بطلان القسمة لا يتجزأ

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين


القسمة عقد لازم لجميع الشركاء له أركان وشروط مثله، في ذلك مثل غيره من العقود، فإذا تخلف أي ركن أو شرط من شروط القسمة كانت القسمة باطلة كلها، ولو كان سبب البطلان راجعا إلى أحد المتقاسمين وحده، فالبطلان في هذه الحالة لا يتجزأ لأنه متعلق باركان عقد القسمة وشروطها، أما إذا كان سبب البطلان قد وقع بعد اتفاق الورثة الصحيح على القسمة فإن الأجراء المخالف هو الذي يكون باطلا وحده، فلا يؤثر ذلك البطلان على بقية إجراءات القسمة الأخرى – حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ21 / 10/ 2017م في الطعن رقم (59788)، الذي قضى في أسبابه ((حيث أن الحكم المطعون فيه قد اخطأ في تطبيق القانون حينما قضى برفض دعوى بطلان حكم التحكيم المتضمن قسمة التركة لعدم وجود تفويض من أحد الورثة، حيث قام الابن بالتوقيع نيابة عن والده في وثيقة اختيار المحكم لقسمة التركة، من غير وكالة أو تفويض له من والده الوارث، حيث ورد في أسباب الحكم المطعون فيه أن دعوى بطلان حكم المحكم المرفوعة من بعض الورثة غير مقبولة، لأن التحكيم قد صدر من جهة المحتكمين الطاعنين صحيحا لا غبار عليه، ولأن البطلان كان من جهة المدعى عليه بالبطلان لأنه وحده الذي لم يقم بتفويض المحكم القسام، والدائرة تجد أن هذا التسبيب يخالف القانون، فالقسمة في هذه الحالة باطلة، لأن البطلان قد تعلق بأركان وشروط القسمة، فالبطلان هنا لا يتجزأ ،كما أنه لا يصحح هذا البطلان صدور تفويض من الوارث لابنه، بعد صدور حكم التحكيم المتضمن القسمة)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: عقد القسمة والفرق بين الاتفاق والعقد
ينص القانون المدني في المادة (1200) أن (القسمة عقد لازم لجميع الشركاء فلا يجوز لاحدهم الرجوع فيه إلا برضاء سائر الشركاء أو بحكم القضاء). وبموجب هذا النص يظهر أن القسمة الرضائية عقد وليس اتفاق، ويفرق الفقه الإسلامي بين العقد والاتفاق عن طريق النظر إلى محل التصرف ،فالعقد في الفقه الإسلامي يكون محله تمليكاً أو يتضمن تمليكاً من أحد طرفيه إلى الآخر، سواء كان تمليك مال كالبيع أو تمليك منفعة كالإيجار، أو تمليك بضع كعقد الزواج، أما الاتفاق فلا يتضمن تمليكاً من أي من أطرافه كالاتفاق على إنشاء مؤسسة خيرية، أو قد يكون المتفقون في الاتفاق مملكين ومستملكين في وقت واحد مثل اتفاقية الشراكة ، وعند تطبيق هذا المفهوم على القسمة نجد أن القسمة عقد لازم لكل متقاسم حسبما سبق بيانه في نص المادة(1200)مدني حيث يتضمن تقرير التزامات جامعة على الورثة جميعا، مثل اختيار القسام والخبراء والعدول وتحديد طريقة الحصر والتثمين وتحرير الفصول وغيرها من إجراءات القسمة التي يتم التعاقد عليها في وثيقة عقد القسمة بين الورثة جميعا، ولأن القسمة عقد لازم فينبغي أن تتوفر في عقد القسمة كافة الأركان والشروط المقررة في العقد بصفة عامة ، ولأن وثيقة القسمة عقد لازم فإنه ينبغي أن يقوم الورثة بعد توقيع عقد القسمة أن بتنفيذ الالتزامات المقررة في عقد القسمة، حيث يجب على الورثة التوقيع على إجراءات القسمة اللاحقة للتوقيع على عقد القسمة، كاختيار العدول وكشوفات الحصر والتثمين وفرز وتعيين انصبة الورثة(الفصول) فعند تحرير الفصول يتحول المتقاسمون إلى مملكين ومستملكين حيث يقر كل وارث لبقية الورثة بالنصيب الذي آل آليه بمقتضى إجراءات القسمة، ولذلك اشترطت وزارة العدل ضمن الإجراءات التصحيحية الأخيرة الزام جميع الورثة بالتوقيع على الفصول والأمية الجامعة.
مع الاعتراف بأن العقد يشابه الاتفاقية في الفقه الإسلامي في كل جزئياتها، عدا المحل الذي يختلف إلى حد ما حسبما سبق بيانه، ومن جهته يفرق الفقه القانوني بين العقد والاتفاق حيث يذهب الفقه القانوني إلى أن العقد ملزم قانونًا بين طرفين أو أكثر، لكن الاتفاقية ليست دائمًا عقدًا، حيث لا تعتبر أية اتفاقية ملزمة قانونًا فتصبح عقدًا عند استيفاء ثلاثة شروط هي: الإيجاب والقبول ونية إنشاء علاقة عقدية يقرها القانون ،فإذا لم يتم استيفاء أي من هذه الشروط فيكون الاتفاق غير ملزم قانونًا ولا يمكن تنفيذه على الطرف الآخر، وبما أن الاتفاق يفرض التزامًا بفعل شيء ما أو الامتناع عن القيام بأشياء معينة إلا أن جميع الاتفاقات ليست عقودا، حيث يتكون العقد من التزامات وإقرارات ملزمة في حين يتضمن الاتفاق تفاهمات من شانها الترتيب لإبرام العقد ،فإذا لم تكن الاتفاقية ملزمة قانونا، إلا أن العقود تأتي إلى حيز الوجود من خلال الاتفاقات باعتبار الاتفاق سابقا على العقد وممهدا له، وإن لم يكن الاتفاق ملزمًا قانونًا ، فالاتفاق لا يمكن فرضه بموجب القانون،،في حين يذهب جانب من الفقه المعاصر إلى أنه ليس هناك فرق بين الاتفاق والعقد، لأنهما يتفقان في أركانهما وشروطهما وعناصرهما.

