جامع زبيد الكبير بين الإزدهار والإندثار

 

الشيخ/ أحمد محمد فداوي *
الحمد لله وبه الإعانة والصلاة والسلام على المظلل بالغمامة وعلى آله وأصحابه ذوي الاستقامة من عبق التاريخ وماضيه التليد منذ عصور الإزدهار العلمي وحتى مرحلة الإندثار الثقافي كان لهذه المدينة زبيد مكانتها عبر هذه العصور المختلفة في جميع مجالات الحياة العلمية والسياسية والأدبية لهذا كانت زبيد محط أنظار الباحثين العرب والأجانب وشكلت بدورها صورة صادقة عن التقدم الحضاري والعلمي في العصر الإسلامي (زبيد) سُميت زبيد باسم الوادي الذي سُمي باسم قبيلة زُبيد (بالضم) وسمي الوادي باسمها بفتح الزاي نسبة إلى رافد من روافده بالسحول في محافظة إب يسمى زبيد وتسمى قديماً بأرض الحُصَيْب بالتصغير نسبة إلى الحصيب بن عبدالشمس.
وتقع زبيد في سهل تهامة الغربية وتبعد عن البحر الأحمر ثلاثين كيلو متراً وعن الجبل ثلاثين كيلوا متراً.
وتعتبر زبيد قصبة اليمن الأسفل ولها من المنافذ البحرية البقعة التي نزل بها معاذ وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما وبناء غلافقة والأهواب والمخا، وسوف نتحدث عن الفازة ومكانتها ومكانة مسجدها المبارك ولكن أولاً نقول أثبتت الحقيقة التاريخية أن زبيد لبت الدعوة الإسلامية آخر العام السابع دخول العام الثامن الهجري برئاسة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري وإخوانه أبي رهم وأبي بردة وستة وثلاثين نفراً من الأشاعرة فقال عليه الصلاة والسلام بارك الله في زبيد (ثلاثاً) فقال القوم الأشاعرة الساكنون برمع؛ ورمع يا رسول الله فقال بارك الله في زبيد بارك الله في زبيد بارك الله في زبيد ورمع في الثالثة ولهذا عرفت من البقاع المرحومة التي حظيت بدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا دليل على قدم زبيد قبل الإسلام.
وقال رسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ عندما بلغه قدوم الوفد اليمني الأشاعرة: ((أتاكم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يماني والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والوقار والسكينة في أهل الغنم)) قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى هذا ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم.
زبيد إحدى المدن على ضفة الوادي زبيد والتي سميت زبيد باسم الوادي.
حين قدم الأشعريون لتلبية الدعوة في العام الثامن الهجري وبرئاسة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وتأسيسه أول مسجد بها حمل اسم قبيلة الأشاعرة وظل الأشاعرة يرعونها وظلوا في اقتتال حتى عام 204هـ قدم محمد عبدالله بن زياد فاختطها عسكرياً من قبل المأمون بن هارون الرشيد وأصبحت عام 205هـ عاصمة لأول دولة إسلامية في اليمن ومن ثم دخلت في معترك الصراع السياسي والصناعي والعمراني التي ضمت أحياء متفرقة كان لها دورها قبل الانحطاط وبعده وأصبحت تضم الجميع أربعة أحياء أو حارات وهي.
أولاً: ربع المجنبذ ويسمى مجنبذ الملك نسبة لموقعه بمقر دولته.
ثانياً: الربع الأعلى، المسمى الحصيب نسبة إلى الحصيب بن عبد شمس الذي سميت زبيد قبل الإسلام.
ثالثاً: ربع الجامع نسبة إلى الجامع الكبير.
رابعاً: ربع الجزء لموقعه في الجزء الجنوبي الغربي للمدينة.
السور والأبواب:
أول من سوَّر مدينة زبيد وأبوابها الحسين بن سلامة في القرن الرابع الهجري بعد غزوة علي بن الفضل على صنعاء وزبيد سنة 393هـ عمل الوزير الفاتكي بالقرن الخامس الهجري أدار عليها سوراً ثانياً وحفر الخنادق منعاً من غزوات علي بن مهدي على الدولة النجاحية الثانية ثم عبدالنبي علي بن مهدي أدار عليها سوراً ثالثاً، ثم طغتكين بن أيوب أدار عليها سوراً رابعاً سنة 589هـ.
وفي سنة 791هـ جدد البناء الملك الأشرف الثاني إسماعيل الرسولي وحفر الخنادق، وفي عام 899هـ أمر الملك عامر بن عبدالوهاب بعمارة ما تخرب من السور.
