د.إبراهيم طلحة

عن الناقد الحاقد

 

 

تغلب الانطباعية المفرطة على معظم الأعمال والتناولات النقدية الأدبية العربية، ذلك أن العرب ما زالوا في نهجهم وضلالهم القديم لدى تحكيم قضاياهم ومنها قضايا الشِّعر والأدب، فهم ما زالوا كأنهم في سوق عكاظ يلجؤون إلى شيخ من مشائخ الشِّعر يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون وحتى في ما لا يختلفون.
وعمومًا، المدرسة الانطباعية هي مدرسة نقدية معروفة، وللانطباعية قوانينها التي لا يسير عليها معظم النقاد الانطباعيين العرب الذين يظنون أن الانطباعية هي فرض الآراء، بينما هي أن تقول رأيك متحملًا مسؤوليته وحدك دون أن تفرضه على الغير.
العجيب واللافت في الأمر أن الانطباعية تحولت إلى شخصنة والنقد إلى حقد، وأصبح كثير من النقاد الانطباعيين منظِّرين سُذَّجًا.
وأما الخطير في الأمر، فأن يعدل هؤلاء النقاد أو (المتناقدون) عدولًا غير سوي ويعزفوا عن تناول النصوص إلى تناول الشخوص.. ربما أحيانًا يحاولون الظهور بمظهر الحيادية والموضوعية، ولكن سرعان ما يكشف أمرهم، فهنالك فرق واضح بين الناقد والحاقد؛ فالناقد حتى ولو انحاز إلى طرف أدبي يكتفي بتوضيح أسباب انحيازه كأن تكون عن تفوق الأديب أو الشاعر فنيًا أو اقتداره لغويًا أو سعة خياله، دون أن يضطر إلى التهجم على آخرين، إنما الحاصل أنَّ هذا الناقد الحاقد قد يختار شعراء من نفس المدرسة لا فرق كبير بينهم ويحاول أن يوجد هو الفارق الشاسع والهُوَّة العميقة لكي يصبح له حضور اعتباري لدى الطرفين، تمامًا كما تفعل بعض الأنظمة العربية التي كانت تشعل الفتنة بين قبيلتين مثلًا أو حزبين أو فئتين من الناس ثم تتحول هي إلى لعب دور المصلح والوسيط، والناقد الحاقد_ أيضًا_ يتمظهر بمظهر العارف العالم أمام الجمهور ضحل الثقافة لكي يوجد لنفسه قابلية، لأنه يعرف أن الجمهور المثقف الحقيقي الواعي لن يقبل كلامه على إطلاقه؛ فلا يقبل النقد الشخصي الانطباعي إلَّا صفر الثقافة.
(الناقد الحاقد) إلى هذا وذاك فاشل في إيجاد توصيف ناجح للمقارنات التي يعقدها، فيذهب إلى اعتسافها اعتسافًا ولا يقنعك بدليل أو حُجة واضحين بينين، بل يكتفي بطرح فرضيات عامة ويستشهد بأمثلة عائمة ويرفدها بعبارات مطاطية، تشبه ظهوره في بث مباشر مثلًا وهو يلوك الكلام ويمد ما لا يمد ويكثر من آآآآ واواوا… وبوس الواوا إلخ.
إن الناقد الحاقد تركيبة مخلوطة كالبترول المغشوش، يمشي بك على قليل قليل ثم يبدأ ينازع ويعجز ويتركك في وسط الطريق.
إنه مثخن بالغلول الشخصي وتعرفه في لحن القول مهما حاول التمظهر بالعدالة والتمويه والمراوغة والمواربة.
إن النقد فنٌ لا يجيده إلَّا إنسان يمتلك أدوات اللغة والبلاغة بشكلها الجميل لا الحوشي والغريب ويمتلك أيضًا ذائقة مبنية على ضوابط وقواعد سليمة، ويملك بالضرورة ولو ذرَّة حياء.

قد يعجبك ايضا