الشاعرة /صمود اليمن .. امرأة ثورية تدفقت مزنها الشعرية

 

عفاف محمد

“جهاد القوافي ” الشعر يعد ترجمة راقية للشعور بأسلوب مرتَّب ومنظَّم وقدرة على توظيف الكلمات في قالب نصي ملفت وصنع الصور البديعة والمختلفة والعميقة وتركيب المعاني القوية واستيعاب واختزال جماليات البلاغة الأدبية دون الحشو أو التكلف. وفي داخل كل إنسان منا شاعر بطبيعته ومشاعره لكن تختلف القدرات في فتح المجال لذلك الشعور بأن ينطوي ضمن أساسيات الكتابة للنص الشعري ونظمه وتنسيق قافيته.. نحن وإياكم سنسلط الضوء على شاعرة معاصرة للأحداث خطت بأسلوبها المنمَّق والمهذَّب أروع الصور الشعرية ،هي مجاهدة اختارت لنفسها اسماً من وحي آية الصمود وسر الثبات لهذا الشعب العظيم والوطن الغالي لتوصل عبره رسائلها من خلال نصوصها الشعرية . بدأت تضخ موهبتها الشعرية منذ أيام دراستها الإعدادية والثانوية ،  وقد كانت شغوفة حينها بالشعر والأدب ، استهوت شاعرتنا بديع القصائد ولفتتها المدهشة والعميقة منها. كانت تحاول كتابة الشعر في فترات متباعدة وكانت تميل للمواد الأديبة وعلاقتها جيدة باللغة العربية ،انسجمت مع النحو والبلاغة والأدب بشكل عام. وتقول: إن بدايتها الحقيقية مع كتابة الشعر كانت في تزاحم التعابير داخلها  حين كان المرض يفتك بجسد والدها الغالي عليها ” رحمة الله تغشاه “فترجمت تلك المشاعر في قالب شعري بسيط ومؤثر ، طبع من صميمها، ممتلئ بالحزن والألم العميق، امتزجت فيه  دموعها الحارة،  وكلماتها الصادقة ، لكن ما لبثت أن تاهت مني تلك الفسحة الشعرية بعد وفاة والدي رحمه الله. كانت شاعرتنا الملقبة بـ “يمن الصمود ” تتمعن في النصوص الشعرية ويشدها أكثرها إبداعا وتميزا وإثارة للدهشة والإعجاب، وكانت تشعر ان كل النصوص الشعرية القوية موجودة بداخلها وأن لها  بها علاقة قوية، وتعرفها حق المعرفة ،كونها منسوخة من أسلوبها الراقي،  وكانت تتعمق في تأملها والتركيز عليها . وحين بدأ العدوان الغاشم على يمن الحكمة والإيمان كانت الشاعرة الصامدة مثل الكثير ممن ازدادت قريحتهم اشتعالاً وجادوا بأبلغ وأفصح القصائد التي انبجست من انفسهم العصية مثل بيئتهم،مثل نهر دفاق ، معبرين عن ولائهم للوطن،حيث وقد  استثار العدوان  السافر وبشاعته ووحشيته  مشاعرها  وهاجت الشاعرية فيها  لتترجم جزءاً من ذلك الشعور والإحساس الذي كانت تحاول ترجمته شعرا ويكون موضوعه رسالة تعبر بها عن دورها وواجبها في مقارعة هذا العدوان ولو بالكلمة . فمن منا لم يتألم لتلك الجرائم والمجازر البشعة  ومن منا لم ينتش فخرا وعزا لتلك الانتصارات العظيمة التي كان ولا يزال يسطرها رجال الله على مدى خمسة أعوام من المواجهة والتصدي  لهذا العدوان الغاشم. وقد كانت أولى كتاباتها  الشعرية في هذا المسار الجهادي قصيدة عنونتها بـ “أعتز بأني يمنية” عبرت