رسول الله محراب كل روح وقبلة كل قلب

العلامة عباس إسماعيل إسحاق لـ”الثورة “: العدوان بدأ بحرب المفاهيم لتسهل عليه الأقاليم

 

 

يتحججون بالفقراء لمحاربة المولد، وهم من شنّوا عدوانهم على الفقراء وحاصروهم
نحن الآن في بداية “تمام النور” وستتجلى للعالم حقيقة سيدي رسول الله وقد انطلقت من بلد الأنصار “اليمن”.
النبي هو نموذج الفطرة التي أرادها الحق للخلق
رسول الله إمام كل من سبق ومن هو آت إلى قيام الساعة

للعارفين العاشقين معرفة خاصة برسول الله، فهم لا يرون إلا ما يراه عامة المؤمنين فقط، بل يتجاوزون الرؤية لشخصه وقدره ومهمته الجليلة والعظيمة في إخراج الناس من الضلال إلى الهدى، يتجاوزون هذه الرؤية إلى النظر لقدره عند الله تعالى، وإلى قدره في قلوبهم التي شغفت به حبا وولها، يتجلى ذلك بمذاقات “صوفية شفافة”، تنعكس على أخلاقهم، وتلوحُ في أنوار معارفهم.. وهنا نلتقى أحد أعلام الصوفية العارف بالله عباس إسماعيل إسحاق.. فإلى أفياء هذا الحوار الشيق:

الثورة /
صلاح محمد

*ومن هنا كان سؤالي الأول عن الرحمة في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؟
الحمد لله على رسول الله، والحمد لله على رحمة الله، والحمدُ لله على فضل الله، والحمدُ لله على نعمة الله، والحمد لله على “الحمد لله”.. سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو رحمة الله للعالمين، ومن أراد أن يعرف سيدي رسول الله لا بد أن ينطلق من هذا المفهوم في الآية القرآنية ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ « .. من هنا سيعرفُ حقيقة سيدي رسول الله ما فتح الله له بذلك، لأن حقيقته لا يمكن أن يصل إليها أيُّ عارف ولا أي متعلم، فعندما يعرف أن سيدي رسول الله هو رحمةُ العالمين، سيعرف أنه لا بد أن يكون أصل كل مخلوق، لأن الرحمة لا بد أن تسبق المخلوقات.. فسيدي رسول الله- لأن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين- لا بد أن يكون سابقا في الخلق، ليسبق من سيأتي من بعده، كون من سيأتي بعده إنما هو مرحوم به «صلى الله عليه وآله وسلم» .. فهو رحمة الله للخلق أجمعين بمن فيهم الملائكة.. إذاً لا يمكن أن يوجد أي مخلوق إلا وقد أوجدت رحمتُه.. كما أن الرحمة تقتضي أن تستمر مع من يأتي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
هذه صورة واحدة من صوره «صلى الله عليه وآله» لنعرفه من الرحمة.. وهو الحياة .. لماذا نقول أنه هو الحياة؟، لأن الله سبحانه وتعالى لم يرسل رسولاً أو يبعث نبياً ويخاطبه بقوله: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ « غير رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو تعالى يدعو أناساً يتصورون أنهم أحياء.. لكن الله لا يريد هذه الحياة «حياة الأبدان»، بل يريد حياة الأرواح، حياة المنهج، حياة الدعوة.. فسيدي رسول الله هو الحياة، وهو الداعي للحياة، وهو الذي يجسد فينا الحياة، وهو محراب كل روح، وقبلة كل قلب.
عمل اليهود وأذنابهم على تشويه حقيقة رسول الله، ونرى أنه حتى التاريخ والسير قد ظلمت الأمة بعدم تقديم شخصية رسول الله كما ينبغي أن يُقدَّم.. ما قولكم في هذا؟!
إن حربهم هذه التي أعلنوها والتي سخروا كل قدراتهم وكل طاقاتهم لها، لم يتمكنوا حق التمكن من تحقيق أرادوه وسعوا إليه عبر التاريخ من تغييب صورة رسول الإسلام عن المسلمين، لأن كثيرا ممن وهبهم اللهُ المعارف ظلوا منابر وقناديل يضيئون من نور سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ويمُدُّون الناس بكثير من الحقائق التي تتجلى معرفة تُنبِّهُ الناس بأن ما يصلهم من الآخرين عن رسول الله ليس هذا، ويقدمون للناس ما ينبغي أن يعرفوه عن رسول الله.