وفي سنة 1045هـ آخر الحاكم التركي الأول قدم الإمام الحسين بن المنصور بن القاسم لحصار زبيد وهدم أسوارها الأربعة وبقيت بدون أسوار سوى الأبواب الأربعة حتى عام 1222هـ عندما قدم الشريف حمود محمد الخيراني أعاد السور للأبواب الأربعة.
وفي سنة 1382هـ بدأ السور يتهدم من بعض جوانبه ثم قام الجهلاء وحملة السلاح من بعض الجنود الذين هم بقايا جنود الإمام يحيى بهدم السور وبيع آجوره نتيجة الضعف الإداري والانفلات.
أبواب مدينة زبيد:
أولاً: باب الشباريق يقع شرق المدينة وسمي باسم قرية الشباريق التي تقع شرق المدينة.
ثانياً: باب القرتب، يقع جنوب المدينة وسمي باسم قرية القرتب التي تقع جنوب المدينة.
ثالثاً: باب سهام؛ يقع شمال المدينة ويسمى باسم وادي سهام حيث كان الملك نجاح يخرج من زبيد إلى مدينة الكدرا بوادي سهام.
رابعاً: باب النخل؛ وكان قديماً يسمى باب غلافقة يقع غرب زبيد وينفذ إلى حدائق النخيل.
خامساً: باب النصر؛ وهو باب مداخل الحكومة (قلعة زبيد) المسمى الدار الناصري الكبير وضع خصيصاً للسلطة عندما تشتد الأزمات ويحاصر الملك أو الأمير يخرج منه فراراً دون أن يُشْعَرَ به سوى الحرس.
الدار الناصري الكبير:
يعتبر من أهم المآثر في زبيد حيث كان بساحته قصور النجاحيين وقصر الأعز محمد بن علي الصليحي.
وفي سنة 822هـ عمر الملك الناصر أحمد الرسولي الدار الناصري الكبير الذي عرف باسمه وهو يشمل باب النصر والسجن والثكنات العسكرية وعنابر السلاح والحبوب التي تجي من الزكاة ودار الإمارة والمالية ومقر الحاكم الشرعي وساحة البستان حيث جروا له عين ماء جارية عمرت بالآجور والنورة البلدي إلى جانب بئرين كبيرين أحدهما للبستان والثاني للحبس، ومسجد الإسكندر الذي عمر بداخل الحكومة ذات المنارة العالية.
زبيد والحياة العلمية والفكرية:
اشتهرت زبيد بكثرة مساجدها وأوقافها زبيد المدينة نفسها 94 مسجداً ومدرسة علمية، وأما عزلها التابعة لها فهي 196 مسجداً وجملة مساجد المديرية 290 مسجد، لقد قامت هذه المساجد بدور كبير في أحياء الحياة العلمية فقد كان للمساجد دورها والذي أوقف عليها الواقفون أنفس أموالهم لله تعالى في نشر العلم وخدمة المتعلمين حيث كان يصرف من مكتب الأوقاف نفقات شهرية للعلماء والطلاب والتي انقطعت وأصبحت أثراً بعد عين سبب الضعف الإداري وعدم صرفها بحسب شروط الواقفين ممن تولى من ضعاف النفوس على الأوقاف الخاصة بسبب عدم الإشراف الإداري عليها بل نسخ بعضها وغيروا شروط الواقفين بعد الزخم العلمي والفكري للمدينة حيث لما كانت هذه الأوقاف تصرف كانت توجد مدرسة علمية بجامع الأشاعر يدرس لها العلماء في جميع الفنون والعلوم لأخذ العلم من مدينة زبيد وأن هذه الأربطة ما زالت تؤدي رسالتها العلمية ويتواجد فيها طلاب من أندونسيا وماليزيا ودول أجنبية عرفنا بعضهم ومن أشهر أربطتها الموجودة الآن رباط السيد العلامة يحيى بن عمر الأهدل، ورباط السيد العلامة يوسف البطاح، ورباط الجامع الكبير، ورباط علي يوسف، وهذه الأربطة ما زالت مفتوحة الآن أكثر الطلاب الأجانب رجعوا إلى بلادهم بسبب الحرب من قبل العدوان التحالف الجائر الذي استهدف كل شيء في اليمن.
أهم المساجد العلمية في زبيد:
جامع الأشاعر، بناه أبو موسى الأشعري، في العام الثامن الهجري وسمي باسم قبيلة الأشاعرة وله مسجد ثاني بقرية الحمى شمال شرقي مدينة زبيد على بعد خمسة كيلو متر يسمى مسجد أبو موسى الأشعري.
