مأساة اليمن تحاكم أمريكا علناً!

 

 كتب/ عبدالرحمن الأهنومي – رئيس التحرير

« كثيراً ما نتذكر أنّ اليمن هي الأزمة الإنسانية الأكبر على مستوى العالم، واعتقد أنّ المجاعة قد وصلت الآن، لمضاعفة المأساة في اليمن»، قد لا تكون هذه العبارات التي قالها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث- في إحاطته الأخيرة إلى مجلس الأمن- هي الشاهد الوحيد الذي يؤكد أن العدوان على اليمن لم يكن على فئة أو جماعة أو جيش معين ، بل على الشعب اليمني كافة في كل المدن والمحافظات والمديريات دون استثناء ، وأن العدوان على اليمن لم يكن إلا بهدف احتلال اليمن والسيطرة عليه ونهب ثرواته وموارده ، والتحكم في قرارات الشعب اليمني وإخضاعهم وتركيعهم من خلال القصف والحصار والإبادة والسحق والتجويع والإفقار.
لقد تعرضت اليمن لعدوان عسكري غاشم بإشراف أمريكا وبرعايتها وإدارتها، رافقه طيلة ستة أعوام حصار بري وبحري وجوي شامل ، وما كان لهذه المأساة التي تحدث عنها المبعوث الأممي أن تحدث في اليمن لولا الحرب العدوانية الأمريكية التي أسقطت طائراتها على رؤوس اليمنيين أكثر من مليون طن من القنابل والذخائر والصواريخ فقتلت وجرحت مئات الآلاف من السكان ، دمرت المنشآت والمصانع والمخازن والمطاحن والمزارع وحتى آبار المياه ومحطات الكهرباء والجسور والأسواق والمصالح والبيوت وكل سبل العيش والحياة، ما كان لهذه المأساة التي يتحدث عنها المبعوث الأممي مارتن غريفيث أن تكون لولا الحصار الأمريكي المفروض على اليمن برا وبحرا وجوا ، لولا قرصنة سفن الوقود والغذاء والدواء من قبل البارجات الأمريكية والسعودية في البحر ، لولا إغلاق المطارات والسيطرة على الأجواء وحرمان الملايين من حق السفر والتنقل ، لولا الحرب الشعواء التي تزعمتها أمريكا على الاقتصاد الوطني والتآمر على البنك المركزي في صنعاء وحرمان الموظفين من المرتبات لولا المؤامرة التي أدارها السفير الأمريكي على العملة الوطنية ، ما كان لهذه المأساة الأشد سوءاً في عصرنا الحديث أن تحدث لو أن أمريكا دولة محترمة لا تمارس انتهاك القوانين والمواثيق الدولية ولم تعتد على اليمن ولم تقرر الحرب عليه.
ستة أعوام مرت من الحرب الغاشمة التي شنها تحالف العدوان على اليمن بقيادة أمريكا بسلاحها ، وتحت إشرافها بواسطة وكلائها في المنطقة وأدواتها وأذرعها الإرهابية «القاعدة وداعش» وبحشد كبير وهائل من العملاء والمسلحين المأجورين الذين جندتهم من اليمن ومن جنسيات عديدة.
ستة أعوام من العدوان على اليمن ، حشَّدت أمريكا تحالفاً عالميا من الدول والجيوش والأنظمة والحكومات بكل إمكانياتها العسكرية والإعلامية والسياسية، واستجلب أقذر الجيوش والمرتزقة والإرهابيين والعملاء والمأجورين من كل أقطار الدنيا وأقاصي الأرض ، من أفريقيا ومن أمريكا ومن آسيا الوسطى ، ومن كولومبيا إلى جزر سلمان ، من العرب والعجم والأوباش ومن الأحباش، للنيل من الشعب اليمني واستعباده واحتلال أرضه والتحكم في مصائره وأحواله ، وذخرتهم بأفتك الأسلحة المحرمة وأحدث التكنولوجيا جمعت الأموال والإمكانات الهائلة وكل ما أمكن ويمكن لها جمعه وجلبه من تحالفات وجيوش وسلاح وأموال وذخائر وأبواق ولم تترك وسيلة إلا واستخدمتها في الحرب ، جنّدت العصابات والمجرمين والقتلة والإرهابيين وخريجي السجون من كل أنحاء العالم، ثم جاءت بهم للحرب على اليمنيين ، ومع كل ذلك ما زالت تضلل العالم وتزعم بأن ما يحدث في اليمن هي «حرب أهلية» ، تسايرها للأسف منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها وموظفوها.
هذه المآسي والنكبات والجوع والمعاناة التي يعيشها الشعب اليمني تصرخ من عمقها لتدين أمريكا ووكلاءها وتحالفها الإجرامي الذي استباح كل المحرمات وارتكب الجرائم الموبقة لفرض أجنداتها وسياساتها على الشعب اليمني ، تصرخ من عمقها لتفضح المجتمع الدولي وتعري شعارات الإنسانية والأخلاقية التي يرفعها ، وتهشم الصورة التي تلبسها أوروبا وبريطانيا وغيرها من حكومات الجور والفجور ، وتسحقها حتى يوم القيامة.
منذ ستة أعوام ارتكبت أمريكا كل الجرائم والفظائع بحق الشعب اليمني ، قتلت بالطائرات الحربية والعمودية وأصابت مئات الآلاف من المدنيين في المنازل والأحياء والأسواق والأفراح والأتراح وسحقتهم جملة ومفرقا ، استخدمت السلاح المحظور، كما حدث في قنبلة عطان وفي الصالة الكبرى وفي ألف مجزرة وجريمة أخرى ، عمدت أمريكا منذ اليوم الأول لعدوانها على اليمن إلى تدمير كل سبل الحياة والعيش والبقاء، دمرت بالقصف الجوي محطات المياه والكهرباء والمصانع ومخازن الأغذية وصوامع الحبوب والأسواق ومراكز الأعمال والتجارة والطرق والجسور ووسائل النقل ومؤسسات ومباني الدولة ، هجّرت المزارعين من مزارعهم وعمدت إلى تلغيم آلاف الهكتارات الزراعية بالقنابل العنقودية والمتفجرات التي أسقطتها قاذفاتها في صعدة والجوف وحجة وتهامة وفي مارب وفي كل القرى اليمنية ، نهبت عبر أدواتها النفط والغاز والثروات البرية والبحرية ، لقد دمرت أمريكا كل شيء في اليمن ، حتى المستشفيات، وهي آخر ما كان يأمله اليمنيون أن يكون مُحيّدا عن هذه الحرب التي لا حياد فيها ولا يمكن لأحد أن يشاهد فصولها ولا يتحرك في مواجهتها إلا من فقدوا الكرامة بل وفقدوا الإنسانية وصاروا أشياء أخرى.
قامت أمريكا بنقل البنك المركزي ، وعمدت إلى تقطيع أوصال الاقتصاد الوطني ، جعلت موارد البلاد نهباً بيد العملاء والمرتزقة الذين عبثوا بها واستأثروا بها وأكلوها وتمولوا بها وتكسَّبوا وأنشأوا البنايات والفلل في تركيا وفي القاهرة وفي عواصم عربية وإقليمية أخرى ، لقد سحقت- بالغارات وبالحصار- شعبا بأكمله ، فعلت المنكرات والفظائع على امتداد السنوات التي مرت منذ مارس 2015م ، وتسببت بهذه المأساة التي يتحدث عنها المبعوث غريفيث.
القائمة تطول عن جرائم الدمار والقتل والفتك والفساد التي مارستها أمريكا على رأس تحالف العدوان على اليمن ، ناوبت أمريكا بين العناوين والشعارات وبين الوسائل والأدوات والأسلحة ، وزعت الأدوار بين الوكلاء والعملاء ووضعت لكل منهم دوره في القتل وفي التدمير وفي السرقة، هذا الفصيل له موارد النفط في مارب ، والآخر له البنك المركزي وإيرادات البلاد ، وآخرون لهم البحر بما فيه من أسماك وألوان وأشكال ، وهكذا حوّلت اليمن إلى منهوبة مسلوبة بالقوة وبالإكراه ، لقد فعلت أمريكا هذه الجرائم وسكتت عنها الهيئات الأممية والدولية، وإن تحدثت فعن الضحايا لا عن الأسباب التي أودت بهم ، فهذا مارتن غريفيث يتباكى ويذرف الدموع على المأساة التي حلت باليمنيين لكنه يضلل على الناس ويغطي على المجرم في الحقيقة.
فشلت أمريكا وأدوات أمريكا ومرتزقة أمريكا، هُزِمَ وكلاؤها في المنطقة وفشلوا، اندحرت أذرع الإرهاب التي زرعتها أمريكا وذخرتها لإسقاط المدن اليمنية، انخرطت أمريكا في العدوان مباشرة بالطائرات والبارجات والمخابرات، بالخبراء والقبعات والتكنولوجيا الحديثة ، فرضت أمريكا حصارا مطبقا على الموانئ والمطارات والمنافذ ، قرصنت أمريكا سفن الوقود والأغذية والأدوية ومنعت وصول الحاجيات الأساسية إلى اليمن ، منعت الرحلات الجوية من الطيران وأغلقت المطارات في وجوه المرضى والمسافرين والعالقين، وأحدثت بفعائلها أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ ، وعلى رغم شهادات الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات والمسؤولين الأمميين والعالم بأجمعه ما تزال أمريكا تمعن في إجرامها وتمنع عن الملايين غذاءهم ودواءهم وضروريات العيش والحياة لهم ، هذا التجويع والحصار والقتل هو السلاح الذي بات عرفا ونهجا يحكم به الأمريكيون شعوب العالم ويخضعونها ، وهو الذي خلق أسوأ أزمة إنسانية في القرن الحديث.
الوقاحة والفجور المكشوف الذي مارسه الأمريكيون ويمارسونه علنا، وما ورد على لسان المندوب الأمريكي يثير القرف والغثيان والمقت والغضب في آن، إن الأمريكيين يقتلون الناس ويجوعونهم عمدا ثم يتحدثون عن المأساة التي صنعوها بفعائلهم ويذرفون دموع التماسيح ، إن أمريكا هي المجرم والقاتل وهي الفاعل المباشر والرئيسي لهذه المأساة ، عليها وقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن، على المبعوث الأممي والأمم المتحدة أن ينحازوا للحقيقة بعيدا عن التلبيس والمغالطات والكذب السمج والإنسانية المزيفة والمتاجرة بها.

قد يعجبك ايضا