مواجهة استنزاف الموارد العامة!!


الاقتصاد لا يعمل في معزل عن منظومة المجتمع ولهذا لن يكون هناك اقتصاد بدون فرض سيادة الدولة وهذه هي المهمة الرئيسية التي ينبغي على الحكومة المزمع تشكيلها التركيز عليها قبل مواجهة الملفات والمهام الأخرى وعلى رأسها معيشة المواطنين.
وهنا تأتي المهمة الأخرى المتمثلة بالحد من استنزاف الموارد العامة والبحث عن توسيع الهيكل الإيرادي للاقتصاد بما يؤدي إلى تقليص فجوة الفقر والبطالة المتسارعة بالاتساع نتيجة الاضطرابات وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والذي ينذر بخطورة تهدد المجتمع في حال الإهمال لما يحدث من ترد اقتصادي وتنموي كبير.
ويرى خبراء ومسؤولون في الشأن الاقتصادي تحدثوا لـ”الثورة” أن الحكومة القادمة أمامها مهام جسيمة متعددة لإعادة النظر في المساعدات الخارجية وإعادة توجيه النفقات والمشروعات بما يحقق دفعة إيجابية لعملية النمو والتنمية.

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالودود شرف مسؤول الدراسات الاقتصادية بوزارة التخطيط أن على الحكومة الجديدة إعادة النظر في المساعدات الخارجية وفي الآليات المتبعة في إدارة المتاح من تعهدات المانحين وإعادة تخصيصها بما يحقق دفعة إيجابية لعملية النمو والتنمية.
وبحسب الزبيري فإن إعادة توجيهها إلى تلك المشروعات التي تحقق إضافات إيجابية للناتج المحلي وتسهم بفعالية في تشغيل القوى العاملة وفي رفع كفاءاتهم بما يحقق مستويات متقدمة من معيشة المجتمع ويحرره من العوز والجوع وتوجيهها إلى القطاعات الإنتاجية الزراعة والأسماك والصناعات التحويلية التي تضيف إلى الإنتاج وتحقق فائضاٍ في الناتج وتسهم في عملية التنمية.
ويرى أن على الحكومة الجديدة الابتعاد عن استنزاف الموارد العامة في عقد المؤتمرات وورش العمل والندوات التي لا تجدي ولا تنفع المجتمع بشيء باستثناء أولئك القائمين على هذه الفعاليات والمنظمين والداعمين أيضاٍ وعلى حساب المجتمع.
وأن تعيد النظر في برامج الإنفاق العام وخاصة النفقات الجارية التي تعتبرها الحكومات السابقة حتميات لا يمكن المساس بها وباعتبار معظمها مرتبات للموظفين وباسم الموظفين البسطاء يتم نهب الكثير من النفقات.
استقرار
توفر الأمن والاستقرار السياسي من المقومات الرئيسية لبيئة الأعمال الاقتصادية على وجه الخصوص فبدون الأمن والاستقرار لا يمكن أن تعمل أو تنجز أي عمل أو تسعى إلى تحقيق أي هدف حتى على المستوى الشخصي فما بالك بالأهداف والطموحات العامة والتي تهم المجتمع من خلال تبني مشروعات اقتصادية إنتاجية وخدمية توجه الكثير من الاستثمارات لتوفر متطلبات المجتمع من السلع والخدمات الاستهلاكية المباشرة والوسيطة لأداء العمل.
ويقول الدكتور الزبيري أن هناك الكثير من الاختلالات الهيكلية في البناء الاقتصادي للدولة فالإنتاج وتوليد الدخل والناتج المحلي والصادرات يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز التي تصل إلى حوالي 80% تقريباٍ من الإيرادات الحكومية وما نسبته 95% من الصادرات اليمنية وما ترتب على تراجعها بشكل كبير نسبياٍ نتيجة للتفجيرات المتتابعة لأنابيب النفط والغاز.
ويرى أهمية تجنب سلبيات الحكومة السابقة ومختلف الحكومات التي عملت في مراحل مختلفة والعمل على حسم الكثير من القضايا للحفاظ على هيبة وسيادة الدولة والحفاظ على الممتلكات العامة لأن هناك تفاقماٍ في عجز الموازنة العامة التي تجاوز الحدود الآمنة وتجاوز الدين العام أيضاٍ الحدود الآمنة والمتعارف عليها في القوانين المالية والاقتصادية.
