استطاعت ماليزيا في فترة وجيزة خصوصا ـ خلال العقود الأربعة الماضية ـ أن تسجل حضورا متقدما بين دول العالم في مختلف المجالات وشتى الأصعدة, قبلها لم يكن هناك وجود لـ”ماليزيا” حتى منتصف خمسينيات القرن الماضي, وكانت تعرف آنذاك بـ “أرخبيل الملايو” وتتكون من سلاطين تحكم مناطق متفرقة, وحين تولى زمام أمورها ربانها الماهر “بائع الموز” الدكتور مهاتير محمد وتوافر مقومات النهوض المتمثلة بـ “القيادة الرشيدة, الشعب المطيع المخلص, الاستقرار السياسي, الاقتصاد الحر, العمالة اليافعة, البنية تحتية, التوجه الجاد لجذب الاستثمار”, تمكنت ماليزيا من تحقيق طفرات نوعية: اقتصاديا ـ صناعيا ـ تنمويا ـ تعليميا ـ وغيرها, ذلك بعد معاناة طويلة خلقتها أزمات متعددة تسببت في ارتفاع نسبة الفقر واتساع رقعة الأمية في أوساط المجتمع الماليزي.. اليوم, أصبحت “التجربة الماليزية” محط اهتمام الباحثين والمتابعين, وقبلة للطامحين في صنع مستقبل أفضل وتحقيق قفزات نوعية في بلدانهم .. وخلال المشاركة في برنامج ” التعرف على التجربة الماليزية ” الذي أقيم في العاصمة السياسية الماليزية «بوترجايا» نهاية أكتوبر الماضي, بتنظيم من المشرق العالمي للتدريب ومركز الشباب العالمي ـ كوالالمبور, وحضور نخبة من الشباب من مختلف الدول العربية بمشاركة بلادنا بوفد رسمي من وزارة الشباب برئاسة الوكيل المساعد لقطاع التخطيط والتدريب أنور أحمد السويدي تم التعرف من خلال النزول الميداني الى مؤسسات القطاع العام (الحكومي) الماليزي على أسرار النهوض والطفرة التنموية الماليزية التي تحققت خلال عقود قليلة ماضية:
النظام الفيدرالي هو النظام السياسي القائم في ماليزيا التي تتكون من 13 ولاية وثلاثة أقاليم اتحادية وتعتمد سياسة الحكومة الماليزية في السلم وعدم المواجهة وقد أدى ذلك إلى تجنبها الدخول في صراعات سواء مع المكونات المختلفة في الداخل أو مع الدول المحيطة والقوى الكبرى في العالم الخارجي.
السلم المجتمعي
من الأسس التي ساهمت في نجاح التجربة الماليزية مدى التوافق والتناغم بين سكان البلد ذات التوجهات المتعددة وحالة السلم المجتمعي السائد بين مختلف مكونات المجتمع الذي يقوم على الوحدة والتنوع المجتمعي والاستقرار السياسي, ومع أن عدد سكان ماليزيا أكثر من 28 مليون نسمة, منهم : الملايو 58% الصينيون 30% الهنود 10% أخرى 2% ويمثل المسلمون فيها نسبة 60% من عدد السكان, وهناك ديانات آخرى: البوذية ثم الهندوسية والمسيحية.. غير أن السلم الاجتماعي والتعايش بين جميع المكونات هو السائد مما ساهم ذلك بشكل قوي في تحقيق استقرار مجتمعي ـ سياسي ومن ثم الاستقرار والنمو الاقتصادي والتنموي.
ولعل الماليزيون أدركوا جيدا مخاطر الانقسام واستفادوا من الاحداث القاسية التي شهدتها بلادهم نهاية العام 1969م بين مواطنين مالاويين ومواطنين من أصول صينية وأصبح الشعار السائد حاليا في المجتمع الماليزي عموما ” التعايش ـ الوحدة ـ السلم والسلام”.
العنصر الشبابي
نهوض أي بلد وتطوره مرهون بمدى اهتمام قيادته ورعايتها للقطاع الشبابي الذي يمثل نسبة كبيرة تصل الى 70% من إجمالي السكان, ولعل من أهم أسرار النهضة الماليزية إيلاء الشباب اهتماما ورعاية خاصة..
وفي زيارتنا الميدانية لوزارة الشباب الماليزي يعود بك المختصون هناك الى مدى اهتمام الدولة الماليزية في تأهيل وتدريب الفرد (العنصر البشري) لدى الشباب الماليزي والذين أصبحوا يمثلون 62% من إجمالي العمالة في ماليزيا.