الدُّريهمي.. ثباتٌ حتَّى النَّصر (3)

رويدا البعداني

 

 

سعادةٌ عارمةٌ تخلَّلت منازل هذه المدينة الماجدة، تعالت أصوات البهجة واستطارَ الأمل مغردا أرجاء المعمورة، استعبر معظم سُكان الدُّريهمي وفاضت أعينهم بالدمع؛ فرحًا وجذلًا بهذا الإمداد المعنوي الذي شحذ من همتهم، وعزّز من صمودهم الذي سيظل أبدي التَّألق على كرّ الدّهور.
مرَّت شهور عجاف، وأشهرَ الجوع حُسامه في أرض الدُّريهمي، وتحت وطأة هذه الحالة الملدهمة حدث ما يُسمى “اتفاق السويد” نظرًا لما آلت إليه الدَّريهمي من مغبة الحصار والقصف المستمر الذي أهلك المدينة، ولكن مرتزقة العدوان كعادتهم خرقوا الاتفاق _ وعادت حليمة إلى عادتها القديمة_ بينما قنواتهم المارجة لم تنبس ببنت شفة حيال هذه الخروقات، ورغم تعرية تلك الهدنة المزعومة من قبل الإعلام الحربي لم تتحرك هيئة الأمم المتحدة قيد أنملة.
كذلك كان حالها حينما ولجت المدينة خط الجوع، وبلغت المعاناة ذروتها، أما عن قوافلهم الهُلامية فهي الزَّيف عينه، قوافل فاسدة لا تصلح حتّى للبهائم، وقد تم تصوير هذه القوافل وتجلت ماهيتها، ولكن إعلامهم المنحط ما فتئ يزاول مهنته في شنَّ الأكاذيب وتزوير الحقائق حسب رغباتهم ومآربهم.
واستمرت الخروقات من قبل العدو ومرتزقته على المدينة، تكتلت الكتائب من جهة، وزحف العدو بمجاميع كُبرى مدججة بأعتى الأسلحة من جهة أخرى، بينما المجاهدون يقل عددهم وتنفد ذخيرتهم عدا أن إيمانهم بالله لم ينضب أبدًا، والمشاهد كفيلة بأن تتحدث، ولعلَّ حادثة الغبار التي غيَّرت سير المعركة تبرهن على معية الله لهم، فمن كان ليصدق أن تأتي كومة غبار في لحظة حاسمة كاد فيها المجاهدون يلفظون أنفاسهم الأخيرة، فتقلب زمام المعركة ويفرُ العدو تاركًا وراءه ما رخص حياته لأجله.
إرهاصات إلهية مهَّدت للنَّصر في مدينة الدَّريهمي، فحيناً تتجلى في حجب الرؤية لدى العدوى كما حدث حينما حلقت أول طائرة حربية يمنية حاملة على متنها مواد غذائية للمجاهدين والسكان، وحيناً آخر في ساحات الوغى حينما تجد فئة قليلة مستنيرة بهدى الله تغلب فئة كبيرة مستمدة قوتها من أعداء الله….وتبقى ملحمة الدريهمي أجل من أن تكتنفها ذاكرة، أو يسجلها يراع.

قد يعجبك ايضا