على جدار الطفولة

حياة الطفولة في الريف اليمني تختلف تماما عن حياة أطفال المدن!!. في الريف ينام الطفل بعد المغرب مباشرة ويصحو قبل شروق الشمس وقبل ذهابه إلى المدرسة إذا أهله حريصون على تعليمه قبلها يقوم بأعمال كثيرة .عندما كنت في سن هؤلاء تحدد لي مهام قبل النوم منها مرافقة الحطابات سواء كن أخواتي أو بنات عمي أو غيرهن من القرية وتلك الحطابات يذهبن “للشعب” المقصود قبل أذان الفجر لأن “العسق” وهو الشجر الأفضل للوقيد يبعد مسافة عدة كيلومترات عن القرية. تقوم النساء أو الفتيات بجلب الحطب وتقطيعه ولملمته على شكل حزم كبيرة ويحملنه رغم ثقله المسافات وإذا كان أخضر يزداد ثقله ومع ذلك لا مشكلة لديهن .بينما أقوم أنا بالبحث عن غراء الصبار الذي يحرسني من الجن وأبحث أيضا عن ” الأبواق” ??لأبواق أحد ثمار الصبار يشبه جراب. “الكنغر” الاسترالي تنتجه بعض الصبار بأحجام مختلفة ويقترب الشبه ????? منه “المسب” الصغير أو الدلو أستخدمه لحفظ الماء باردا لكني أستطيع تقديم بعض المساعدات لرفيقاتي في حال أصيبت إحداهن بعرقلة أو تعرضت لمضايقات من بعض المارة من الغرباء فأنا الرجل الوحيد حامي حمى النسوة طبعا شجاعتي استمدها من ركونهن علي ونادرا ما يحدث هذا ففي يدي “عطيف” وحذائي الثمين معلق عليه وهذا المظهر يدلل على أني لست سهلا وبإمكاني التصدي لأي متهور يقترب من سرب رفيقاتي.
المهمات تختلف من موسم لآخر ففي وقت “تلام “حرث الأرض وبذر الحنطة أقوم أنا ورفاقي بحراسة الحبوب المبذورة من نبش طيور”?????” حتى منتصف الظهيرة .وفي مواسم المطر نقوم “????” -أي نستحدث- سواقي لري الحقول لأن السيل يحمل معه عدة مواد من الأسمدة الطبيعية والحقل ?لذي يغمره السيل سينتج أفضل الثمار وهناك الغنم والبقر لابد أن نكون “رعيان” رعاة نحن والفتيات في طفولتنا لم تكن الفتيات يدرسن فتوكل إليهن رعاية الغنم ?البقر حق الجميع إلى أن ننتهي من الدرس فنلتحق بهن وتقديم الامتنان لهن.
تتاح لنا فرص الراحة في الصيف وهي قليلة .نذهب للسباحة في “البرك” رغم احتواء البرك أو ?لحاجز الصغير على ديدان البلهارسيا جميعنا نخرج وقد أصبحت أجسامنا مليئة بالحبوب. نهرش أجسادنا بقوة “ونعتر” في الحيطان للحكوك كما تعمل الغنم إلا المغامرات ممن يشاركنا السباحة بثيابهن يصبرن على لدغ ديدان البلهاسيا حتى البيوت وهنا أمهاتهن يحكين لهن ويدهنينهن “?????” الترتر أو دهنة البقرة ونادرا ما يدهن الفتيان تباهيا بالرجولة وادعاء القوة.
هذا ملمح بسيط عن طفولة الريف في اليمن ولو ان تلك المهام خفت قليلا لكنها لا تزال في كثير من الارياف تمارس حتى اليوم .
الصورة عام 1992م Negative

هامش
الشöعب: هو جبل مساحته تحتوي على أشجار العسق
العسق: شجرقوي ويشبه شجر القرض المستخدم كبودرة للأطفال حديثي الولادة من الالتهابات في الفخذين والدبر وحواشي ?لأعضاء التناسلية.
العطيف: معول حاد من الجهتين بساعد خشبي قوي ويحمله كل راعي غنم ومسافر وحطابات.

تلام: حرث
العقب: طيور جميلة ملونة وتطير بارتفاعات عالية ويصطادها من لديه إمكانية الاصطياد لأن لحمها ألذ بكثير من الدجاج البلدي وكنت أحسد صياديها حد الغضب.
البرك: حوض مائي يعتمد امتلاؤه على المطر والسيول وتبقى مياهه راكدة ولهذا تتربى فيه طفيليات كثيرة منها البلهارسيا التي كافحتها بالعلاج فترة طويلة وبعد التخلص منها شعرت بارتياح كبير وتورد وجهي وازداد إشراقا واحمر طبعا مش اليوم. أقصد تلك الأيام.
نعتر: نحك أجسامنا في الصخور والشجر والحيطان لتخفيف الألم.
صليط: ??? الترتر وتسمى شجرة الترتر .بـ(التبشع) في منطقتنا .
البوق: أو الأبواق يظهر بالنادر في بعض شجر الصبار الكبيرة وشكله عند قطفه شبيه بالخيار الكبير لكنه أجوف نقوم بنقعه في الماء لفترة قصيرة ويتحول إلى ما يشبه البالون ?لصغير السميك. أو جلود الرق.

قد يعجبك ايضا