقع المرتفعة والتي كانت سبباٍ في حماية القلاع والحصون باتت الآن مصدراٍ للمشاكل والعبث في بعض الأماكن فقد أصبحت هذه الأماكن مطمعاٍ لشركات الاتصالات التي لا تهتم بالقيمة التاريخية والمكانة الحضارية للقلاع والحصون بقدر ما تسعى إلى تقوية بثها وزيادة أرباحها.
ولعل قلعة الدملوءة في مديرية الصلو محافظة تعز تمثل شاهداٍ حياٍ على هذا العبث والاستهتار بحضارة وتاريخ أمة امتدت بعيداٍ في جذور الزمن.
فهذه القلعة التاريخية تعرضت قبل أسابيع عديدة لإحدى المحاولات التي اتسمت بالإصرار من قبل إحدى شركات الاتصالات على أقامة برج تقوية وانزلت المختصين لديها للشروع في العمل.. وما يبعث على الأسى أن هذه القلعة ينتصب فيها برج لشركة أخرى منذ سنوات طويلة.. فلماذا لم تتم إزالة هذه البرج الذي يقال أن مختصين تورطوا في على إقامة هذا البرج وما الذي تم بخصوص البرج الجديد الذي حاولت شركة أخرى إقامته في القلعة¿ وهل هناك حالات أخرى سجلت من مواقع ومعالم أثرية في تعز وغيرها من المحافظات¿ أسئلة بحثنا عن إجابات لها مع المختصين والمسؤولين في هيئة الآثار والمتاحف وفرعها في محافظة تعز..
خطأ فادح
تؤكد هيئة الآثار والمتاحف أن إقامة البرج في قلعة الدملوءة يمثل خطأ فادحاٍ وتحمل الإدارة السابقة لفرع هيئة الآثار بتعز المسؤولية فيه.
ويقول رئيس الهيئة الأخ مهند السياني :إن البرج الذي بدأ العمل فيه في العام 2008م سعت الهيئة مؤخراٍ إلى تفادي هذا الخطأ فقد أنزلت لجنة من المختصين والفنيين الذين رفعوا تقريراٍ شدد على ضرورة نقل هذا البرج وإخراجه من داخل القلعة كونه يؤثر تأثيراٍ مباشراٍ على القلعة سواءٍ بالتشويه أو التأثير المباشر كون هذه الأبراج تصدر ذبذبات قوية من شأنها إحداث تأثير مباشر على القلعة على المدى القريب وهو الأمر الذي أخذته الهيئة على محمل الحد وقامت بالتحرك تجاه الشركة وطلبت من المجلس المحلي بمحافظة تعز التعاون في الضغط على شركة الاتصالات لنقل هذا البرج من داخل القلعة إلا أن المجلس المحلي لم يتعاون بالشكل والمطلوب.
وأضاف السياني: الشركة تتحجج بأن نقل البرج وتفكيك الآلات والأجهزة يحتاج إلى جهد كبير ومع ذلك نحن لدينا إصرار كبير كقيل بالمتابعة وعدم اليأس حتى يتم نقل هذا البرج وإخراجه من القلعة حتى إذا قمنا بتصعيد الأمور إلى أعلى المستويات كون هذه القلاع والحصون من الأشياء التي ينبغي الحفاظ عليها وحمايتها من أي تأثيرات قد تحدث بها ولو تأثيرات بسيطة.
أبراج الاتصالات ومواقع أخرى
وأوضح السياني أن مشكلة أبراج الاتصالات مشكلة تواجهها هيئة الآثار والمتاحف ليس في قلعة الدملوءة فقط وإنما في مواقع عدة منها في قلعة ثلا التي وقفت الهيئة بكل صرامة ولكن تحدث تحركات بين الحين والآخر لشركة الاتصالات في اتجاه بناء البرج وأيضا قامت الهيئة بوقف برج آخر في غيمان , ولفت إلى أن هيئة الآثار والمتاحف قد أصدرت تعميماٍ لكافة شركات الاتصالات في البلد بعدم إنشاء أي برج أو استحداث في أي موقع أو معلم أثري وهناك شركات ملتزمة بهذا التعميم.
* وحول ما حدث مؤخراٍ من محاولة إحدى الشركات استحداث برج آخر في حرم قلعة الدملوءة أكدت الأخت بشرى الخليدي مدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف بمحافظة تعز أن إحدى الشركات انزلت عمالها ومهندسيها بدون سابق انذار قبل حوالي ثلاثة أشهر وشرعت في عمل المخططات وفور تلقي فرع الهيئة البلاغ تم التحرك والتواصل مع المحافظ الذي وجه مدير عام مديرية الصلو بإيقاف الشركة عن استحداث هذا البرج.