فيها الشاعرة عن اعتزازها  بهويتها  اليمانية الإيمانية وكيف جععت  النساء المجاهدات قضية واحدة مدافعات عن عزة الوطن  الغالي وتقول كلمات القصيدة : أعتز بأني يمنية.. وأواجه حرباً كونية أحمي وطني الغالي بدمي… وأجسد معنى الوطنية من كل مكان في بلدي… وبكل مذاهب دينية من عدن أو صنعا إني … أحمل روحا إيمانية من عدنان شريفٌ نسلي… أو كنت انا قحطانية إني شيعية ..زيديه… وأحب ثبات السُنية يجمعنا عدل قضيتنا… ومسيرتنا قرآنية فرجال بلادي نيرانٌ  وأنا حِممٌ بركانية الكل رجال في وطني… في جبهات ميدانية وقليل جدا ليس لهم…. غير صفات ذكرانية وضعاف نفوس خاضعة لوحوش قوى علمانية سأمثلُ بأسكَ يا يمني… ويقولوا بَأسُ يمانية وسأجعل حلف عواصفهم… يعصفهم بالميزانية وسأدعم جبهات صمودي.. بالمال وإخلاص النية مالي وقوافلَ من أهلي…. وبكل مواد عينية لن نستجدي عطف عدوٍ… لن نستجدي الإنسانية الكل يعادينا صمتا….. دون جنوب اللبنانية والكل سيدرك قيمتنا…. وسيعرف معنى اليمنية وتم بثها على الهواء مباشرة  وبصوت المذيع المتألق والأستاذ القدير عبدالله الحيفي في برنامج “واجمع شورهم” على إذاعة “سام إف إم”، وكان الأستاذ الحيفي من أول مشجعيها حيث  استمر في قراءة قصائدها  وتشجيعها  على الكتابة عبر  برنامج “يمن الصمود” على اذاعة صنعاء وكان لهذه المبادرة الطيبة الدافع الكبير لها  للاستمرار في الكتابة والسعي للإبداع والتميز أكثر . وتوالت كتاباتها  وتنوعت لمواكبة كل الأحداث  والانتصارات العظيمة  في ميادين المواجهة لتكون صوتا جهاديا يوصل رسائل المجاهدات شقائق الرجال  ويعبر عن عن عزة وكرامة هذا الشعب العظيم وتحديه وثباته المنقطع النظير في مواجهته لهذا العدوان. ومن الأعمال المنشدة والملحنة لها أربعة عشر عملاً.. أولها كانت البداية الموفقة ببركة السيدة  فاطمة الزهراء عليها السلام في ذكرى مولدها بعمل متميز في أنشودة “إنا اعطيناك الكوثر”  ولكلمات هذه الإنشودة معنى خاص في قلبها  حيث أن لها سراً عظيماً يسكن وجدانها  ويربطها بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ،وقد تم إنشادها بصوت المنشد القدير  “ياسر المطري” الذي لحن وانشد لها عملين آخرين من كلماتها وهما انشودة” هيئ نفسك بالإيمان” وأنشودة “عيدكم مبارك” وقد تألق فيهما الأستاذ ياسر المطري كعادته وجعل كل من يسمعه يترنم بصوته والكلمات ويتساءل ترى لمن تكون هذه الكلمات البديعة ؟!. ولشاعرتنا أيضا ثلاثة أعمال فنية من أداء فرقة الشهيد القائد وهي أنشودة “نشيد الشوق” وكانت بمناسبة أسبوع الشهيد.. وتقول في مطلعها : ردد نشيد الشوق للعظماء وأقرأ ورتل آية الشهداء لا تحسبن بأنهم قتلوا ولا ماتوا فهم حقا من الأحياء هم عند ربك يرزقون كرامة يستبشرون بنا لنيل عطاء سكبوا تراتيل البطولة عزة صنعوا الكرامة من أجل