"الحلقة الأولى" المولد الميمون والنشأة المباركة

محمد رسول الله.. وقفات مع سيرة المصطفى صلوات الله عليه وآله وسلم من خطابات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي

 

 

• هو رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، من نسل نبي الله إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن ونبيه عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.
خاتم الأنبياء والمرسلين ورسول الله إلى الناس كافة، أرسله الله رحمة وهداية للبشرية كلها، واختاره الله من نسل إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، وكان محط عناية الله ورعايته فقد جعله من نسل طاهر ونسب طيب، خيار من خيار من خيار، وبعثه الله في مكة لإنقاذ العرب ولإخراج البشرية من الظلمات إلى النور.

المولد الميمون

ولد رسول الله صلوات الله عليه وعلى اله وسلم يوم 12 ربيع الأول من عام الفيل من أمه الشريفة آمنة بنت وهب ، في شعب بني هاشم بمكة المكرمة.
• بشارة جده عبدالمطلب
حينما ولد رسول الله صلوات الله عليه واله وسلم في شعب بني هاشم ، بُشّر به جده عبد المطلب ، وعندما بُشّر عبدالمطلب بهذا المولود الجديد كان على انتظار لهذا الموعد، وكان مؤملًا ومستبشرًا في هذا المولود، باعتبار أن هناك مؤشرات، وقد كانوا يرون فيه علامات تدل على أن من سيكون له شأنٌ عظيم بأن يجعله الله “سبحانه وتعالى” خاتم الأنبياء سيكون من نسله ، وكان توقعه إلى المستوى الذي جعله يعرف أن يكون هذا المولود هو النبي الموعود، أو بالحد الأدنى أن لهذا المولود شأنًا عظيمًا وكبيرًا جدًا؛ لاعتبارات وعلامات وإرهاصات.
استبشر عبدالمطلب بولادة حفيده رسول الله وذهب مستبشرًا وفرحًا، وأخذ حفيده “الطفل المولود وذهب به إلى الكعبة تبركًا وتيمنًا، وتقربًا إلى الله “سبحانه وتعالى” بالدعاء هناك، وحمد الله لأن هذه نعمة كبيرة عليه أن يرزقه الله بحفيد سيكون خاتم الأنبياء، وسيكون سيد الرسل، وسيكون أعظم وأكمل وأرقى إنسانٍ وجد في البشرية منذ آدم إلى نهاية البشرية، شرف كبير، حمد الله، واستعاذ بالله على هذا المولود من كل الحاقدين والحاسدين في أبيات شعرية تُذكر في السيّر.

عناية جده

اعتنى به جده عبدالمطلب عناية كبيرة جدا ، وكان يقربه ويدنيه ويكرمه ، وكان يفرش له في فناء الكعبة لعظم شأنه ، وكان يقول لأبنائه دعوه دعوا ابني فوالله إن له لشأنا.
عني به جده عبد المطلب عناية كبيرة من حيث التربية، والاهتمام، والتفقد، والرعاية، وهذه من نعم الله على رسوله صلوات الله عليه وعلى أله وسلم.
• عندما كان رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في طفولته، ما بعد الست سنوات، كان يعتني به جده عبد المطلب عناية كبيرة جدًا، وكان يدنيه ويقربه ويُكرمه لدرجة ملفته، كان يأتي رسول الله في طفولته المبكرة إلى جده عبد المطلب وهو بفناء الكعبة، وقد فُرش له هناك وكان لا يُفرش لغيره، لكن لشأنه ومكانته الكبيرة، فيأتي ليجلس مباشرةً بجواره أو في حضنه، فيذهب اعمامه ليأخذوه، فيقول: (دعوه، دعوا ابني فو الله إن له لشأنًا)، يتوسم فيه أن له شأن عظيم، كذلك رويت أخبار ورؤى كان يراها عبد المطلب في منامه تبشر بهذا الدور الكبير والعظيم لهذا الطفل الناشئ.
التاريخ يحكي كيف كان يتعامل عبد المطلب مع هذا الطفل في طفولته المبكرة، لأن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” حينما بلغ عمره ست سنين- أيضًا- بعد وفاة والدته آمنة بنت وهب.
حين توفيت والدته صلوات الله عليه وعلى آله وسلم وهو بعمر ستة أعوام ، أصبح يتيمًا من جهة الأبوين (الأب والأم)، لكن بقي يحظى بهذه العناية الكبيرة جدًا من جده عبدالمطلب، وقامت- أيضًا- بدورٍ كبير في العناية به في مرحلة طفولته المبكرة فاطمة بنت أسد (زوجة أبي طالب)، قال عنها “صلوات الله عليه وعلى آله”: (إنها كأمي، أو إنها أمي)، كان يعتبرها كأمه فيما أولته من عناية ورعاية واهتمام في طفولته، فالله يهيئ لأنبيائه ورسله رعاية خاصة، وعناية كبيرة تساعد على تأهيلهم نفسيًا ومعنويًا، ومن كل الجوانب للدور الكبير والمسؤولية الكبيرة التي سيتحملونها في المستقبل.