وقد اشتدت حربهم في الآونة الأخيرة بالمال العالمي والماسونية العالمية والوهابية والإخوان المسلمين، ظانين بأنهم سيطفئون هذا النور ولكن الله قد توعد بقوله:» يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ «.
فنحن الآن في تمام النور، نحن الآن في بداية تمام النور وستتجلى للعالم حقيقة سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وقد انطلقت من بلد الأنصار «اليمن»، من أصل الإنسانية «اليمن»، من البلدة الطيبة.
لطالما حاربونا على الاحتفاء بمولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن الآن وبعد انتصار ثورة 21 سبتمبر بقيادة «أنصار الله» عاد الزخم للاحتفاء بمولد رسول الله، وهذا يشكل حرباً أخرى عليهم.. فما مدى انتصار حركة العودة إلى رسول الله؟ -أو بمعنى أدق- ماذا تتوقعون لها في المستقبل؟
أنا أتوقع لها أن تثمر، لأن قائد المسيرة، قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي عندما جاء ونوى أن يبعث في هذه الأمة هذه القيم، وجدنا أن “اليمن” التَفَّتْ، وقامت على قدم وساق بإحياء هذه الفعاليات، وبهذا الاحياء فاليمنيون إنما لبوا ما بداخلهم من إيمان، في المقابل نرى الآخرين- أعداء هذا الشعب- أرادوا أن لا نتمثل القدوة، فعندما يغيبون عنك القدوة إذاً من تتمثل؟! ستتمثلُه هو.. إذاً هم أرادوا للأمة أن يُغيبوها عن المنهج وعن القدوة، وإذا ما غاب الإنسان عن المنهج والقدوة فلا حياة له ولا أصل له ولا دين له.
لكن منذ أن جاءت المسيرة القرآنية تَجد كل سنة الزخم يزداد، وتتألق وتزدهي كل الأماكن وكل المناظر ويلتف الناس، لأنه لا ينبغي لمن يريد أن يحتفي برسول الله أن يناقش… لأنه لا دليل إلى الله تعالى إلا النبي، فمن لمن يكن النبي دليله ودالهُ فقد بطلت دعواه.
أعداء الإسلام حين استهدفوا ضرب قدر رسول الله في قلوب المؤمنين ومحاربة تعظيم رسول الله.. هل يعتقدون من خلال ذلك أنه سيسهل عليهم السيطرة على ثروات المسلمين واحتلال أراضيهم؟
هم “يعرفونه كما يعرفون أبناءهم” ولذلك لا يريدون للمسلمين أن يعرفوا رسول الله كما أخبرنا الله تعالى بقوله: “وأعلموا أن فيكم رسول الله”… فحاولوا وسعوا بكل القدرات لمحاربتنا “حرب مفاهيم”، فهو- أي عدو الأمة- عندما يُضعفُك في لغتك، وعندما يُحوٍّل المنهج القرآني إلى أن يقتصر على التَّبرُّك به، وأن تتلوه فلا تتأمَّل ولا تتفكر ولا تقتفي أثره حيث يريدك بالأمر وحيث ينهاك عن النهي، يريدونك هنا أن تظل تتبرك بالقرآن فقط، فلا تكون تابعاً لهذا المنهج المحمدي وما جاء به من هدي في كتاب الله وفي أثره عليه أفضل الصلاة والسلام.
أرادوا هذا كله لأنه عندما تسهل عليهم المفاهيم، تسهل عليهم الأقاليم.. وأنت تُعرف أننا بحاجة إلى ثورة مفاهيم تبين للناس حقيقة أشياء كثيرة تتعلق بحياتنا وديننا.
أنت عندما تسأل أحدهم عن أركان الإسلام يجيبك بالمفهوم السائد.. بينما أنه لمعرفة وكذلك لإقامة أركان الإسلام لا بد من بناء، وبناءُ أركان الإسلام قائم على الجهاد؟، قال تعالى: « وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا «.. إن حركة الإنسان هي حركة جهادية.
إذاً كيف كان مولانا رسول الله مجاهداً؟
سيدي رسول الله لم يكن يخطو خطوة ولا يقول قولاً إلا بما شاء الحق سبحانهُ وتعالى. فأين نأتي من جهاده، وأين تأتي من قول الحق سبحانه وتعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ» «الأنفال 65»، فأين نأتي من قوله عز وجل: « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ « «التوبة73»، وأين نأتي من نصٍّ بعد نصٍّ بعد نصٍّ.