الوجه الثاني: نطاق عقد القسمة
يتناول عقد القسمة كل الورثة وإلا كان العقد باطلا، ويجب أن تتوفر في عقد القسمة كافة الشروط والأركان الواجب توفرها في العقد، ولذلك نجد أن الشرع والقانون يوجبا في عقد القسمة موافقة جميع الورثة وأهلية كل الورثة وحضور كل الورثة، كما يتحدد نطاق عقد القسمة فيشمل كل مفردات وموجودات القسمة سواء العقارات أو المنقولات أو الأشياء المعنوية، فنطاق الاتفاق على القسمة يشمل كل الورثة وكل مفردات وموجودات وعاء التركة.

الوجه الثالث: نطاق البطلان في القسمة
على أساس أن نطاق عقد القسمة قد توفرت فيه كامل الأركان والشروط المعتبرة قانونا في العقد ومنها رضاء وموافقة جميع الورثة، فطالما أن عقد القسمة قد شمل الورثة كلهم كوحدة واحدة، لذلك فإن بطلان عقد القسمة لا يتجزأ، فلا يستطيع بعض الورثة أن يتمسكوا بصحة عقد القسمة من جهتهم ولو كان عقد القسمة صحيحا بالفعل من جانبهم طالما أنه قد تخلف ركن أو شرط من شروط عقد القسمة من جهة وارث أو ورثة آخرين، ولو كان وارثا واحدا، فإن عقد القسمة يكون باطلا كله، فعقد القسمة يجب أن يكون صحيحا بالنسبة لجميع الورثة، فإذا تحقق سبب البطلان بالنسبة لبعضهم فإن عقد القسمة يكون باطلا بالنسبة لهم جميعا،ً لأن البطلان في هذه الحالة لا يتجزأ، غير أن البطلان إذا شاب بعض إجراءات القسمة اللاحقة لعقد القسمة كالحصر والتثمين وتحرير الفصول فإن البطلان في هذه الحالة لا يؤدي إلى بطلان القسمة كلها، فالبطلان هنا يتجزأ حيث ينحصر في الإجراء الباطل وحده دون غيره، كما يكون هذا البطلان الجزئي في هذه الحالة قابلاً للتصحيح والمعالجة اللاحقة له، في حين بكون البطلان المتعلق بعقد المتقاسمين وأركان وشروط اتفاق القسمة وأهلية المتقاسمين وصفاتهم يكون البطلان في هذه الأحوال غير قابل للإصلاح والتصحيح، لأن البطلان قد تعلق وأخل بأركان وشروط اتفاق القسمة منذ نشأته، مثلما قضى الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.
* الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا