فقيدنا وفقيد الوطن البروفسور عبده علي عثمان

 

عبد الباقي نعمان

يوم الاثنين 21 ديسمبر 2020م. غادر دنيانا فقدينا الغالي البروفيسور والمناضل “عبده علي عثمان”- رحمة الله تغشاه- بمنتهى الهدوء.. غادر في غفلة المعنيين بالشأن الوطني والشأن العام.. وفي غفلة أيضاً من الإعلام الوطني ووسائله؛ فتحولت مشاعر الحسرة على مرضه طوال تسعة أعوام دون التفاتة عناية بعلاجه من الجهات الرسمية تليق بمقامه ومكانته ودوره الوطني؛ تحولت مشاعر الحسرة إلى أسى عليه وعلى قيم نبيلة كنا وما نزال نعول عليها إزاء حالة الفقيد حتى في مثل هذه الظروف الصعبة التي نمر بها أو تمر بنا شعباً ودولة؛ وتتعمَّق مشاعر الأسى على فقيدنا بالإحساس بالتقصير والتجاهل الذي لقيه.. طوال سنوات مرضه.
عُرف عن الفقيد- رحمه الله- أنه كان ناشطاً ومشاركاً فاعلاً في المجال العام المتصل بالشأن الوطني؛ وكان حاضراً سواءً في مواصلة اشتغاله بالبحث العلمي المتعلق بعمله الأساسي- رغم تقاعده- وفي نضاله السياسي في إطار حزبه والقوى السياسية المتصلة بالقضايا الوطنية.. ويقول عنه عارفوه أنه كان كعادته منذ ريعان شبابه؛ فاعلاً ومتفاعلاً مع الأحداث؛ ومثابراً في العمل مع رفاق العمل ورفاق النضال؛ ومع الناس ومن أجلهم؛ ومن أجل الوطن؛ ووحدته وسيادته واستقلاله ونهضته؛ ويذكرون من خصاله: أنه كان محاوراً جيداً وذا قدرة على إدارة المناقشات واختلاف الآراء والوصول إلى حلول يتفق عليها؛ ولذلك يحظي باحترام وقبول مختلف الأطراف المتابنة أو المتعددة المشارب والآراء عند عقد لقاءات بها؛ في مختلف الأطر والظروف.
في اعتقادي هناك محطتان في مسيرة حياة فقيدنا وفقيد الوطن؛ أولاها: أنه حمل السلاح مقاتلاً من أجل الوطن مرتين:
* عندما التحق فدائيّاً في حركة النضال الوطني لتحرير جنوب الوطن اليمني ضد الاحتلال البريطاني.
* أثناء حصار السبعين على عاصمة الثورة والجمهورية “صنعاء” الذي شكل مع المناضلين عمر الجاوي ومالك الإرياني والشهيد جارالله عمر وآخرين- رحمة الله عليهم جميعاً- ما عرف بلجان المقاومة الشعبية؛ التي لعبت دوراً في تأمين سكان صنعاء بالمسلتزمات المعيشية وبتوفير السكينة العامة مع قوات الشرطة؛ وحماية ظهر المقاتلين من القوات المسلحة المرابطين في جبهات القتال؛ في مواجهة قوات الملكية والمرتزقة الأجانب المهاجمة والمحاصرة للعاصمة صنعاء من مختلف جهاتها.
وثاني محطة مسيرة حياته:
تتمثل في جملة من المهام والأعمال الوطنية التي بذل وثابر بجهوده مع آخرين لإنجازها أثمرت نتائج مشهودة وباهرة؛ في مسار تحقيق نهضة شاملة للدولة والمجتمع معاً للقضاء على تركة التخلف الموروث من النظام البائد؛ وتتلخص بالاتي:
* الإسهام والمشاركة في إنشاء جامعة صنعاء؛ واستكمال إنشاء كلياتها وأقسامها؛ وإنشاء كليات في المحافظات تحولت لاحقاً إلى جامعات.
تخرج منها عشرات الآلاف طوال العقود الماضية؛ الذين التحقوا للعمل في أجهزة ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص؛ وأسهموا في تحديثها.
