من 26 سبتمبر 1962 إلى 21 سبتمبر 2014م.. إجهاض الثورات اليمنية.. هواية سعودية!

عام 1962 حاولت السعودية إجهاض الثورة بذريعة “دعم الشرعية” وأعلنت تحالفاً مع الأردن واستعانت بالولايات المتحدة وإسرائيل.. والتاريخ يعيد نفسه

حاول الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي إخراج اليمن من الوصاية السعودية وبناء دولة يمنية حديثة فكان ذلك سبباً لاغتياله وإجهاض مشروعه
بين الأعوام 1974-1994عملت السعودية على إجهاض أي محاولة لتحقيق الوحدة اليمنية، أشعلت خلالها حروباً شطرية واغتالت رؤساء يمنيين
مارس النظام السعودي ضغوطاً مستمرة لفرض قيادات موالية له في كل الحكومات المتعاقبة وإبعاد قيادات أخرى

 

أدمن النظام السعودي الوقوف حجر عثرة أمام طموحات اليمنيين للنهضة بالبلاد بعيداً عن مشاريع الاحتلال والاستبداد والوصاية الخارجية، وذلك من خلال محاولاتهم المستمرة في إجهاض الثورات التحررية والمشاريع الوحدوية الوطنية وعمل النظام السعودي دوماً لضمان فرض وصايته على القرار السياسي في اليمن، وكانت البداية بالحرب اليمنية السعودية عام 1934 وتوقيع اتفاقية الطائف وقمع انتفاضة 1948 ومروراً بالمشاركة في قمع انتفاضة 1955 ثم الدماء التي سالت بعد ثورة 1962 في الحرب الأهلية ثم مؤامرتهم الشهيرة لمنع حدوث الوحدة اليمنية بتنفيذ الاغتيالات التي طالت عدداً من الرموز الوطنية وعلى رأسهم الرئيس الشهيد الحمدي وصولا إلى محاولة اجهاض ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2014م عبر شن حرب عدوانية قتلت عشرات الآلاف من الابرياء والمدنيين ولكن على ما يبدو أن هذه الثورة كفيلة بإنهاء الدور السعودي في اليمن وقطع اليد التي امتدت لفرض الوصاية ونشر حالة الفوضى والاقتتال في البلاد.

الثورة / أحمد السعيدي

وهذا ما تنبأ به الدكتور رفعت سيد، المفكر القومي المصري، الذي يقول: “ونحسب أن هذه الحرب بنتائجها ستكون سبباً تاريخياً كبيراً في نهاية الدور السعودي في اليمن، وربما في نهاية الدولة السعودية ذاتها، لأن التضحيات التي قدمت على مذبح الحرب ثمنها غالٍ للغاية وهي من شدة هولها وقسوتها لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، بل ستكون فاتحة لعصر جديد من العلاقات بين الدولتين؛ لن يستطيع فيه اليمنيون نسيان طعم الدم، والنار التي أشعلتها الدولة السعودية في قلب هذا البلد الذي كان (سعيداً) قبل أن يُطل عليه ليل آل سعود الطويل !!”
ويضيف الدكتور رفعت سيد أحمد، رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة: في مقال له: إن الحرب الدائرة اليوم بين السعودية واليمن ليست الأولى، رغم قسوتها وفداحة الدماء التي تنزف فيها من فقراء اليمن وشعبها الأصيل؛ ونحسب أن هذه الحرب غير العادلة وغير الأخلاقية لن تكون الأخيرة.
وقال: إن المتأمل لتاريخ العلاقات اليمنية–السعودية في شقها الخلافي الدامي سيكتشف كم هي المواقف والمراحل التي توشحت بالدم، وكيف أن آل سعود كانوا دائماً في موقف المعادي لهذه البلاد، إما خوفاً من قدرة شعبها وقوته، أو طمعاً في ثرواتها وأرضها.
إن فهم الحرب الحالية التي شنتها السعودية منذ العام 2015م ولا تزال مستمرة ومدمرة لا يستقيم دونما الالتفات إلى الماضي، أو على الأقل إلى بعض صفحاته الدامية لنعرف أن (عاصفة الحزم) ليست نشازاً، أو استثناءً، لكنها امتداد لتاريخ طويل من الدم، والنار، بين الدولة السعودية ودولة اليمن بجنوبها وشمالها؛ لقد كان هاجس الكراهية عاملاً ثابتاً في تاريخ العلاقات بينهما، وكان عبدالعزيز بن سعود (مؤسس الدولة السعودية الثالثة صادقاً حين قال محذراً ومشيراً إلى موقع اليمن على الخريطة وهو على فراش الموت وحوله أولاده الوارثون : ” انتبهوا .. انتبهوا فمن هنا سيأتي هلاككم وزوال ملككم، فلا تطمئنوا لهم وحاربوهم باستمرار وبكل الوسائل وفي كل الأوقات سلماً أو حرباً).. ولقد التزم “الورثة” بالوصية حتى يومنا هذا، حتى” عاصفة الحزم.