منظومة
الاقتصاد لا يعمل في معزل عن منظومة المجتمع بمكوناته الاجتماعية والسياسية والأمنية فهو يتأثر ويؤثر فيها أيضاٍ حيث تتداخل العلاقات فيما بينها.
ويرى الدكتور صلاح الشوكاني الباحث الاقتصادي في المركز الوطني للتنمية والإدارة الحديثة ” أن البيئة العامة ما زالت غير مستقرة والأمور أو القضايا السياسية ما زالت في ضبابية ولم يتم الإفصاح عنها بالشكل الذي يعكس قناعات عامة يجمع عليها جميع الفرقاء والقوى السياسية والمجتمعية الشريكة في مسئولية الخروج بالمجتمع إلى بر الأمان”.
ويقول إن الاقتصاد لا يمكن أن يعمل في بيئات افتراضية أو في فضاءات التكنولوجيا الرقمية ويتوقع منه أن يحقق منجزات لأن الاقتصاد يعمل في بيئات مادية ملموسة تتداخل فيها الجوانب التنظيمية والمؤسسية والتشريعية والسياسية المستقرة ويعمل في أطر واقعية توفر له على الأقل الحد الأدنى من الأمن والاستقرار والوعود الرسمية التي توفر له بيئة داعمة ليعمل باطراد وهو ما نفتقده بالشكل الحيوي الذي يثق به قطاع الأعمال.
ويشير إلى أن الاضطرابات السياسية والأمنية تؤثر سلباٍ وبشكل كبير في النمو الاقتصادي الكلي ومدخلاته القطاعية المختلفة فضلاٍ عن تداعياتها على الجوانب الاجتماعية وتفاقم مشكلات الفقر والبطالة وسوء التغذية الذي طالت تقريباٍ نصف السكان بحسب بعض التقارير والبعض الآخر وصل إلى حوالي 36% من سكان اليمن عام 2012 وهذه الأرقام تنذر بخطورتها في حالة استمرار تدهورها على المجتمع وتفاقم أزماته المختلفة.
ويطالب الحكومة القادمة بتوفير بيئة مناسبة لعملها أولا كفريق متجانس يهمه مصلحة بلده في المقام الأول ومن ثم العمل على برنامج شامل واقعي يستهدف ترشيد الإنفاق وإعادة توجيه الموارد العامة والحد من الفساد والاهتمام بمشاريع مكافحة الفقر والبطالة.
خطوات عاجلة
إذا تم إصلاح المسار السياسي “كما يقول الشوكاني” ستنعكس إيجابيا على الوضع الاقتصادي حيث لابد من اتخاذ خطوات إصلاحية عاجلة ولا تتطلب التأخير بالذات فيما يتعلق بالموارد المالية للدولة ومحاصرة العجز المالي للموازنة العامة وهذا يتطلب تنفيذ برنامج إصلاحات اقتصادية شاملة وبصورة عادلة لا تضر بالمواطن ولا تهدر حقوق الدولة في مواردها الضائعة التي يذهب جزء كبير منها للفساد والمفسدين.
ويشدد على إصلاح نظام الخدمة المدنية وإزالة المزدوجين والوهميين من كشوفات الراتب وهذه ستوفر للدولة مليارات الريالات يمكن استخدامها في تحقيق التنمية الاقتصادية وتحسين مؤشراتها .
ويؤكد ضرورة العمل في نفس الوقت على تعزيز النمو الاقتصادي ومواجهة المشكلات الاجتماعية في خفض معدلات البطالة والفقر في المجتمع وتوفير خدمات البنية التحتية وأهمها الطاقة والكهرباء والنقل وغيرها والتي تساعد على اتخاذ قرارات الاستثمار وتوفير بيئة عمل ناجحة لتطوير الاقتصاد.
ويلفت إلى أن المستثمر الخاص إذا افتقد إلى المقومات وعوامل الجذب الاستثمارية المشجعة على اتخاذ قرار الاستثمار لن يقدم على اتخاذ قرار الاستثمار في بيئة هشة وغير مستقرة ولا يمكنه المغامرة في توجيه استثماراته وأمواله للتطوير والتجديد والابتكار لإيجاد بدائل للعمل تمكنه من تحقيق كفاءة الاستثمار المؤثر في التنمية الاقتصادية.

قد يعجبك ايضا