* والمشاركة في توجيه الجهود المجتمعية في العمل على إشراك المجتمع المحلي؛ وحشد طاقاته وإمكانياته المتاحة نحو تعويض حرمانه من خدمات المشاريع الأساسية في مجالات؛ التعليم والصحة؛ وشق الطرق لتسهيل انتقال السلع والمنتجات والسكان؛ وتوفير مياه الشرب النقية.. وبعد إنشاء الاتحاد العام لهيئات التعاون الأهلي للتطوير عام 1973م.؛ أسهم الفقيد مع قيادة الاتحاد في تنفيذ برامج دعم وتشجيع تكوين هيئات التعاون الأهلي للتطوير في مختلف ما كانت تسمي حينها؛ بالنواحي والقضوات في شمال الوطن؛ بالإشراف على تكوينها بمشاركة أهالي في انتخاب هيئاتها الإدارية؛ والعمل على تزويدها باللوايح المنظمة لعملها إدارياً ومالياً؛ وتقديم ما يلزمها من مساعدة فنية لوضع وتنفيذ خططها المحلية علاوة على تقديم الإعانة والدعم المالي من الموارد التي اعتمدتها الحكومة لصالح هذه التعاونيات بنظر الاتحاد.
وساهم الفقيد بجهده العلمي بدراسة هذه التجربة التنموية الشعبية ومنجزاتها ونشر العديد من الدراسات حولها؛ فضلاً عن دره في تعريف المنظمات الدولية بالتجربة أثمرت نتائج طيبة لصالح التجربة.
* الإسهام مع الجهاز المركزي للتخطيط؛ أثناء إعداد الخطة الخمسية الإنمائية الأولى 1976-1981م.؛ بإعداد وتدريب طلبة قسم علم الاجتماع بالجامعة؛ لإجراء مسوحات وبحوث ميدانية لجمع معلومات كانت لازمة لإعداد الخطة الخمسية.
هذا علاوة علي ما سبق إعداد الخطة بإشراك طلبة الجامعة بعد تدريبهم للعمل كمشرفين ومعاونين ميدانيين لتنفيذ أول تعداد سكاني عام أجري عام 1975م. للسكان والمساكن في شمال الوطن.
* إعداد دراسات تقيييمية لمنجزات هيئات التعاون الأهلي للتطوير؛ خلال سنوات الخمسية الإنمائية الأولى والثانية التي شارك الأستاذ أحمد الحربي في إعدادها؛ وذلك بتكليف من الجهاز المركزي للتخطيط.
* تشجيع العشرات من ضباط القوات المسلحة والشرطة والأمن؛ للالتحاق بجامعة صنعاء لاستكمال تأهيلهم العلمي؛ بتقديم التسهيلات اللازمة.. وقد تخرج معظمهم وواصل آخرون منهم حتى نيل الماجستير الدكتوراه.
* لسنوات عديدة كنت أشاهد الفقيد- رحمة الله عليه- يتردد على الاتحاد العام- حيث كنت أعمل- للحصول على بيانات ومعلومات عن منجزات الهيئات التعاونية؛ وكان يستفيد منها في إعداد الدراسات والأبحاث المنشغل بها؛ وفي إحدى زياراته أخبرني وهو ممتن من الأستاذ صادق أمين أبو راس الذي سيزوده بنسخة من وثيقة ” قاعدة السبعين” التي تعد دستور الأعراف القبلية اليمنية التي قال أنه ظل سنوات يحاول الحصول عليها؛ ورجوته أن أحصل على الدراسة التي سيجريها على الوثيقة بعد إنجازها؛ وما أزال منتظراً.
هذا ما عنَّ لي ذكره عما سمعته وعرفته عن الفقيد؛ بالله عليكم رجل بهذه العزيمة في البحث العلمي وفي النضال الوطني والسعي الدؤوب مع الآخرين أمثاله لبناء وطن ومؤسسات دولة حديثة يسودها النظام وحكم القانون افنى في سبيل ذلك معظم سنوات عمره بكل ما ينفع الناس؛ يغادر دنيانا بصمت الزاهدين ؛ رغم أن طول فترة مرضه كانت تنبيهاً لكل نابه لعمل ما ينبغي تجاهه قبل رحيله.
مطلوب الآن من محبيه ورفاقه وزملائه أن يتعاونوا لجمع ودراسة نتاجه العلمي ونشره ليكون تعويضاً نفسياً وعزاء يخفف أو يبدد الأسى على فقده؛ رحمة الله تغشى روحه الطاهرة.
الفاتحة إلى روحه.

قد يعجبك ايضا