الخوف من الوصمة يمنع المدمن من التوجه إلى العلاج

■ تحقيق / رجاء عاطف –
مستشفى الأمل: نستقبل شهرياٍ من 10 – 15 حالة إدمان.. والعدد في تزايد
الصحة:
لازلنا غير قادرين على تشغيل المصحات النفسية ولا يوجد مركز أو كادر متخصص لعلاج الإدمان
أطباء:
مراكز الأمراض النفسية تقدم خدمات ضعيفة لعلاج الإدمان.. وأدوية غير متوفرة

إدمان المخدرات مشكلة العصر وآفة خطيرة تهدد صحة وأرواح الكثير من شبابنا.. ظاهرة تفاقمت في الآونة الأخيرة وأصبحت مرتبطة بمشاكل عديدة تهدد أمن وسلامة الأسرة والمجتمع.. حيث صار الإدمان حالة مرضية منتشرة في أوساط الشباب ويرى كثيرون أنه لا يمكن معالجته والسبب -كما يقولون- يعود إلى عدم التوعية وأن بلادنا تفتقر إلى وجود مركز متخصص لعلاج الإدمان.. الجهات المعنية لم تْعر الأمر أدنى اهتمام منذ وقت طويل فلا مركز وطني لعلاج الإدمان ولا حتى صندقة دوائية تذكر..

هناك من يرى أن الإدمان يقع ضمن دائرة العيب الاجتماعي ويصر كثيرون على عدم مواجهة المجتمع بسبب الوصمة التي تلاحق فتحل الكارثة على الجميع ويحدث ما لا يحمد عقباه ويساهم غياب الوعي في تفاقم المشكلة حيث يرفض الأهالي عرض أبنائهم المدمنين على أطباء لعلاجهم بحجة أنه لا علاج للإدمان في اليمن وأن المدمن سيقضي بقية حياته دون علاج.
(أ. أ) عمره لا يتجاوز العشرين عاما كانت بداية قصته باستخدام نوع من الكبسولات المسببة للإدمان وبالتدريج زاد في تناول هذه الأقراص إلى أن وصل به الحال لاستخدام شريط كامل في اليوم الواحد مما أرهقه ذلك وزاد من سوء حالته وكلما أراد التخلص من هذا الإدمان يجد نفسه فريسة تلك الكبسولات مجددا ورغم المشكلة إلا أنه يقنع نفسه بأنه لا علاج للإدمان وأن حياته ستظل رهينة تلك الأقراص.
غياب الوعي
وأما (س. ص) أحد الأشخاص المدمنين على شرب الكحول وبسبب عدم الوعي لدى أسرته قاموا باحتجازه لمنعه من التعاطي عندما اكتشفوا أنه يتعاطاه بشكل يومي وبكمية كبيرة جدا حيث مكث محتجزاٍ في المنزل أسبوعا كاملا وذكر لنا الطبيب المعالج لحالته أنه تم استدعاؤه لمعالجته لكن كان الوقت متأخراٍ لأن حالته تدهورت وبدأ يدخل بنوبات صرع ثم الغيبوبة.. ولم يتمكن الطبيب من علاجه لينتهي الحال بوفاته, ويعيد الطبيب المعالج تدهور الحالة إلى عدم وعي الأهل بأن احتجازه سوف يفاقم من حالته واعتقادهم أن ما قاموا به سيخفف من إدمانه.
فيما يقول محمد العريقي – مندوب إحدى شركات الأدوية: تصادفنا العديد من حالات الإدمان وهناك من يسعون للعلاج ولكن لا يوجد مراكز متخصصة في اليمن والذي نأمل أن يتم افتتاح المركز الوطني لعلاج الإدمان في مستشفى الأمل فهو فعلاٍ أمل كل مدمن.
وتوافقه الرأي حنان الماخذي -طالبة بكلية الطب- التي أضافت: لم نسمع بأن في اليمن مركزاٍ مختصاٍ بعلاج الإدمان وأن أكثر المراكز المتواجدة متخصصة بالأمراض النفسية أكثر من الإدمان وقالت: بسبب قلة الوعي في المجتمع هناك حالات كثيرة وإن أرادت العلاج لا تستطيع بسبب التكلفة التي قد يتطلبها علاج الإدمان إلى جانب الخوف وثقافة العيب التي لازالت موجودة في مجتمعنا مما يضطر المدمن للاختباء والتخفي ولا يظهر إلا في حالة حدوث جريمة ومن ثم يقال أن لديه حالة نفسية أو إدمان.
متمنية أن تكون هناك مراكز متخصصة لعلاج الإدمان وتنصح الماخذي كل مدمن أو من وجد نفسه عرضة للإدمان بالذهاب إلى أي مستشفى للعلاج قبل فوات الأوان.