دماء….. …. وأنشودة “الرئيس الشهيد صالح الصماد” في الذكرى الأولى لاستشهاد الرئيس الشهيد صالح الصماد: سلاما يا أبا الفضل سلاما وروحك تملأ الدنيا ابتساما سلاما صالح الصماد يا من بالاستشهاد عمَّدت الختام تحن إليك صعدة في اشتياق وتسأل عنك في (صنعاء) مقاما صلاة واشتياقا بل حنينا سلاما يا أبا الفضل سلاما…. …. وأنشودة “جهاد وعطاء “في ذكرى استشهاد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -سلام الله عليه- والتي كانت أنشودة متميزة من أداء فرقة الشهيد القائد وهي جزء من قصيدة كتبتها في ذكرى استشهاده : لبتْ حُسين البدر َ روحي َ تهتفُ ترجُوهُ..عُذرا للدموعِ يُكفكف ُ لبيكَ قَائدنا الشهيدَ ولاؤنا عهدٌ على الأنصارِ لنْ يَتخلفوا فالعز أسفرَ مِن دِماكَ كرامةً والنصرُ لاحَ مع الشعارِ يُرفرِف ُ ومسيرةُ القرآن أضحى نهجُها نُورا  وهدياً( بالملازمِ) يُعرف ُ هل نرتجي عِزا ودونكَ لم نكُن إلا عبيداً بالمذلةِ أسرَفُوا هل نرتجي فضلاً ولولاكم لنا لتسمرتْ قدمٌ وأُخرى ترجُف ُ عشنا الضلالَ  مع الخضوعِ مذلةً كُنـــا بأمريــكا نقـــولُ ونحلِف ُ فجئت من أقصى الكرامةِ صارخا اللهُ أكبــــرَ بالشعارِ تُــشنِف ُ وصرختَ موتاً للطغاةِ ولعنةً هيَ لليهودِ بِما عَصْوا وتَخلفوا والنصرُ للإسلامِ كُنتَ سبِيلــهُ كُنتَ النفيرَ بوجهِ من  يستنكِف ُ فأتى الطغاةُ ليطفُئوا نور الهُدى والنورُ فــيكَ ومــنكَ لا يتوقف ُ في جرف مرانَ الحُسينِ تجددتْ أرضُ الطفُوفِ وبالأسى تتلحَف ُ يا سيدي يا قائدي روحي الفدى بِكَ عزّت الُلقيا وشوقي مُسرِف ُ يا ليتني حَجَراً بقُربكَ لامستْ يُمناكَ أو جُرحاً بجِسمِكَ ينزِف ُ يا ليتْ نفسي أن فَدتكَ كرامةً كمْ عاتبتني كم لها اتأسف ُ مهلاً وصبراً يا ابن بنتِ المُصطفى هيَ كربلاءُ العصرِ فِينا تعصِف ُ فَيزيدُ عادَ لِقَتلِ آلِ مُحمدٍ وحسينُ روحِك بالفِدا تتشرف ُ يا أيُها العَلمُ المُجاهدُ باذِلاً روحَ العطاءِ وبالشهادةِ يهتِفُ لبيكَ يا رباهُ خُذ من مُهجتي عزماً ومن روحي هُدىً يُيستنزَفُ خُذني شهيداً خُذْ دمائيَ رفعةً للمسلمينَ وللكرامةِ تُسعِف ُ أحُسينُ هل ساقتكَ يا علْم الهُدى حللُ الطهارة والهدايةُ مصحف ُ؟ هل كانَ للبدرِ المُنيرِ ولادةٌ حتى انبريت بنورهِ تتألف ُ؟ صلتْ عليكَ( ملازمٌ) من هديها ضج الطغاةُ أتوا ضريحكَ يقصِفوا صلتْ عليك دورُسُ هديٍ لم تزلْ مشكاةَ نُورٍ للضلالةِ تجرِف ُ صلى عليك النصرُ حينَ ترى بِنا للدين نصراً للذين استُضعِفوا كمْ كُنتَ في صدرِ المسيرةِ قائداً كمْ عُدتَ فينا والثباتُ مواقف ُ   كم واجهت مِنكَ الكتائبُ زحفَهُم تِلك القُوى وهنتْ وعزمُك مُترف ُ سيراً إليكَ مضيتُ أُنجِزُ بيعتي في درب عزٍ بالدماءِ مُزخرف ُ أنت الدليلُ إلى الخُلودِ مُعبِداً درب الشهادةِ للذين بِك اقتفوا مِنا السلامُ جرى لروحك باعِثاً