تدمير وتضرر 80 مَعْلَماً وموقعاً تاريخياً جراء القصف الجوي

الحرب على الحضارة والتاريخ ..ستة أعوام من الاستهداف السعودي المتعمد للآثار والتراث الإنساني في اليمن

20 مَعْلَماً دينياً وأثرياً استهدفتها الجماعات الإرهابية
تكمن قيمة التراث الثقافي وأهميته في كونه تراثاً إنسانياً.. واستهدافه يعتبر عملاً إجرامياً ممنهجاً

من بوابة العام السادس يطل شعبنا اليمني صامداً شامخاً بطلاً ليوثق صموده وبطولاته وقوة بأسه ضد قوى الطغيان والعدوان التي استهدفت تاريخه وحضارته وآثاره، لكنه الآن يرد بعزم وقوة ورباطة جأش، ستة أعوام استهدفت مقومات الحياة بشكل لم ولن يشهد له تاريخ الإنسانية مثيلاً.
لقد مثلت اليمن وعبر التاريخ أهم الحضارات القديمة منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، فالشواهد كثيرة ومتعددة من آثار ومعالم ومواقع ممتدة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، كذلك تزخر بلادنا بالتنوع الثقافي والعلمي عبر عقود وقرون من التميز الحضاري الممتد إلى ما قبل الإسلام، وكان لأجدادنا اليمنيين الفعل الحضاري والثقافي والتعايش مع الحضارات القديمة والتفاعل معها، ولهذا انتشرت المعالم الثقافية والمواقع الأثرية والتاريخية في كل المناطق اليمنية وتكاد لا تخلو منطقة إلا وفيها معلم أثري أو موقع تاريخي، كمسجد أو حصن أو قلعة مدينة تاريخية متكاملة أو جرف أو متحف طبيعي أو بقايا مدينة قديمة تحوي آثاراً وتماثيل وغير ذلك.

خليل المعلمي

استهداف المعالم الأثرية
أكثر من 80 معلماً وموقعاً تاريخياً وأثرياً استهدفت، وتضررت خلال الأعوام السابقة منها 60 موقعاً استهدفه طيران العدوان، إضافة إلى 20 معلماً دينياً وأثرياً استهدفته الجماعات الإرهابية من داعش والقاعدة، بحسب تقرير صادر عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف.
ومنذ اليوم الأول للعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على بلادنا، كان استهداف المواقع الثقافية والمعالم الأثرية من أهدافه وأولوياته، فبعد بضعة أيام من انطلاق العدوان كان أول تاريخ استهداف لطيران العدوان على هذه المواقع والمعالم في 1 ابريل 2015م، حيث تم استهداف (مسجد حمراء علب) الذي يقع في دار الحيد بمديرية سنحان بمحافظة صنعاء، وهو مسجد صغير يعود للفترة التاريخية الإسلامية، بني من الأحجار مربع الشكل بمقاسات 6×2متر، بداخله قبر الإمام عبدالرزاق الصنعاني المتوفي سنة 211هـ، وقد تم تدميره تدميراً كلياً.
وفي نفس اليوم تم استهداف مدينة صعدة التاريخية وتم تدمير أجزاء كبيرة منها، وهي مدينة تاريخية يحيط بها سور، تتكون من مجموعة من المساكن التاريخية والمساجد الأثرية والحمامات والأسواق القديمة أدرجتها منظمة اليونسكو في قائمة الانتظار من بين المدن التي ستدرج ضمن قائمة التراث العالمي وقد تم استهدافها عدة مرات، ومن ثم توالت الضربات على مختلف الأماكن التاريخية والمعالم الثقافية حتى يومنا هذا، وكل هذه المواقع موثقة ومسجلة لدى الهيئة العامة للآثار، لكي تتم المطالبة بمحاكمة دول العدوان المسؤولة عن كل هذا التدمير.
أدركنا وندرك الحقد الدفين لدول العدوان وأدواته ضد ما هو تاريخي وحضاري ويمثل نقطة إشعاع في التاريخ الإسلامي بل وفي التاريخ الإنساني، لقد أدى العدوان إلى انفلات الأمن في الكثير من المناطق المحتلة في تعز وفي الجنوب، فخلت الساحة للتنظيمات الإرهابية في استهداف الأضرحة والقباب والمعالم الدينية التي تعبِّر عن تاريخ حافل بالحضارة والتشييد والبناء لليمنيين في العصر الإسلامي، فكان من أبرزها جامع ومقام عبدالهادي السودي في تعز، وقبة الفازة في تهامة، وفي عدن وحضرموت وأبين ولحج وغيرها من المناطق اليمنية.

عُقدة هوية وحضارة
تشير الكثير من الدراسات العلمية إلى أن المجتمعات التي لا تاريخ لها أو حضارة أو هوية، يتملكها حقد دفين وعدوانية طافحة ضد المجتمعات ذات العراقة والأصالة والتاريخ والحضارة، وبالتالي عندما تسمح لها الفرصة للسيطرة؛ فإنها لا تتوانى في طمس ومسح وتدمير كل معالم الحضارة والعمران البشري في المجتمعات التي تعتدي عليها، وهذا ما حدث من قبل العدوان السعودي والإماراتي من خلال استهدافه الآثار اليمنية والمعالم الحضارية التي اكتسبها اليمن على مر العصور، من خلال قصف المناطق التي لم يستطع الوصول إليها مثل مدينة صنعاء القديمة ومتحف ذمار الإقليمي الذي تم استهدافه بغارة جوية عام 2015م، وهو يضم 12500 قطعة، ولم يتم الحصول من بين الانقاض سوى على 5000 قطعة، فيما تعرض متحف تعز للنهب من الجماعات المسلحة لبيع القطع الأثرية التي كانت بداخلة لسماسرة الآثار، كما تم استهداف العديد من المعالم والمراكز الثقافية في عدد من المحافظات.

تهريب الآثار
قامت دول العدوان في المناطق التي تسيطر عليها بعمليات سرقة الآثار معتمدة على سماسرة في تهريب الآثار اليمنية والحصول عليها وعرضها في متاحفها، مثل الآثار التي تم عرضها في متحف اللوفر في أبوظبي.
وساعد في عملية التهريب وجود مليشيات مسلحة في المناطق المحتلة أنشأتها ودعمتها دول العدوان فعاثت فساداً في هذه المناطق وقامت بإثارة الفوضى والاستفادة من ذلك لتهريب الآثار اليمنية.
وقد كشف باحث أمريكي متخصص في الآثار أن الإمارات قامت بسرقة آثار يمنية وقامت بتهريبها لتبيعها لبعض الدول ومنها أمريكا، وأكد الباحث “الكسندر ناجل” أن هناك أكثر من مليون قطعة يتم سرقتها بشكل دوري.. مضيفا أن عدداً من تجار الآثار تقمصوا دور الباحثين والدارسين والمنقبين من أجل تنفيذ مخطط السرقة لتاريخ يتحدث عن اليمن، فعملوا على تهريب عدد من الآثار إلى أمريكا وأصبحت لديهم متاحف تحوي قطعاً تقدر بملايين الدولارات ويذكر أن أحدهم بلغت ثروته 34 مليون دولار.
وكشف هذا الباحث أنه يتم تهريب قطع الآثار من اليمن عبر دول مثل الإمارات وإسرائيل قبل وصولها إلى الولايات المتحدة، وأكد تورط العديد من المستكشفين والأكاديميين والدبلوماسيين في تهريب الآثار من اليمن.

تهريب ممنهج
من جانبها كشفت عدد من اللجان الدولية عن تهريب ممنهج تمارسه أدوات وأذرع للآثار اليمنية، ما اعتبرته نكسة للحضارة البشرية والتاريخ الإنساني، وبحسب هذه اللجان، فإن الإمارات نجحت في تهريب نحو نصف مليون قطعة أثرية، وأن قيمة القطع قد تراوحت بين 5000 دولار و100.000 دولار تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، وقد احتوى متحف “اللوفر – أبوظبي على القدر الأكبر من تلك القطع، فيما توزع البقية على متاحف أخرى وعائلات ثرية في الإمارات، كما تم بيع الكثير منها في مزادات خاصة في أوروبا وأمريكا.