كفالة عمه أبو طالب

توفي جده عبد المطلب ورسول الله يبلغ من العمر ثماني سنوات، وكان عبدالمطلب يسمى بشيبة الحمد، وكان محط ثناء وإعجاب الجميع فيما كان عليه من قيم وشأن كبير في مكة ، وعهد إلى عم رسول الله شقيق والده من أبيه وأمه أبو طالب بن عبدالمطلب.
كان أبو طالب أفضل أبناء عبدالمطلب وكان عم النبي شقيق والده من أبيه وأمه ، فقد كان لعبد المطلب عشرة أبناء أو أحد عشر أبنًا كما في بعض الروايات على أمهاتٍ متعددة، لكن أبا طالب وعبد الله والد رسول الله شقيقان من أمٍ واحدة ، وكان أبو طالب خير أولاد عبد المطلب، وأرشدهم، وأفضلهم، وأكملهم، وأعلاهم مكانةً وقدرًا ومنزلةً، والمؤهل لخلافة والده في الدور والمكانة في مكة المكرمة وفي قريش.

عناية أبو طالب وزوجته فاطمة بنت أسد برسول الله

عنيَ أبو طالب بكل- أيضًا- ما يمتلكه من اهتمام، ومن تعلقٍ وجدانيٍ كبير بهذا المولود المبارك، بهذا الطفل الميمون، عنيَ به عنايةً كبيرة، بل إنه هو وزوجته فاطمة بنت أسد أوليا رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” من الاهتمام الكبير جدًا ما يفوق بكل حال عنايتهما بأبنائهما، عناية خاصة واهتمام كبير، هناك اهتمام كبير سبق ذلك بتوصيات أساسية ومؤكدة من عبد المطلب نفسه إلى أبي طالب، وهناك- أيضًا- إدراك لأهمية المسألة من أبي طالب، وحاله كحال أبيه عبد المطلب في النظرة المتميزة إلى هذا المولود المبارك، إلى هذا الطفل الميمون، وعن دوره المستقبلي العظيم، الذي تشهد له الكثير من الأمارات والدلائل، والآيات المهمة جدًا، والمؤشرات العظيمة جدًا، فعنيَ به عناية كبيرة، وكانت بينه وبين ابن أخيه محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم علاقة حميمية كبيرة.

زواجه المبارك
عندما بلغ صلوات الله عليه وآله وسلم الخامسة والعشرين من عمره الشريف قرر الزواج بالصديقة الطاهرة خديجة بنت خويلد “رضوان الله عليها”، وهي في العمر ما بين أربعة وعشرين إلى سبعة وعشرين حسب الروايات ، وليس صحيحا أنها كانت في الأربعين من العمر.

•”كان لخديجة شأن كبير وعظيم عند الله “سبحانه وتعالى”، وزواجه منها كانت من مظاهر الرعاية الإلهية والاختيار الإلهي والعناية الإلهية بهذا الشاب المبارك، فقد اختار الله له تلك الزوجة لتكون إلى جانبه مؤمنةً به، مصدقةً، وسندًا، وكونّ معها أول نواةٍ للإسلام، وأول أسرةٍ مؤمنة، إلى جانبهما الإمام علي “عليه السلام” الذي عاش عند رسول الله، وتربى عند رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.

• قبل الزواج اشترك رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم مع خديجة- وكانت ذات ثروة ومال- في نشاطٍ تجاريٍ بالشراكة (المضاربة)، وقد زاد هذا العمل من معرفتها به، فعرفت مكارم أخلاقه وشمائله، إضافةً إلى ما هو معروفٌ به- أصلًا- في مكة المكرمة.