وفي قوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (رجعنا من القتال الأصغر) الذي هو القتال (إلى الجهاد الأكبر) الذي هو الحياة، إشارة إلى أن الحياة بمجملها هي حياة جهادية، كانت حياته (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كلها حركة جهادية.
هلا تكرمتم بشرح مفصَّل لهذه النقطة.. كيف أن القتال هو جهاد أصغر وأن الحياة هي الجهاد الأكبر؟!
القتال في سبيل الله هو ضرب من ضروب الجهاد، وبالنسبة لأصحاب العزائم يُعدُ القتال هو الجهاد الأصغر، ولا يكون ذلك إلا لأصحاب العزائم، أما العامة الذين يخافون من كل شيء فإن القتال لديهم شيء عظيم.
الجهاد الأكبر هو عندما يطلِّقُ المرءُ نفسه وحياته كلها لله تعالى مصداقاً لقوله عز وجل: « قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ « .. ولا يتحقق الجهاد إلا عندما تبيعُ نفسك، اتباعاً لقول الحق سبحانه وتعالى : « إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى…»
هذا معروف لدينا أنه فقط في القتال في سبيل الله!
لا .. في كل الحياة ” إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا «.
ولذلك لن تكون ملكاً لنفسك، وعندما تكون كذلك لست ملكاً لنفسك، تكون في الطريق السليم بما يرضي الله تعالى، لأنك أصبحت تسير في حياتك وفق ما أراد هو منك، ويتجسد ذلك في اتباع أمره واجتناب نهيه.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كريماً؟!
كرم الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم شُبِّه بالكثير من الصفات، فشبِّه بالريح وقيل كالبحر.. وكان من أراد أن يصف كرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبحث عن الأشياء التي لا تنفد.
وهكذا فعلاً كان كرم سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. لأن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يمتلكُ الدنيا.
كلِّها؟!!
كُلها.. قد يقول قائل: كيف يمتلك الدنيا؟
الله يقول له: « لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا « لا يعطي الحق تعالى الصفة لأحد إلا وهي ملكُه، وهي له، فلولم تكن حقه وبتصرفه لما قال له: (لو أنفقت ما في الأرض) فمن أين نأتي لكرم النبي وصفاً وقد كان كريم اليد، كريم الخُلُق، كريم القول، كريم المعاملة، وكريماً في كل شيء.
أضرب لك مثالاً عن كرمه عندما جهزَّ جيش العُسرة «جيش تبوك»، جهز الجيش بما لديه، بما هو في حوزته، ثم جاء بقية الصحابة من الأنصار والمهاجرين، فقال: (لا أجد ما أحملكم عليه)، لكنه تكرم عليهم.. فكيف كان ذلك؟!.. كان ذلك في قوله: (إنا لا نطرق مسلكاً ولا ننزل وادياً إلا وهم معنا)، فجعل كرمه يمتد من المدينة المنورة إلى تبوك لأولئك الذين لم يجد ما يحملهم عليه.
بالنسبة للمنافقين.. ما هي الحكمة من سكوته على من كان يعلمهم منهم؟
لأن صورة المنافقين مكررة، وتتكرر عبر الأزمان لنأخذ الدروس والعبر منها إلى قيام الساعة، حتى لا نتعامل معهم إلا بحذر.
ويريد الله أن يغربل الأمم ليتبين المنافق من المؤمن، لأنه وضع الإرادة في الإنسان ليكون مسؤولا عن اختيار منهجه وتصرفه، وإلا لكان هداه هداية كاملة، (ولو شاء الله لهدى الناس أجمعين).
جدلية (موت الأنبياء .. أم انتقال دون موت؟)
إذا انتقلنا إلى موضوع مختلف وهو جدلية موت الأنبياء أم انتقالهم.. فهل نقول: مات رسولُ الله، أم نقول: انتقل؟ .. وكيف يكون موت الأنبياء؟ لقد نهانا الله أن نقول عن الشهيد إنه مات فكيف بالأنبياء؟
سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سأله الصحابة: (هل يموت الأنبياء؟) قال لهم: (الأنبياء لا يموتون، ولكنهم يُنقلون إلى الجنة).
وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما جاءهُ الميعاد للانتقال، قال لسيدتي الزهراء عليها السلام: (الرفيق الأعلى) (إلى الرفيق الأعلى) ولم يقل إنه موت.
سأضيف إليك هنا أنه لا يموت إلا الكافر، فهو يموت في حياته ويموت الموت المعروف لدى العامة أنت أشرت إلى أن الله تعالى نهانا أن نقول إن الشهيد مات بقوله تعالى: « وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ «..
وأيضا أخبرنا في سورة الدخان أن المؤمنين « لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى «، الموتة الأولى لا يعرفها كثير من الناس، الموتة الأولى هي قبل أن تخلق أيها الإنسان لقوله تعالى: « وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ «.. ويوم القيامة يقول الكفار: (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) .. هؤلاء هم الكفار وهذا هو قولهم.. أما المؤمنون فقد قال لهم الله تعالى: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)، لذلك كان أحبابنا الأوائل وآباؤنا وهم الذين لم يتدنسوا بدنس الوهابية والإخوان المسلمين يقولون: (انتقل إلى رحمة الله فلان) ولا يقولون: (مات).
الصراط المستقيم
ما هو الصراط المستقيم؟!
الصراط المستقيم هو سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
شرح أكثر:
قال الله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، وهو أن تكون على هديه ونهجه في الحياة وجهاده ومواقفه وأخلاقه، هذا هو الصراط المستقيم.
ما رأيكم في قول البعض إن الصراط المستقيم هو طريق أدق من الشعرة، أحدُّ من السيف، وضع كجسر فوق النار يعبر عليه المؤمنون إلى الجنة؟
هذا جانب أسطوري، الصراط المستقيم هو المنهج الذي إمامه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لكل الخلائق، والآية التي ذكرتها سابقاً: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.) هذه الآية لو وقف عندها الواقفون سيعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يتبعهُ الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن رافق الصديقين والشهداء والصالحين، أما الأنبياء فلديهم اختصاص من الحق سبحانه وتعالى.
خطاب القرآن للنبي
عندما جاء خطاب الله لنبيه في القرآن بـ(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) دون التصريح بالاسم في النداء أوحى لنا بفرادة نبوة النبي، وكأن نبوته شاملة لنبوة من سبقه أيضا..!!
نلخصها بأسلوب أدق (الفطرة التي فطر الله الناس عليها) من هو نموذج هذه الفطرة؟!
نموذج هذه الفطرة هو سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو النموذج الأعظم للفطرة التي أرادها الله تعالى، إذاً هو إمام كل من سيأتي من الخلائق وهو القدوة لكل الخلائق.
فلا تسبِّح الملائكة إلا اقتداء بسيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. ولم يدع داع لأبيه إلا وقدوته سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولم يوجد قبر لمواراة وإكرام جسد الإنسان إلا ليكرم اللهُ الإنسانية من أن ترمى جثامينها فتكون طعاماً للسباع والهوام، إكراماً لرسول الله.
كل شيء في الوجود إمامه النبي وقدوته النبي.. قال تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي)، فبعد أن يقص عليك الحق سبحانه وتعالى أحسن القصص عن سيدي (يوسف عليه السلام) يقول: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)، هؤلاء هم السابقون من تبعوا سيدي رسول الله (قل هذه سبيلي) تمعن فيها وتدبرها: (قل هذه سبيلي)، الأنبياء كلهم تبعوه بعد أن يقص عليك أحسن القصص عن الأمم السابقة وأنبيائها يقول له (قل هذه سبيلي ) .
يقولون إن الصوفية تبالغ في قولها إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خلق قبل الخلائق وإن اسمه مكتوب على العرش وإنه كان نبياً قبل خلق آدم؟ أليس حديث (جابر من مشتهر الحديث؟!
أنا سأرد عليهم إن كانوا يريدون أن يخاطبونا بالمبالغة فعليهم أن يسألوا الله تعالى- والعياذ بالله: لماذا خص نبيه ووصفه بهذا (إن الله وملائكته يصلون على النبي)، هي الرحمة المحمدية لذلك في آية أخرى قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ)، وهو قد صلى علينا برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
الآن، على كل مؤمن أن يأخذ حقه من الصلاة في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسم، لأن الخطاب هنا (يا أيها الذين آمنوا) وهناك الخطاب (يا أيها الذين آمنوا) أيضا (صلوا عليه وسلموا تسليما)، إذاً الصلاة على النبي هي الصلاة علينا، وهي الرحمة هي سيدي رسول الله، هي الرحمة التي جاءت في (ورحمتي وسعت كل شيء) لأنه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
نظرة يا رسول الله
ماذا نريد من رسول الله؟!
