الأخوة الإيمانية

ليس من الفطرة أن يعيش الناس على هذا الكوكب في تشتت و تمزق ولا من العقل والمنطق أن يتنافر البشر ويتناطحوا و قد أوجدهم الله تعالى من مصدر واحد وأصل واحد خلقهم جميعا من آدم و حواء أبيضهم و أسودهم عربيهم وعجميهم سيدهم و مسودهم غنيهم و فقيرهم بل إن أشد ما يتنافى مع الفطرة و يتعارض مع العقل أن يوحد الله عباده في المنشأ و المصدر ثم يتفرقون في المرجع و المصير .و لأجل هذا اتخذ الإسلام كل أساس و قاعدة تحمي هذا الكيان من الانشقاق و التصدع و تمكنه من أداء مهمته على الوجه الأمثل و من بين تلك القواعد : ((الإخاء)) الذي أمحى أمامه جميع فوارق أفراد هذا الكيان و امتيازاتهم من نسب عريق و مال غفير و جاه عريض و كل ما درج الناس على اعتباره مميزا بعضهم عن بعض قال تعالى :(إنما المؤمنون إخوة) فهذه آية من القرآن لا تكاد تجد مسلماٍ لا يحفظها ولا تكاد تجـد داعيـة إلى الإسلام يغفل ـ في الكلام أو الكتابة ـ عنها حتى لتظن أنها باتت من البداهة المسلمات التي لا تقبل عند المسلمين جدلاٍ.وتتلفت من حولك في مجتمعات المسلمين حيث كانوا وتشهد تقطع أواصرهم واختلاف وجوههم وتعدد خصوماتهم وانحلال ذات بينهم فلا تملك إلا أن تسأل نفسك: أين هي أخوة الإسلام¿!
إن الأساس الأول الذي شاد عليه الإسلام بناءه الاجتماعي هو الأخوة بين أفراده جميعا.. فمن الطبيعي وهو مجتمع يقوم على عقيدة تجمع بين ابنائه أن يجعل منها رابطة قوية تشد كل المسلمين وتؤلف بين قلوبهم فالمسلم أخو المسلم يجب عليه احترامه وعدم احتقاره ويجب عليه إنصافه وإعطاؤه حقه من كل الوجوه التي شرعها الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن مرآة أخيه المؤمن فأنت يا أخي مرآة أخيك وأنت لبنة من البناء الذي قام عليه بنيان الأخوة الإيمانية فاتق الله في حق أخيك واعرف حقه وعامله بالحق والنصح والصدق وعليك أن تأخذ الإسلام كله ولا تأخذ جانبا دون جانب لا تأخذ العقيدة وتدع الأحكام والأعمال ولا تأخذ الأعمال والأحكام وتدع العقيدة بل خذ الإسلام كله خذه عقيدة وعملا وعبادة وجهادا واجتماعا وسياسة واقتصادا وغير ذلك خذه من كل الوجوه كما قال سبحانه: “يِا أِيْهِا الِذينِ آمِنْوا ادúخْلْوا في السلúم كِافِةٍ وِلا تِتِبعْوا خْطْوِات الشِيúطِان إنِهْ لِكْمú عِدْوَ مْبينَ “
قال جماعة من السلف: معنى ذلك: ادخلوا في السلم جميعه يعني: في الإسلام يقال للإسلام: سلمº لأنه طريق السلامة وطريق النجاة في الدنيا والآخرة فهو سلم وإسلام فالإسلام يدعو إلى السلم يدعو إلى حقن الدماء بما شرع من الحدود والقصاص فهو سلم وإسلام وأمن وإيمانº ولهذا قال جل وعلا: ادúخْلْوا في السلúم كِافِةٍ أي: ادخلوا في جميع شعب الإيمان لا تأخذوا بعضا وتدعوا بعضا عليكم أن تأخذوا بالإسلام كله وِلا تِتِبعْوا خْطْوِات الشِيúطِان يعني: المعاصي التي حرمها الله عز وجل فإن الشيطان يدعو إلى المعاصي وإلى ترك دين الله كله فهو أعدى عدوº ولهذا يجب على المسلم أن يتمسك بالإسلام كله وأن يدين بالإسلام كله وأن يعتصم بحبل الله عز وجل وأن يحذر أسباب الفرقة والاختلاف في جميع الأحوال فعليك أن تحكم شرع الله في العبادات وفي المعاملات وفي النكاح والطلاق وفي النفقات وفي الرضاع وفي السلم والحرب ومع العدو والصديق وفي الجنايات وفي كل شيء