تاريخ طويل من الدم والجرائم والمؤامرات
* ولمعرفة بعض صفحات هذه العلاقات الدامية يحدثنا التاريخ أن الصراع بدأ منذ الدولة السعودية الأولى في بدايات القرن التاسع عشر، حين غزت قوات حزم العجماني اليمن 1898م، مروراً بعام 1921م حيث حادثة الحج اليماني في وادي تنومة ومقتل 3000 حاج يمني على يد ابن سعود، وتوقيع اتفاقية مكة بين ابن سعود والحسن الإدريسي عام 1926م لفصل الدولة الإدريسية عن اليمن، واتفاقية تسليم (المجرمين) بين البلدين في 15 يناير1932م تحت الضغط ، ووقوع الحرب السعودية ـ اليمنية عام 1934م وتوقيع معاهدة الطائف ، والمشاركة السعودية في قمع انتفاضة 1948م ثم المشاركة في قمع انتفاضة 1955م ثم الدماء التي سالت على أرض (البلاد السعيدة) بعد ثورة سبتمبر 1962م في الحرب الأهلية لمدة ثمان سنوات ذهب ضحيتها آلاف القتلى والجرحى واليتامى والأرامل، والضغوط السعودية لإقالة محسن العيني من رئاسة الوزراء عدة مرات أثناء الحكم الجمهوري، والضغوط المماثلة من أجل تعيين نصير السعودية في اليمن حسن العمري كرئيس للوزراء أربع مرات، وإشعال النظام السعودي حرب الحدود بين اليمنيين عدة مرات بواسطة عملائه.
تعهد الحجري واغتيال الحمدي
أخذ تعهد من الحجري بإقفال ملف الحدود بين البلدين إلى الأبد، والضغط السعودي على الرئيس الحمدي لطرد الخبراء السوفيت واستبدالهم بأمريكين ومحاولات الانقلاب عليه والتي قام بها الشيوخ المدعومون من قبل النظام السعودي ضده: في 13 يوليو 1975م ثم في 16 أغسطس 1975م، ثم ثالثة في 20 فبراير 1976. ثم رابعة في بداية يوليو 1977م في صعدة حتى قتله في اكتوبر 1977. ثم تنصيب شخص موالٍ لهم هو الرئيس الغشمي وتجنيد عبد الله الأصنج كعميل لهم في اليمن والمحاولات السعودية المستميتة لمنع حصول الوحدة بين البلدين ، إضافة محاولات الانقلاب الأخرى ومنها حادثة مايو 1987م، والمصادمات الحدودية التي كانت تقع كل عامٍ تقريباً.
خلال الحرب بين الجمهوريين والملكيين في ستينيات القرن الماضي والدور السعودي فيها أشار صلاح نصر مدير جهاز المخابرات العامة المصرية في مذكراته عن موقف فيصل الرافض لحل مشكلة اليمن سلمياً ، فيقول : ” اقترح عبد الناصر في ديسمبر سنة 1962م فكرة سحب القوات المصرية من اليمن بشرط أن تتوقف معونة السعودية والأردن إلى الملكيين ، لكن الأمير (فيصل) ولي عهد السعودية ورئيس الحكومة في عهد أخيه الملك سعود وقتها وجد الفرصة سانحة للانتقام من عبد الناصر عدوه اللدود ، فلم يكتف برفض عرض عبد الناصر في تلك الأثناء وكان النظام السعودي يستخدم نفس الذرائع التي يستخدمها حالياً في العدوان على اليمن، وهي دعم الشرعية “الملكية” كما أقامت السعودية تحالفاً مع الأردن يشبه تحالف اليوم شاركت فيه أيضاً إسرائيل، واستجابة الولايات المتحدة لطلب النظام السعودي بتوفير الدعم والحماية للنظام السعودي وأرسل جون كينيدي أسراباً من الطائرات الأمريكية قامت باستعراض في سماء الرياض وجدة والظهران.
تعاون مع تل ابيب ضد ثورة اليمن
* ويحدثنا التاريخ عن التعاون السعودي الإسرائيلي في ضرب ثوار اليمن في الستينيات، وفي خلق مناخ سياسي وعسكري يزيد من تورط عبدالناصر في اليمن حتى تسهل هزيمته من إسرائيل، وهو ما حدث في حرب 1967م، لتتوالى المؤامرات السعودية على اليمن في السبعينيات والثمانينيات.