وأشارت إلى أن هذه الشركة كانت مصرة على إقامة هذا البرج وحاولت الضغط على فرع الهيئة بشتى الطرق كي يتم السماح لها بإنشاء البرج في القلعة ولكن لم ولن يتم ذلك.
البرج المقام مأساة حقيقية
وفيما يتعلق بالبرج المقام لشركة الاتصالات الأخرى ومدى مسؤولية فرع الهيئة في إقامة هذا البرج وكيف تم السماح لتلك الشركة بنصب برجها في قلعة أثرية تقول بشرى الخليدي للأسف الشديد أن البرج القائم في حرم القلعة كان من الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها الإدارة السابقة, فبالرغم من التوجيهات الرئاسية وتوجيهات محافظ محافظة تعز السابق وديوان عام هيئة الآثار والمتاحف بعدم المساس بحرم القلعة إلا أن إدارة الفرع تجاوزت كل تلك التوجيهات والأوامر وقامت بعمل تصريح للشركة بإقامة هذا البرج في حرم القلعة في العام 2008م وعندما شكلت لجنة من قبل ديوان عام الهيئة,رفعت هذه اللجنة تقريرها وكان شديد اللهجة ونص على أن هذا البرج مخالف لكل الأعراف ولقانون الآثار وأن ما تم بحق هذه القلعة مأساة حقيقية.
وبدورنا نتساءل أين كانت الهيئة العامة للآثار , فكم الوقت الزمني الذي يتطلبه إنشاء البرج ولماذا لم تتنبه قبل إكمال البرج وأنزلت لجنتها بعد فوات الأوان.
الترميم مطلوب
وتضيف الخليدي :إن قلعة الدملوءة تعد من أهم وأبرز القلاع من محافظة تعز بعد قلعة القاهرة ولم تحظ هذه القلعة بما تستحقه من الإهتمام والترميم ولهذا فقد تعرضت لأعمال العبث وتم نهب الكثير من أحجارها وبعد الانتهاء من ترميم قلعة القاهرة توجهت الأنظار صوب الدملوءة ولأن المبالغ التي تحتاج إليها عملية الترميم كبيرة فقد تم إدراجها ضمن موازنة العاصمة الثقافية وكما هو معروف بأن موازنة العاصمة الثقافية وزعت على الوزارات والصناديق وكانت القلعة ومشروع ترميمها من حصة الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي قام بدوره بإنزال فريق فني استشاري وهم بصدد رفع التصورات والمقترحات للترميم.
وكشفت بشرى الخليدي عن حالة أخرى في موقع آخر حيث عمدت إحدى شركات الاتصالات قبل فترة قصيرة باستحداث برج في أحد المواقع الأثرية داخل مدينة تعز بمنطقة السراجية ولكن تم التحرك لإيقاف العمل في بدايته وتجاوبت الشركة في إيقاف العمل وبصورة طيبة تحسب لها.
التدخل البشري العدو الأول
وبدوره يقول نائب مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بهيئة الآثار الأخ/عبدالكريم البركاني :إن قلعة الدملوءة كغيرها من المواقع والمعالم الأثرية في محافظة تعز وغيرها من المحافظات تشكو من الإهمال والعبث بفعل عوامل التعرية الطبيعية وعدم الاهتمام من قبل الجهات المعنية والأدهى من ذلك هو التدخل البشري الذي أصبح العدو الأول للمعالم الأثرية حيث تم الاعتداء على هذه القلعة وأخذ أحجارها وانتزاعها من جدران القلعة لاستخدامها في بناء منازلهم كونها جاهزة للبناء.
وأشار إلى أن مسألة أبراج الاتصالات باتت مشكلة تؤرق الآثارين والمهتمين بالآثار كونها تكررت في أكثر من موقع وبفعل الظروف التي تمر بها البلاد وهناك مخاوف من استغلال هذه الأوضاع من قبل شركات الاتصالات لتعمل بدورها على نصب أبراجها في مواقع تزخر بالمعالم الأثرية وعلى رأسها القلاع والحصون كونها مطمعاٍ للكثير من مهندسي الاتصالات الذين يرون فيها أماكن ملائمة لإقامة الأبراج.
ودعا البركاني شركات الاتصالات إلى تجنب المواقع والمعالم الأثرية عند إقامتها لأي أبراج تقوية كون هذه المواقع والمعالم تمثل تراث أمة والمساس بها يعني المساس بهذه الأمة التي تعتز بتاريخها وينبغي أن تكون شركات الاتصالات خير عون لهيئة الآثار للحفاظ على هذه المواقع وتساهم في تمويل مشاريع حفاظية وترميمية لا أن تعمل على تشويه تلك المعالم والإضرار بها.