صدق الوفاءِ  ومن دِمانا ينزِف ُ وقد رتَّلت شاعرتنا في تلك القصيدة أروع آيات الإبداع وكلَّلت الشهيد بأبلغ العبارات التي تتلألأ في مقامه الكريم .. ولها أيضا عملان مسجلان من أداء المنشد اسامة الفران أنشودة “زهراء سيدتي” وأنشودة “عادكم بالنصر”. وكانت لها بصمة في الزامل الشعبي، أي أنه لم يقتصر أداؤها على الشعر الفصيح، بل ابدعت في الشعر الشعبي وذلك في كلماتها لزامل انشده المنشد حمزة الطالبي ، كما شاركت شاعرتنا في يمن الصمود  بثلاثة اوبريتات هي أوبريت “اهلا ببضعة أحمد” وأوبريت “القدس قضيتنا الأولى” وأوبريت” ربيع الهدى” وآخر قصائدها الملحنة كانت الأنشودة الرائعة “رفعت إليك كفي” وهي مناجاة روحية تألق بها المنشد الكرار السراجي . “وتتميز قصائد الشاعرة بانسجامها وتناسقها ومناسبتها لتكون أعمالاً منشدة كونها تحب الإنشاد وتطيل التأمل فيه وترى انها توصل به رسالتها لتكون الصوت الناطق باسمها وباسم كل مجاهدة “. وفي رحاب أرباب العطاء شهدائنا العظماء كتبت كلمات من وحي العظمة ومبعث العزة والإفتخار ومن بوح الحنين لشهدائنا العظماء تساؤلات تقف خجلا وتتوقف خشوعا ومهابةً في حضرة المناجاة لأرواحهم الزكية وهم أحياء عند ربهم يرزقون وتقول في *في ركاب اللاحقين*: هَل أتَاكُـمْ أيُّهَا الشهَدَاءُ مِنْ أنّبَائِنَا حَينَ لاحَ النّصرُ فِينَا مِنْ عَطَاءِ دِمَائِكُمْ هَلّ أتَاكُمْ أيُّهَا الشُهَدَاءُ مِنْ أشْوَاقِنا فَاضَ دَمْعُ الوَجّدِ شَوْقاً فِيْ حَنِينِ لِقَائِكُمْ هَلّ أتَاكُمْ أنَّ أبنَاءً لَكُمْ أبنَاؤنَا أنَّنَا نَسعَى لِنَيلِ البِرّ مِنْ أبآئِكُمْ هل أتَاكُمْ أنَّ أُمّاً للشَهيدِ غَدتْ لَنا خيرَ أُمٍ فِيْ سَبِيلِ اللَّهِ قدّ جَادتْ بِكُمْ هل أتَاكُمْ كَيْفَ أنَّ العزّمَ فِيْ جَبْهَاتِنَا مِنّكُمُ لاَ زَالَ مُمْتَداً بِعزّمِ جِهَادِكُمْ هَل أتَاكُمْ والكَرامْةُ فِيْ عُرُوقِ دِمَائِنَا نَبْضُهَا مِنْ كُلِّ نَزْفٍ سَالَ مِنْ شِرْيَانِكُمْ هلّ أتَاكُمْ أيُّهَا الشُهَدَاءُ عَهْدُ وَفَائِنَا أنَّنَا نَمْضِيْ بِدَربِ الحقِ فِيْ آثَارِكُمْ هلّ أتَاكمْ أنّنَا بَذلَاً بِدربِ جِهَادِنا في رِكابِ اللاحِقينَ على هُدى خُطُواتِكُمْ هل اتَاكُمْ فِي جِنانِ الخُلد طِيبُ سَلامِنا وصلاةٌ عِطرُهَا شَوقٌ إلى أروَاحِكُمْ .. وفي خطفة سريعة نحن وإياكم أعزاؤنا القراء تنسمنا عبق حديقة شعرية لزينبية أصيلة، سخرت موهبتها ووقتها وجهدها لخدمة دينها ونصرة المستضعفين، إنها شامخة ثابتة على درب مصابيح الهدى وسفن النجاة من آل محمد ،وقد أكدت شاعرتنا من خلال أعمالها انها  زينبية  الموقف والثبات، فاطمية المبدأ والمنشأ ،ثائرة مجاهدة،  مجندة في درب المسيرة القرآنية المباركة، باعت نفسها من الله وتجندت في سبيله لتذود بما استطاعت عن العرض والأرض.

قد يعجبك ايضا