إجهاض الوحدة اليمنية
عُرفت السعودية بموقفها المناهض للوحدة اليمنية منذ عهد الرئيس إبراهيم الحمدي وحتى يومنا هذا، وها هي تعود إلى هويتها مجدداً من خلال العدوان الذي بدأ في مارس 2015م وتتبادل الأدوار مع دولة الإمارات لتمزيق البلاد، من خلال خطوات مرحلية ومدروسة تفضي إلى القضاء على الوحدة اليمنية وفرض الانفصال، وتخدير وشراء، وفي حين تدعي دعم الشرعية والوحدة، تعمل بخطى حثيثة لتمرير النخب السياسية مشروع الانفصال على مراحل مدروسة، وتهيئة المناخ العام لتقبله في نهاية المطاف كأمر واقع.
لا تبدو تصريحات المسؤولين السعوديين بشأن تأييد حكومة بلادهم للوحدة اليمنية مطمئنة، لتناقضها مع طريقة إدارة المملكة للأزمة اليمنية، ولا يبدو أن السعودية تدير سياستها الخارجية وفقا لتفكير إستراتيجي، وبنفس الوقت لا يمكن لليمنيين أن يأمنوها على أي شأن من شؤون بلادهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بوحدة اليمن، ذلك لأن الموقف السعودي المناهض للوحدة اليمنية يعد أحد ثوابت السياسة السعودية إزاء اليمن، بدأ ذلك منذ أول خطوة لمحاولة تحقيق الوحدة عمليا قبل أكثر من أربعين عاماً وحتى الآن.
أول اغتيال للوحدة
أبدت السعودية مخاوفها من إمكانية تحقيق الوحدة اليمنية منذ زمن مبكر، وعملت على اغتيال ذلك الحلم في مهده، ولعل أول إجراء عملي بهذا الخصوص يتمثل في تخطيطها لاغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي، وجاء اغتياله، في 11 أكتوبر 1977م، قبل يوم واحد من زيارته المرتقبة لمدينة عدن لإعلان الوحدة، وكان مخططا بأن يتم الإعلان يوم 14 أكتوبر 1977م، أي بالتزامن مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963م ضد الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن.
وقد كشفت التحقيقات عن حادثة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي- عن دور السعودية في اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وفقا للوثائق والشهادات التي استند عليها المحققون، وكان دور السعودية في اغتيال الحمدي يتمثل في أن عملية الاغتيال تمت بحضور الملحق العسكري السعودي في صنعاء صالح الهديان، الذي يعد المشرف الرئيسي على الجريمة، وتحدث عن دورها كذلك الرئيس الراحل علي صالح، والذي كان ضمن المتهمين الرئيسيين بتنفيذ الجريمة.
وكان الدافع الرئيسي للسعودية لاغتيال الحمدي يتمثل في إجهاض مشروع الوحدة اليمنية في مهده، بالإضافة إلى أسباب ودوافع أخرى، تتمثل في سعي الحمدي للنهوض باليمن، والاستقلال بالبلاد عن الهيمنة والوصاية السعودية، ورفض ترسيم الحدود معها، واستمراره في الكثير من الإصلاحات، وبناء علاقات قوية مع الدول الكبرى، واهتمامه بأمن البحر الأحمر وبسط اليمن سيطرته على مياهه الإقليمية، وسعيه لبناء جيش وطني بعيدا عن هيمنة مشايخ القبائل، وقد كانت الرياض قلقة من كل ذلك، خاصة سعيه لتحقيق الوحدة اليمنية، وفقا لشهادة نائب رئيس البعثة الأمريكية في اليمن عام 1978م، التي أدلى بها مؤخرا.