عدم توفر الأدوية
الدكتور محمد الأشول استشاري أمراض نفسية وإدمان بمستشفى الأمل يقول: الإدمان بكل أنواعه وفئاته يحتاج إلى علاج وهو تخصص فرعي من الأمراض النفسية لكن مازالت الخدمة ضعيفة سواء من ناحية المراكز أو الكادر المتخصص الذي يعمل في الأمراض النفسية وقال بالنسبة للإدمان فطالبو العلاج منه قليلون جداٍ كما أنه لا يوجد مركز أو كادر متخصص لعلاج الإدمان أو التخصصات الفرعية وأضاف أن بلادنا تعاني من عدم توفر بعض الأدوية اللازمة لعلاج الإدمان مما نضطر لاستخدام الوسائل الموجودة والمتوفرة في اليمن وإلى اللحظة لا يوجد مركز متابعة وإحصاء لعدد المدمنين أو جهة معينة تهتم بمشاكل الإدمان.
وأوضح الأشول أن نسبة حالات الإدمان التي تأتي إلى مستشفى الأمل ما بين 10- 15 حالة شهرياٍ في الوقت الذي لم يفتح فيه المركز حتى اليوم وأكد أنه بعد الافتتاح سيكون هناك إحصاء طبي وبالتالي تحديد مختلف أنواع المواد التي يستخدمها المدمنون سواء ذكوراٍ أو إناثاٍ وكذا المحافظات التي تأتي منها الحالات ونوه بأنهم على وشك الانتهاء من البناء وسيبدأ العمل فيه خلال العام المقبل.

نظرة المجتمع
وأضاف الدكتور الأشول: إن عملية التأهيل مكلفة جداٍ في حال قد يكون لدى المريض رغبة في العلاج وهذه من المشاكل التي يواجهها مركز الإدمان وليس التخلص من المادة.
وأكد أن من بين الصعوبات التي تواجه علاج الإدمان منع المريض من العودة إلى الإدمان لأن هذا يتطلب إعادة تأهيله وإدماجه في الحياة وهذا يتطلب جهداٍ ليس فقط من الطبيب والمركز بل والأسرة والمجتمع ولفت إلى دور الجمعيات الخيرية والقطاع الخاص والدولة لمساعدتهم بأن تتولى عمل مراكز خاصة وترفيهية وتأهيلية وتوعوية وتنشر الثقافة بينهم.
ويرجع الأشول القصور الحاصل في علاج المدمنيين إلى الأسرة التي تتجنب عرض المريض على الطبيب بسبب الوصمة أو خوفا من أن يصنف في المجتمع بالمدمن وغير السوي وقال للأسف نظرتهم للإدمان أنه عصيان وليس مرضاٍ قد يخضع الشخص للعلاج منه ويتحسن كما يجهل البعض أنهم مدمنون ويجهلون أيضا مكان العلاج.