•قررت خديجة رضي الله عنها الزواج من رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، وكان اقترانها به ورسول الله يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما ، وعمر خديجة ما بين الرابعة والعشرين إلى الخامسة والعشرين حسب الروايات ، أو ما يقارب هذا العمر ، ولم يكن صحيحا بأنها كانت في عمر الأربعين.

• لا صحة للروايات التي تذكر بأن خديجة كانت طاعنةً في السن، وأن الفارق ما بين عمرها وعمر رسول الله صلوات الله عليه كان كبيرًا ، وأنها توفيت بعد خمسة عشر عامًا وهي في الستين من العمر، وهو في نضج الشباب وكماله، هذه الروايات فيها مآرب مذهبية ، وقد دخلوا تحت التأثير المذهبي في أشياء ومشاكل حتى القضايا الأسرية لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، يكبروا نسوان ويصغروا نسوان يردوهن طفلة، يقولوا لك اتزوج بخديجة عجوز وعائشة بنت طفلة صغيرة جــــــــــــــدًا، لا تزال تلعب مع البنات، فتُأخذ من بينهن وتزف إلى بيت رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، يعني: تفاصيل وأطروحات غير مؤدبة، وغير طبيعية، غير طبيعية حتى في الحالة البشرية والمألوف لدى البشر، والشيء الفطري لدى البشر.

بعد زواجه صلوات الله عليه واله وسلم بخديجة ، تأمَّن له استقرار في حياته ، وهي قدمت نفسها وثروتها وما تملك في خدمة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وقد عرفت بفضله، وعرفت بمكانته، وعرفت بقدره وقيمته، وأعزته، ولم تتعامل فقط معه كزوج عادي ترتبط به ارتباطًا عاديًا.
عرفت خديجة أن لرسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم شأنًا عظيمًا وأهميةً كبيرة ومستقبلًا مهمًا؛ فكان لها إسهام كبير في إعانته ، وأمَّنت لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” فرصة لأن يكون له أوقات للعبادة، وأوقات للخلوة، أوقات للتأمل.

