شيرين أبو عاقلة.. رصاصة مرتدة

أدهم أبو شوقة

 

لا يصلح حالهم أو تستقيم فطرتهم دون سفك الدماء وكسر القوانين والأعراف، درجوا على هذا النهج منذ أن وطأت أقدامهم هذه الأرض قبل ٧٤ سنة، ذاق فيها الشعب الفلسطيني كل ألوان العذاب ولا يزال، ٧٤ سنة شاهدة على سجلهم الدموي الحافل بحق الأبرياء.
اختلطت مشاعر الحزن بالغضب والذهول معاً، عند سماع نبأ استشهاد مراسلة الجزيرة، الصحفية «شيرين أبو عاقلة» والتي لم تشفع لها مهنة الصحافة ولا الخوذة والدرع.
كعادتهم سارعوا لنفي التهمة وتحميل الطرف الفلسطيني مسؤولية الجرم، إذ صرح بذلك المتحدث باسم الجيش رون كوخاف بالقول: «تقديراتنا بأن الصحفية شيرين أبو عاقلة قُتلت بنيران فلسطينية، أعتقد بأننا لم نقتلها». الأمر الذي تراجع عنه الجيش لاحقاً من خلال رئيس أركانه «أفيف كوخافي» والإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على ملابسات الحدث كما أعرب عن حزنه لوفاة الصحفية.
الطوق الملائكي الذي حط على رأس كوخافي له أسبابه بكل تأكيد، لأن من يقود هذه الآلة الحربية لقتل الأطفال والنساء لن يرف له جفن لمقتل فلسطينية، ولكن رد الفعل الأمريكي لمقتل أبو عاقلة «حاملة الجنسية الأمريكية» كان مقلقاً لإسرائيل، إذ علقت الخارجية الأمريكية على الحادث بلهجة تصعيدية: «إنفطرت قلوبنا على مقتل الصحفية الأمريكية شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية، وندينها بشدة. يجب أن يكون التحقيق فوريًا وشاملًا، ويجب محاسبة المسؤولين، وفاتها هي انتهاك لحرية الإعلام».
هذه اللهجة الأمريكية وضعت إسرائيل على المحك، ففي هذا الوقت وقبل عام تحديدا أقدمت قوات الاحتلال على استهداف مكاتب قناتي الجزيرة وأسوشيتد برس الأمريكية بقصفها لبرج الجلاء، ما أثار حفيظة الأمريكان ودفعهم لمطالبة إسرائيل بتقديم مبررات واضحة، حيث توترت العلاقات بين الطرفين خلال تلك الفترة على خلفية تدمير البرج، فيما تطور الأمر لاحقاً لحرج دولياً أمام العالم كله، لم تستطع إسرائيل تبريره، بل انعكس عليها كالهدف المرتد في مرماها على حد وصف الجنرال نيتسان ألون الذي أشار أيضاً إلى أن الضرر العائد عليهم من استهداف البرج هو أكبر بكثير من منفعة تدميره بالنسبة لهم.
سلطات الاحتلال عرضت على السلطة الفلسطينية الانضمام إلى عملية التحقيق الجارية بالإضافة إلى وفد أمريكي مشارك، رغم الشكوك بدقة نتائج التحقيق التي ستصدرها اللجنة، وقدرتها على الفصل في الحدث، كون الرصاصة التي اخترقت جسد شيرين مشوهة ويصعب التعرف من خلالها على مصدر النيران، علاوة على رفض السلطة الفلسطينية تسليمها، ما يمنح إسرائيل مساحة جيدة للمناورة والتنكر لهذا الجرم.
تعكس هذه الجريمة حجم الانحطاط الإسرائيلي مُدعي النزاهة، والذي بث مقاطع لجنوده يتنقلون بين البيوت في مخيم جنين وهم يتعرضون لوابل من رصاصات المقاومة، كي يقول للعالم: هاهم جنودنا يتعرضون لإطلاق النار دون أن يطلقوا رصاصة واحدة.
وفي انتظار ما ستؤول إليه نتائج التحقيق، وتداعيات هذه الجريمة البشعة، يبقى الشاهد الوحيد، أن اقتحامات الجيش لمخيم جنين هي السبب الرئيسي في مقتل مراسلة الجزيرة دون أدنى شك.
فلا يُعرف حتى اللحظة كيف ستكون التداعيات الدولية والمحلية لهذا الأمر على إسرائيل، هل ستجتازه بسرعة وتكمل عمليتها العسكرية المخطط لها في مخيم جنين وشمال الضفة، أم يرتد عليها كهدف ذاتي في مرماها، ويعرقل مخططاتها.
استشهاد شيرين يضاف إلى سلسلة طويلة من جرائم هذا المحتل وبطشه، ورغم لعبه دور الضحية إلا أن لسان حاله يردد دوماً: أيها العالم أردت تذكيركم فقط بمن أكون.

قد يعجبك ايضا