أهمية التنسيق
ودعا الجهات الحكومية للاهتمام أكثر بحال المدمنيين وقال: حتى وإن كان عدد المدمنين قليل إلا أنهم سيؤثرون على الأسرة والمجتمع وقد يساهم ذلك في انتشار الإدمان إلى آخرين وطالب باستراتيجية واضحة وتأسيس مركز وطني لعلاج ومكافحة الإدمان يتولى وضع السياسات العامة من ناحية عمل العيادات النفسية والإدمان وتأهيل الكادر المتخصص إلى جانب عمل الدراسات والإحصائيات والمسوح لتحديد حجم مشكلة الإدمان في اليمن إلى جانب تبني برامج التوعية والإرشاد والتثقيف بالنسبة للمجتمع والأسر من أجل تخفيف وصمة العار ووصمة تجنب العلاج. وتابع: لابد من التنسيق مع الجهات الأمنية وتحسين التواصل من أجل علاج الحالات المتعاطية التي ليس عليها قضايا جنائية وأيضا نتمنى تبني سياسة العلاج والخدمات المجانية لعلاج المدمنين وتحسين إجراءات الرقابة المتتابعة من ناحية المواد التي لها تأثير إدماني وتوسيع الخدمة لتشمل الكثير وأيضاٍ تمتد إلى بقية المحافظات.

غير قادرين على التشغيل
من جانبه أكد الدكتور ناصر باعوم نائب وزير الصحة والسكان: عدم قدرة الوزارة على تشغيل مصحات نفسية لمواجهة المشكلة كما قال: لا يوجد لدينا مركز متخصص في علاج الإدمان ولا كادر مؤهل لأننا نجد صعوبة في إيجاد الموارد المالية والنفقات التشغيلية اللازمة لذلك.
موضحا بأن الإخوة في مركز الأمل للأمراض النفسية بدأوا بإنشاء مركز للتعامل مع الإدمان لازال في مراحله الأولى بعد أن كان هنالك مركز مصغر بسيط في السجن المركزي. ولفت باعوام إلى أن موضوع الإدمان لازال يعاني من الازدواجية بين وزارة الصحة ووزارة الداخلية ووزارة الشئون الاجتماعية والعمل ومرافق كثيرة ويتطلب الأمر تعاوناٍ من المعنيين وتكثيف الجهود فيما بين هذه الجهات ليصبح هذا المركز نموذجياٍ لنستطيع بعد ذلك أن ننشئ فروعا في الأماكن الأخرى خاصة في بعض المحافظات الرئيسية.
وبين نائب وزير الصحة أن مراكز إعادة التأهيل مكلفة وبحاجة إلى خبرات وكفاءات وهذا يتطلب تأهيل كادر متخصص وقد بدأت الوزارة بتأهيل كادر متخصص لكنه يشترط لنجاح ذلك اعتماد الموازنات التشغيلية اللازمة لتسهيل هذا الأمر وقال: هناك خطة موجودة لبناء المركز الخاص بالإدمان وهو يختص بالجوانب النفسية للأطفال دون سن السابعة عشرة وتم اعتماده في موازنة 2015م للمجلس المحلي لأمانة العاصمة لكن ما يعيق تنفيذه هو أن الموارد محدودة سواء لتأهيل الكادر أو لتوفير المعدات والأدوية أو الأدوية الخاصة بإعادة التأهيل لأنها مكلفة جداٍ غير أن الدكتور باعوم: يشكك في إنجاز مركز معالجة الإدمان حتى في الموازنة الخاصة بعام 2015م وقال: لا نتوقع إنجازه قريبا إلا إذا استقرت الأمور وهدأت النفوس وترك السياسيين المهنيين والفنيين يؤدون مهامهم وبدأت الموارد تحصل بشكلها الصحيح وتم ترشيد الإنفاق.
مشيراٍ إلى أهمية اتخاذ إجراءات وقائية بدءاٍ من حرس الحدود في القوات المسلحة وأجهزة الضبط القضائي والنيابات والهيئة العليا للأدوية والسلطات المحلية بالمحافظات والمديريات وإحكام الرقابة على الصيدليات وعلى الحدود والمنافذ البحرية والجوية التي يتم منه تهريب هذه الحبوب المخدرة وأصبح شبابنا يدمنون عليها وأن تتخذ الإجراءات والعقوبات الرادعة لمحاصرة الظاهرة على المستوى المحلي.