منصور جعيل.. حين تحضر الومضة في أبهى تجلياتها

 

يحيى يازلي

ليس أدل على قوة الإبداع من أنه لا يشبهه من نظائره شيء.. وهناك مبدعون تميزوا إلى حد الإبهار والإدهاش، إلى حد أنه لا يملك القراء إزاء إبداعاتهم إلا أن يقولوا: إنما سُكّرت أبصارنا.
أشكال الشعر ثلاثة: عمودي، وحر بشقيه التفعيلة والمدور، وقصيدة النثر..
منصور جعيل..
يعسوب النص النثري الحديث، أو الومضة أو التوقيعة أو الهايكو، إذا جازت التسمية.. عرفته من خلال موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، منذ ست سنوات تقريبًا، من خلال منشوراته البديعة، التي هي عبارة عن نصوص قصيرة مزيج بين الشعر والنثر.. ويمكن وصفها بالطراز الرفيع، ووصف أسلوبها بأنه تناول وسيط بين التنبؤ والخيال.
هو شاب من (الرُّجُم) – المحويت، عاش في صنعاء.. اغترب خارج الوطن.. تعلم الجفر .. أولع بالعقيق.. درس الطب البديل.. شخص هادئ.. قلق معًا.. رصين مشاكس معًا..
نشر كتاباته من خلال موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك… كتاباته عبارة عن منشورات لا تزيد عن أربعة أسطر.. وهي نوع إبداعي جديد، بإمكانك وصفها بالجفور … جمع جفر … أو شعر أو نثر… لأنها تحمل ملامح كل ذلك.. إنها أشبه بالكتابة على الرمل.. وبقراءة الفنجان.. قراءة الكف.. وهو حين يكتب نصه أشبه ما يكون بعالم في الطب النفسي، يستنطق سيرة الإنسانية بالإيحاء المغناطيسي.. هو أشبه بساحر.. لا إنه شاعر.. أشبه براهب.. لا إنه قديس..
قبل أن أتحدث عنه أريد أن أضع تمهيدًا عن قصيدة التوقيعة أو شعر (الهايكو) لكي أثبت أنه متفوق على مبدعين كبار.. وبدون مقارنة طبعًا، فيكفي الاطلاع على نصوصه..
هذا هو زمن الومضة أو اللحظة أو التوقيعة أو هذا هو زمن الهايكو… الهايكو نوع من أنواع الكتابة الإبداعية، منشؤه اليابان.. يتميز بالاختصار والإدهاش والإيجاز في التعبير عن شيء في الأعماق بكلمات قليلة وأسطر لا تتجاوز أربعة سطور أو قريبًا منها..
إن التعبير عن مفهوم الهايكو ذاته يخلق هايكو آخر أجمل وأكثر اختلافا، فكلما حاولت إيصال مفهوم الهايكو إلى الآخر وجدت نفسك ترسم مشهدًا بديعًا جديدًا من الجمال والحيوية والسحر والدهشة.
جرِّب أن تجمع تعريفًا له من عدد من المهتمين أو المبدعين في فن الهايكو.. ستجد أنك إزاء مجموعة من النصوص البديعة..
لا تستطيع منح الهايكو مفهومًا محددًا، إنه السهل الممتنع العصي على التأطير أو الحصر، وتكون القدرة على إظهاره نسبية، بحسب الرسوخ في ملكاته بالنسبة للناقد، وتكون القدرة على كتابته نسبية بحسب الرسوخ في الجمال..
ليس من السهل التعبير عما في الأعماق إذ الأعماق غويرة.. بأقل الكلمات، فانتزاع المعاني من أعماق القلب شبيه باصطياد اللؤلؤ والمرجان من أعماق البحار… يتطلب مهارة عالية في الغوص ورئة قوية قادرة على مقاومة المد والجزر والضغط لأطول فترة ممكنة، تحت أعماق البحر وخبرة، بالإضافة إلى موهبة في انتقاء المحارات والأصداف ذات النوعية النادرة والجميلة..
التعبير عن المشاعر أو المشاهد بإيجاز وتكثيف وكلمات قليلة ومناسبة لا يجيده إلا مبدع.. فما بالك لو كان عبقريًا؟!!
الموهبة تكمن في امتلاك أدوات الكتابة الشعرية، والإبداع يكمن في ممارسة الكتابة الشعرية والثقافة.. فالممارسة تصقل والثقافة تقوي… وفي كليهما يكمن التميز.
حين نتكلم عن القراءة والثقافة يخطر ببالنا صورة الكتب.. هذا هو المطلوب.. لكن ماذا لو أضفنا مصدرًا آخر للثقافة؟!!.. ماذا لو كانت الحياة برمتها هي أم المصادر؟!!.. في الحقيقة إنها المصدر الأول للإيحاء..
لو سألت شاعرًا ما عن مفهوم جديد عليه.. وقلت له مثلا: ماذا يعني مصطلح بيولوجيا؟ ثم أجاب على سؤالك وأعطاك معناه مع أنك متأكد أنه لا يعرفه إطلاقًا، فماذا سيكون ردك؟.. بالتأكيد ستقول له: يا لك من ملهم..
أستطيع أن أقول بكل ثقة: إن منصور جعيل كاتب ملهم.. ولو سألته عن مفهومه لأي شيء لأجابك… ما عليك إلا أن تدعه دقائق، ليتربع على عرش مزيج من الخيال والواقع، لتلد للتو المفارقة، حينما يمتشق جعيل القلم والورقة أو الكيبورد، فاتركه يصول ويجول قليلا وسيأتيك بما تريد، من الوحي قبل أن تقوم من مقامك.. لا بل قبل أن يرتد إليك طرفك.
إنه يمسك بالكيبورد ويستنطق حروفه وكأنه يمسك، إذا جاز التعبير، مرآة النسور.. ومرآة النسور في الثقافة الشعبية تذكر لوصف الشخص الخارق الذي لديه القدرة على معرفة أشياء غيبية.. إنه باختصار متنبئ..

نماذج من نصوصه الأخيرة:
(١)
الأحجار
أثناء اكتشافها وارد جدا حدوث الشجار
الكريمة
كل ما في الأمر ندرة.. لذلك عالي القيمة.
(٢)
السرقة
سهلة جدا لكن بيعها من الأمور الشاقة
والافتضاح
كلهم سيعرَف هذه المصاغ تعود لوضاح
(٣)

سورة المنافقين
خصص لهم المبين سورة لدورهم الخبيث بحيث ينام أعداء الإسلام بفضلهم مطمئنين
سورة بني إسرائيل
أيضاً أفرد المولى – عز وجل – لهم سورة لكي نعد لهم الرجال بالاستراتيجي والمحرم والثقيل..
(٤)
الردود
تنقسم لاثنين.. القوة المج
وقلة، وإقامة السدود
الجاهزة
وعند التشاورات أقروا عن مواجهتنا عاجزة
(٥)
مدرسة
حرفت مسيرة التعليم بشوية كوميديا
المشاغبين
هم أراجيز وبخيوطها الكبار لاعبين

المغترب
……. حالياً مصاب بنوع من أنواع الجرب
اليمني
……. من الحكمة.. لا تحتك بي، ولا تجالسني.

 

قد يعجبك ايضا