والمؤمن يصبر محتسبا لما يجده من إخوانه من جفاء و غلظة و يتحمل كل ما يلقاه منهم من إساءة و أذى قولي أو فعلي حفاظا على الأخوة و حرصا على بقائها و استمرارها فلو ذهب ينتقم من كل من أساء إليه ويدفع سيئته بمثلها ربما لا ينتهي الدور خصوصا إذا كان المنتقم أضعف من المنتقم منه و لا أحد يعينه على قضاء وطره منه فيصبح الناس في دوامة العنف و البطش و هذا أشد خطورة من مصلحة الانتقام. قال تعالى عن هذا :”و لا تستوي الحسنة و لا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه و لي حميم و ما يلقاها إلا الذين صبروا و ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم”
لذا لابد من توطين نفوسنا على السعي في تقوية وتمتين إخوتنا الإيمانية و تماسكنا الاجتماعي بالحب والمودة حتى نصير كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في استعارة جميلة شبه فيها المسلمين في تماسكهم وتعاونهم كالبنيان فقال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” فكل لبنة في البناء تنجذب نحو أختها لتلتصق بها وأختها تفعل نفس الشيء فإذا هو تجاذب متبادل بين جميع الأطراف المتجاورة وإذا نحن أمام قوة واحدة كبيرة تجمعت من إمدادات قوى اللبنات هذا هو الوضع الطبيعي للمجتمع السليم كما هو في الإشارة النبوية. 
ولا يمكن أن يحصل انجذاب أو تجاذب من كل الأطراف إلا بالمحبة والتسامح والمودة المذكورة في الحديث النبوي الشريف “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”. ف سلاح الأمم في بناء مجدها وإثبات وجودها وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار بها وتحقيق أهدافها الحاضرة والمستقبلة هو سلاح الأخوة الإيمانية والائتلاف والاتحاد والتعاون والوفاق وترك النزاع والتمزق والانقسام والتناحر والتشرذم جانباٍ. وقد أمر الله جل شأنه بالتمسك والاعتصام بحبله وبالتعاون على الخير وأوصى به وحذر من الفرقة والتمزق وأثنى على وحدة الأمة وندد باختلافها قال تعالى: “وِاعúتِصمْواú بحِبúل الله جِميعٍا وِلاِ تِفِرِقْواú” وقال تعالى: “وِتِعِاوِنْواú عِلِى الúبر وِالتِقúوِى وِلاِ تِعِاوِنْواú عِلِى الإثúم وِالúعْدúوِان
هي دعوة أجددها لكل القوى السياسية بعد أن أنهوا مؤتمر الحوار الوطني بأن عليكم ان تسعوا جميعاٍ مخلصي النية لبناء اليمن والحفاظ على وحدته ومكتسباته وانجازاته عليكم بصفاء النفوس والتآخي ونبذ كل أشكال العنصرية والطائفية والمذهبية المقيتة . وإياكم والاختلاف والفرقة فإنهما يهلكان الأمم ويأكلان الأخلاق كما تأكل النار الحطب: “وِمِا اخúتِلِفúتْمú فيه من شِيúءُ فِحْكúمْهْ إلِى اللِه ذِلكْمْ اللِهْ رِبي عِلِيúه تِوِكِلúتْ وِإلِيúه أْنيبْ” 

قد يعجبك ايضا