وفي سنة 834هـ بدأ الأشاعر في التصدع فجدد بناءه الخازندار بور فوق الطاهري وقام بتوسيعه في الجناح الشرقي والغربي والجناح الجنوبي وخصص مقصورة للبناء وزين بالذهب واللازورد وأوقف عليه أرضاً.
وفي سنة 891 جدد بناءه الملك المنصور عبدالوهاب بن عامر بن طاهر.
وللأشاعر محراب كبير للصلاة ويتوسطه محراب صغير يقع شرقاً للطريقة الجيلانية ومحراب في القرب للطريقة النقشبندية.
وله ثلاثة أبواب الأول يقع في الجنوب والثاني في القرب والثالث في الشرق وكانت له بركتان ردمتا الآن.
وفي سنة 674 أصلح منبر الوعظ والإرشاد والحديث أوقف عليه دكاكين وقطعة أرض، وفي سنة 979 أنشأ مصطفى باشا النشار منبر الخطابة للجمعة.
وجامع الأشاعر يعتبر من أقدس المساجد باليمن هو وجامع صنعاء وجامع الجند، ومن أشهر المساجد الجامع الكبير بزبيد، والذي أسس في عهد الدولة الزيادية في القرن الثالث الهجري.
وفي سنة 392 جدد عمارته الحسين بن سلامة، وفي سنة 574 أعاد عمارته المبارك بن منقذ الكنافي نائب ثوران شاه الأيوبي بعد أن هدمه في عهد علي بن مهدي وفي سنة 579هـ قام السلطان طغتكين بن أيوب بتوسيعه في الجناح الشرقي والغربي والمؤخر والمنارة والمنبر ويتوسط الجميع صحن كبير ويستقل خمسة عشر طاروداً، وفي سنة 897هـ أعاد عمارته الملك الظافر عامر بن عبدالوهاب بن داود بن طاهر وزينت جدرانه وسقوفه بالنقوش والآيات القرآنية.
وفي سنة 1131هـ قام بعمارة المقاصير ناظر الأوقاف مفتي زبيد القاضي أحمد بن عبدالله السانة وانقسم العلماء إلى قسمين قسم يرى أن عمارة المقاصير لطلاب العلم بداخل الجامع مضايقة وخشية لتلوث برئاسة السيد العلامة يحيى بن عمر الأهدل وكتب رسالة سماها القول السديد فيما أحدث بجامع زبيد.
وقسم مؤيد لبناء المقاصير لعدم المضايقة برئاسة العلامة أحمد السانة ومن مناصريه العلامة محمد بن زياد الوضاحي الذي ألف رسالة سماها الضوء اللامع في الرد على زيادة الجامع، قائلاً: إن التوسع للعبادة لا يعارضها معارض ولا يمانعها مانع.
وفي سنة 1185هـ جدد عمارة عقود الجامع الأربعة الطوايد بالمقدم وسقوفه الإمام المهدي العباسي.
ويعد الجامع الكبير من أهم المدارس العلمية التي لعبت دوراً كبير في نشر العلم ودرس فيها وفي جامع الأشاعر كبار العلماء والمحدثين وفيها أوقفت أموالهم وكانت تقام فيها قراءة هذه المقدسات ويصرف على القراء من أوقافها حتى تولى نظارة أراضيها نظاراً خانوا العهد والأمانة وأحلوا شروطها وأصبحو هم القراء وهم النظار وذلك سبب الضعف الإداري بل نسخت بعضها وأهمل أكثر المقدسات من القراء في جوامع زبيد وأكلت حقوقها وبعضها أكلتها الأرضة بسبب اندثار أهلها والاستيلاء على أوقافها.
من الجوامع المشهورة خارج زبيد كانت تابعة لمدينة زبيد جامع الفازة، يقع على ساحل البحر الأحمر أسسه معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما قدم اليمن وجدده الحسين بن سلامة وسميت الفازة لوجودها في مفاوز خالية من إسكان وسكنها رجل صوفي يسمى أحمد الفاز.
حتى يروى أن قدم ناقة معاذ بن جبل على صخرة هناك ويعتبر من المساجد القديمة وللأسف الشديد ما حدث لهذا الجامع من هدمه وتفجيره وطمس معالمه التاريخية من قبل دواعش العدوان السعودي الأمريكي على اليمن كما أننا لم نتطرق إلى ذكر علماء مدينة زبيد في هذا البحث وأشهر كتبهم التي ملأت الآفاق لشهرتها في كل الفنون ولا يخفى على أحد لأن كل كتاب له دراسته العلمية والتخليلية والمقام لا يتسع لذكر ذلك.
ونسال من الله التوفيق
* إمام جامع زبيد الكبير

قد يعجبك ايضا