نريد من رسول الله نظرة، ولا ينبغي لنا ان نطلب …. التي هي مادة، ينبغي أن نطلب لأنفسنا أن ينظر إلينا النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لأن نظرته إلينا هي الحقيقة.. وما أحوجنا أن نقول (نظرة يا رسول الله) .. وبعد ذلك نتعشقُهُ في كل حركاتنا وسكناتنا وكل أخلاقنا..
من يريد دليلاً عن الاحتفاء بالنبي فقل له (الدليل قلبك)، ماذا تتعشق في جمالات النبي؟، ماذا تتعشق في كمالات النبي؟، ماذا تتعشق في أخلاق النبي؟، ماذا تتعشق في من أخرجك من الظلمات إلى النور؟، ماذا تتعشق في (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ماذا تتعشق في (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) ماذا تتعشق في (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)؟، ماذا تتعشق في قوله صلى الله عليه وآله وسلم (إني اشتاق إلى أحبابي)؟!
إذاً أين الشوق الذي هزك لهذا الذي نشتاق إليه؟!
هناك آية لا تحتاج إلى عالم ليبنيها لنا، وهي قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). ورحمة الله هي رسولهُ، والآية تأمرنا أو تحثنا على أن نفرح به صلى الله عليه وآله وسلم.
سأبدأ بإعطائك معنى الفضل في قوله تعالى “قل بفضل الله وبرحمته” فقد قلتُ في بداية هذا الحوار: (الحمدُ لله على رسول الله) عرفنا أنه رسول الله.. (والحمد لله على فضل الله) وهو أيضا رسول الله (والحمدُ لله على نعمة الله) وهو أيضا رسول الله (وأصبحتم بنعمته إخوانا) هو رسول الله.. إذاً عند قوله تعالى: (قل بفضل الله) والضمير هنا (هو) يعود للفضل وليس للرحمة فقط.
فقد أضاف للرحمة أنه أيضا فضل، أضاف للرحمة أن النبي هو أيضا فضل، أيضا لأنه قال (هو خير مما يجمعون) ولم يقل (هي)، ثم (فبذلك فليفرحوا).
إن من يبحث عن دليل للاحتفاء بالنبي في أي وقت، وبمولده صلى الله عليه وآله وسلم في أوانه..، من يبحث عن دليل، فهو «مُضيِّع» أي فاقد، والمضيّعُ ضائع، أي والفاقد مفقود، ولذلك هذه الآية دامغة.
ولا تزال هناك آية مفاجئة وهي قوله تعالى:( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ).
ألا يشير هذا إلى أن كل ما في السماوات وما في الأرض، قدسوا الله وعظَّموه، بل يقدّسونه ويعظمونه حمداً وشكراً لأنه سبحانه وتعالى بعث في الأميين رسولاً منهم؟!!
إذاً ماذا يريد رسول الله منا؟!
يريد رسول الله منا أن نملأ قلوبنا بمحبته وأن يكون أمامنا وإمامنا في كل حركاتنا وسكناتنا، وأن لا نغادر منه طرفة عين، لأنه حاضر ناظر عند كل أحد، لقوله تعالى:( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) ولقوله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).. إذاً تُغادر أنت، أما هو فلا يغادر، هو رحمتك، يُلازمك وأنت أنت المغادر.
وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إلا من أبى) من هو هذا الذي أبى؟ هو ذلك الذي غادر الرحمة.
من هم عترة رسول الله؟ ولماذا أمرنا الله بالتمسك بهم؟
قال تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) كل النبيين قال لهم مثل هذا: ” يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ «، بالنسبة لسيدنا نبي الله هود عليه السلام، وبالنسبة لنوح قال: (إن أجري إلا على الله) وكذلك قال لهم في آية أخرى في سورة الشعراء: (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)، وكذلك (هود وصالح ولوط وشعيب) عليهم السلام في سورة الشعراء.. وكل الأنبياء ما عدا رسول الله، كان خطابهم في القرآن (إن أجري إلا على الله)، إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (إلا المودة في القُربى) .. ثم لنتأمل أولاً قول الله له: (قل).. أنزل الآية الكريمة بقوله (قل)، لأن الحق سبحانه وتعالى يعرف كيد قريش وكذلك اليهود، وغيرهم ممن يناصبونه العداء فقال له: (قل) كي يخرجه من فذلكتهم أن يقولوا هو الذي قال عن نفسه.. فالله تعالى هو الذي أمره بقول ذلك.