جزيرة سقطرى
تعتبر جزيرة سقطرى إحدى المناطق الطبيعية التي لم تطلها يد الإنسان في التغيير والتحوير، وقد تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو، كما تم إعلانها محمية طبيعية في العام 2000م، لما تحتويه من طبيعة خلابة وتنوع حيوي ونباتي فريد، وتحاول دويلة الإمارات السيطرة على جزيرة سقطرى، كما تعمل من خلال مرتزقتها على زعزعة الأمن فيها، ووصل الأمر إلى تهريب عدد من النباتات النادرة التي تختص بها الجزيرة ومنها شجرة دم الأخوين لإعادة زراعتها في بلدهم، وهذا يخالف القوانين اليمنية التي تمنع إخراج أي صنف نباتي أو حيوي من الجزيرة، كما قامت هذه الدويلة بسرقة كميات كبيرة من أحجار الشعاب المرجانية والطيور النادرة وغير ذلك من الاعتداءات.

إحصائيات
وفي ظل العدوان السعودي الإماراتي تشير الإحصائيات إلى أنه قد تم بيع قرابة مائة قطعة في مزادات علنية، أما خلال أقل من عشر سنوات، فقد بِيع ما لا يقلّ عن مائة قطعة أثرية من اليمن في مزادات علنية بمبالغ تُقدَّر بمليون دولار أميركي في كلّ من الولايات المتّحدة وأوروبا والإمارات، وتشملُ تلك القطع نقوشاً قديمة وتماثيل ومخطوطات تعود إلى العصور الوسطى، بحسب ما تم الكشف عنه موقع “لايف ساينس” المختصّ في العلوم والآثار.
وتعد هذه القطع الأثرية بحسب خبراء الآثار حلقات علمية متسلسلة، تدل على مستوى تطوّر حضارةٍ من الحضارات علمياً وثقافياً وفنياً وعسكرياً، ومراحل ذلك التطور وتنوّعه مكانياً وزمانياً، وبالتالي فإن عملية تهريبه وبيعه تُفقِد البلد حلقةً علمية من حلقات هويته التاريخية، مشيرين إلى أن من شأن ذلك أن يُحدث فجوةً تاريخية كبيرة، فاليمنيّون برعوا في كثير من العلوم والآداب والفنون، لكنَّ كل ذلك يظلُّ مجرّد حديث ما لم تكن هناك آثار تؤكّده.
إن ما أقدم عليه العدوان من استهداف للتراث اليمني وما سرقته الإمارات من آثار يعتبر جريمة تاريخية لن تنساها الأجيال الحالية والقادمة، وستتم محاسبتها بحسب القوانين والاتفاقات الدولية الخاصة بالتراث الثقافي.

قيمة التراث الثقافي
تمثل وتصنف المعالم الدينية ضمن التراث الثقافي والديني للشعوب، وتكمن قيمة التراث الثقافي وأهميته باعتباره تراثاً إنسانياً يجسد عبقرية شعب ما، ويشكل حلقة من حلقات التطور الثقافي والحضاري للإنسان، وما يؤكد هذه الأهمية أن ضياع أي أثر أو فقده يشكل خسارة كبرى لا تعوض لا للدولة صاحبة الأثر فحسب بل للإنسانية جمعاء، لأن تراث أي دولة إنما هو حلقة في سلسلة متصلة من الحلقات من قصة الإنسان منذ ظهر على سطح الأرض حتى الآن.
ويؤكد العديد من الاختصاصيين في مجال التراث أن استهداف المعالم والمواقع الأثرية والتاريخية يعتبر عملاً إجرامياً ممنهجاً في إطار عملية التطهير الشامل لهوية وحضارة الشعب اليمني، وأن هذه الجرائم تتم على الرغم من تحذيرات المنظمات الدولية والمحلية بتحييد مواقع التراث والثقافة عن أي صراعات كما تؤكده ذلك المواثيق والاتفاقيات الدولية.
إن هذه المواقع والمدن التاريخية والأثرية والممتلكات الثقافية التي استهدفها العدوان في السنوات السابقة لا تقاس خسارتها مادياً فقط وإنما الخسارة معنوية وتاريخية أكبر من كل المعايير والمقاييس الاعتيادية.
وبحسب القوانين الدولية التي تنص على حماية التراث الثقافي الإنساني أثناء الحروب فإن اتفاقية لاهاي لعام 1954م بشأن حماية الملكية الثقافية في حالة نزاع مسلح تُكرّس حماية خاصة تعترف بالتراث الثقافي لكل شعب، وتم تعزيز هذه الاتفاقية ببروتوكولين إضافيين عام 1977م وأصبحت جزءاً من القانون الدولي العرفي.

قد يعجبك ايضا