نشأة مباركة تحفّها الرعاية الإلهية

• رسول الله نشأ في هذا الجو من الرعاية، ومن الاهتمام، ومن العناية، وهذه ظروفٌ هيأها الله، من الله “سبحانه وتعالى” أن يهيئ له هذا الجو، وأن يحفه بأولئك الذين أولوه كل هذه الرعاية والاهتمام، والحنو والعاطفة، وعوضوه عن فقدان أبيه وأمه في يتمه، فكانت رعايةً من الله، ورحمةً من الله، ونعمةً من الله، وتهيئةً إلاهية من الله “سبحانه وتعالى”.
• نشأ نشأةً مباركة، أنبته الله نباتًا حسنًا، ونشأةً متميزة، فكان سريع النمو، وكان- أيضًا- ذا نُضجٍ عجيب، كان ينشأ، يكبر ويكبر معه رشده، فهمه، تمييزه، حسن إدراكه، أدبه، وكان ملفتًا فيه هذه النشأة المتميزة من حيث النمو السليم والمبارك، بركة في نموه، يكبر، يتبخير، فينشأ نشأة مميزة، وفي نفس الوقت بنضجٍ كبير وعجيب في الإدراك، في الفهم، في حسن التصرف، ولم يكن حاله كحال بقية الصبيان في عبثهم، في لهوهم، في نقص الجانب الأخلاقي لديهم مثلًا في التعري أو في أي شيء… لا، كان متميزًا، كان ملحوظًا فيه الحرص على الطهارة، الحرص على صيانة النفس، البعد عن بعض الأشياء التي تنم عن قلة الأدب، وعن ضعف الادراك لدى الصغار والصبيان، كان مختلفًا عن كل الصبيان وعن كل الصغار، نشأة مميزة وتنم عن أدبٍ عالٍ وراقٍ، وأنه محفوفٍ من الله بتنشئة خاصة، ولديه في نفسه قابلية أودعها الله فيه “جلّ شأنه” قابلية عالية.
• الإمام عليٌ “عليه السلام” يحكي لنا في نصٍ مهمٍ وعظيم، قال: (ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيمًا أعظم ملكٍ من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره)، فالله “سبحانه وتعالى” لم يتركه ليكون صنيعة البيئة الجاهلية التي قد تؤثر سلبًا في الإنسان، أو- كذلك- أن يكله إلى تربية الناس بكل ما فيها من القصور تجاه دور ومستقبل كبير وعظيم، تجاه مسؤولية كبيرة وعظيمة جدًا، تجاه مستوى من المطلوب أن يصل إليه هذا القادم، ليكون هو في الذروة بين كل البشر، يبلغ إلى حيث لم يبلغ إليه بشر ولم يصل إليه بشر من الكمال الإنساني.
• فالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” حظيَ بهذه الرعاية الإلهية؛ فنشأ نشأةً مباركة، وأنبته الله نباتًا حسنًا، في مرحلة الشباب، في بداية الشباب كذلك كان متميزًا، ولم يتأثر بكل تلك البيئة الجاهلية في مكة وفي غير مكه، فلم يسجد لصنمٍ قط، ولم يدنس نفسه بأيٍ من دنس الجاهلية، كان الوضع في الجاهلية فوضى، فوضى شاملة: المفاسد الأخلاقية، العُري، التصرفات الباطلة والسيئة، البغي، التظالم، الانحطاط الأخلاقي، سلبيات كثيرة جدًا كانت قائمة، حالة من الانفلات وغير الالتزام والانضباط لا لشرع، ولا لدين، ولا لملة، فوضى، فوضى قائمة، فكان بعيدًا عن التأثر بذلك الجو العام، وقليلٌ من الناس من يكونون على هذا النحو لا يتأثر بجو وبيئة عامة وطاغية في بلده، في منطقته، بين قومه، لكنه نشأ نشأة مختلفة، ولوحظ فيه أنه لم يكن منسجمًا أبدًا مع ذلك الجو العام، كان كثير الخلوة والاعتزال، وقليل الاندماج والاختلاط بالناس في بيئتهم تلك، في ظروفهم تلك، سيما المناسبات السيئة التي تشوبها المنكرات، كان كثير الابتعاد، أو يبتعد دائمًا عنها، والابتعاد عن الناس بشكلٍ عام في أكثر ما هم فيه نتيجةً لهذا الجو السلبي المشحون، والممتلئ بالسلبيات والمنكرات والفساد، وعرف عنه كثرة التأمل، وعرف عنه النضج والرشد والحكمة والصواب، فكانوا ينظرون إليه بأنه الإنسان الحكيم الذي لا نظير له في حكمته، وإصابته، وإصابة رأيه.
• عرف أيضًا بمصداقيته التي لا نظير لها وأمانته التي لا مثيل لها، فكانوا يسمونه بالصادق الأمين، وكان له في مكة نفسها هذا التميّز الملحوظ، الكل ينظرون إليه بإعجاب، وبأنه شخص متميز عن كل الناس، فيقولون جاءكم الصادق الأمين، له مهابة، إذا شاهده الإنسان مقبلًا يشاهد عليه الوقار والهيبة، وإذا جالسه الإنسان أحبه لأخلاقه الراقية، وقار من دون تكبر، وهيبة من دون عجب أو غرور، أو استعلاء على الناس أبدًا، فنشأ نشأة طيبة ومباركة، وتنامت فيه كل المؤهلات القيادية، تعززت فيه مكارم الأخلاق، وكان من الواضح فيه ألمه الكبير على الناس على الواقع القائم، عدم رضاه وعدم اندماجه وعدم انسجامه مع ذلك الواقع؛ لأن الكثير من الناس يتأقلم، أي واقع في أي منطقة أو في أي ظرف يعيش ويندمج معه، يندمج مع أي واقع ويتأقلم، لم يتأقلم رسول الله مع ذلك الواقع الجاهلي، ولم ينسجم معه، ولم يذُب أو يتلاشى في أخلاقه وتصرفاته ضمن ذلك الواقع، بقي يعيش حالة الغربة من هذا الجانب، أن يرى المجتمع البشري من حوله، المجتمع البشري وهو غارقٌ في ظلمات الجاهلية ورجسها ودنسها، وكان يتعبد الله على ملة إبراهيم “عليه السلام”، وموحدًا لله “سبحانه وتعالى”، وهذا ما كان عليه إلى أن ابتعثه الله بالرسالة.

قد يعجبك ايضا