و(القربى) هم عترة سيدي رسول الله، والعترة هم من يحملون المنهج، وليس المعنى أن نقطع بعدم مجيء مؤمنين صالحين من غير العترة، سيأتي صالحون وعُباد.. ولكن هنا لا بد أن تعرف أولاً من هو الحلقة التي ربط بها الدين.. ففي قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(أنا مدينة العلم وعلي بابُها) توضيح لمعنى العترة، وأهمية مودتهم في قوله تعالى : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). فمن أين سيدخل أحدنا المدينة؟ أليس من بابها؟
والدا سيدنا الإمام علي وبعده سيدنا الحسن وبعده سيدنا الحسين وبعده سيدنا زين العابدين.. وهكذا.. والدا النبي وعمه أبو طالب من العترة سيدنا أبو طالب أبو الإمام علي من العترة .. أنا أقول ذلك وأؤمن به، وواثق بما أقول، سيدنا أبو طالب من عترة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
وكذلك والدا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من العترة.. وقل للمنكرين: ألم تقرأوا قول الحق: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
البعض يا سيدي يرون أن تعظيم رسول الله يصل إلى الشرك.. فما ردكم عليهم؟!!
أنا سأغلق الباب عليهم وأقول لهم إن مقام الله عز وجل عندهم صغير، وإلا لو أنهم قدروا الله حق قدره، وفهموا ما أراده الله في كتابه، فسيبتعدون عما يُشركون به الناس وعما يؤلهون، الله تعالى يقول في محكم كتابه: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)، إذاً لا يوجد إله غيره، والله تعالى يقول في كتابه: (لا شريك له) ويقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، إذاً قل لهم: لماذا تدخلونا في ما هو لله وحده.. نحن نتكلم عن كمالات بشر، عن كمالات مخلوق، وكمالات المخلوق لا تُزاحم الخالق.. ولا بد أن تكتمل الكمالات التي للخلق كلها في سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. كيف يكون قدوة إن لم تكتمل فيه كل الكمالات الطاهرة الطيبة الخيرة المباركة كمالات النور .. لأن الكمالات المغايرة لهذه الكمالات تمثلت في (إبليس وفرعون) لكن هنا كمالات النور.
أخيراً.. ما الذي تودون قوله في آخر هذا الحوار؟
يجب تصحيح المفاهيم لماذا نسمي جهاد رسول الله غزواً.. رسول الله لم يُغزُ أحداً، بل هو واجه الغزو. انظر كيف يسمون (بدراً) غزوة وكذلك الأحزاب التي كان فيها يدافع عن المدينة من غزو قريش وأحزابها وقد حفر الخندق حول المدينة ورغم ذلك يسمونها غزوة، وكذلك أحد وغيرها، رسول الله لا يقال عنه مجاهد ولكنه إمام الجهاد، فهو إمام كل مجاهد.
ما ردكم على من ينتقد الفعاليات للاحتفاء بنبي الهدى بحجة أن الناس جائعون، وأن هذا تبذير للمال العام وغير ذلك من الشبهات؟
دع الفعاليات تتكلم عن نفسها، هذا أمر، أما عن الانفاق، لمن سننفق إن لم نُنفق للاحتفاء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ أنا سأصوم وأنفق من أجل الاحتفاء بالنبي، لكن هؤلاء الذين ينتقدون لا يقصدون الفقراء، يتحججون بالكذب معاداة لرسول الله ولعترته.. ولو تراهم لوجدتهم هم من يحاربون الفقراء، أو ليسوا هم من أشعلوا كل هذا العدوان على اليمن وأهل اليمن وقتلوا الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ في كل قرية وكل مدينة على طول اليمن وعرضه؟
وسأقول لهم إنه يجب علينا الاحتفاء برسول الله من ربيع إلى ربيع، أي على مدار السنة، ليس بالمظاهر فقط، ولكن بالاتباع والتمسك به وبعترته صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين.

قد يعجبك ايضا