تحقيق الوحدة عام 1990
ظلت السعودية تكرس جهودها لإبقاء اليمن مجزأ، وتعمل ضد إعادة تحقيق وحدته خوفا منها، وذلك حتى لا يزدهر ويشكل خطرا عليها، بالإضافة إلى مخاوفها من أن يتمكن اليمنيون من المطالبة بالأراضي التي سيطرت عليها منذ عام 1934 واستعادتها بالقوة، وكانت تحتضن قوى المعارضة من الشطرين وتستغلها لإعاقة تحقيق الوحدة اليمنية.
وقبل الإعلان عن تحقيق الوحدة، عام 1990م، أرسلت السعودية وزيري المالية والخارجية إلى عدن، إلا أن الزيارة لم تسفر عن نتيجة ملموسة، وأحيطت بالسرية والغموض، وسط تكهنات بأن الهدف منها إقناع حكام عدن بالتراجع عن الوحدة مقابل وعود بتقديم دعم مالي لدولتهم التي كانت منهكة اقتصاديا بسبب انقطاع دعم الاتحاد السوفياتي لها، وكان ذلك يعد السبب الرئيسي لهرولتهم نحو الوحدة، بعد سنوات من العرقلة بسبب الخلافات بين قيادات الشطرين على شكل الدولة الجديدة.
وبعد الإعلان عن الوحدة، والغضب السعودي حيال ذلك، جرت اتصالات لطمأنة المملكة بأن الوحدة اليمنية لا تشكل أي خطر عليها، وأنها تمثل عامل أمن واستقرار في المنطقة، لكن السعودية لم تقتنع بذلك، وبدأت بتشكيل دوائر نفوذ تابعة لها، واختراق البنية القبلية للمجتمع اليمني، فاستقطبت العديد من مشايخ القبائل إلى صفها عبر الإغراءات المالية التي كانت تقدمها اللجنة الخاصة، والتي تأسست بعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962م لدعم الملكيين، ثم استمرت في تقديم الدعم بعد ذلك لبعض مشايخ القبائل، ورأسها منذ تأسيسها الأمير سلطان بن عبد العزيز حتى وفاته في 22 أكتوبر 2011م، وكان هدفها من ذلك إضعاف الدولة اليمنية الموحدة من خلال خلق ولاءات تابعة لها لاستخدامها عند الحاجة، ولضرب وحدة البلاد من الداخل.
حرب صيف 1994
برز الدور السعودي المناهض للوحدة اليمنية بقوة أثناء حرب صيف 1994م والأزمة السياسية التي سبقتها، فعندما بدأت الخلافات على السلطة بين شريكي الوحدة، وجهت السعودية رسائل إلى شركات النفط الغربية وطلبت منها عدم التنقيب عن النفط في الأراضي (اليمنية) المتنازع عليها، مدعية أنها تجري في أراضٍ سعودية، مما أدى إلى توتر العلاقة بين البلدين.
وكانت السعودية تهدف من وراء استفزازاتها تلك لتحقيق رغبتها القديمة في إعادة التشطير، وفصل أراضٍ من الشطر الجنوبي بما في ذلك حضرموت والمهرة (الغنيتين بالنفط والمطلتين على المحيط الهندي والبحر العربي) لتصبحا دولتين مستقلتين، تمهيدا لإدخالهما في فيدرالية مع السعودية، بحسب التصريح الرسمي الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية اليمنية في 28 ديسمبر 1994م عن التدخلات السعودية في اليمن.
وعندما بدأ الحزب الاشتراكي الاستعداد عملياً لإعلان الانفصال، قدمت السعودية ودول خليجية أخرى له الدعم بالمال والسلاح، وقد تم ضبط بعض الأسلحة حينما أُجبرت إحدى الطائرات الأوغندية على الهبوط في مطار الحديدة، وتبين أنها إحدى طائرات المخابرات البريطانية، واعترف الطيار بأن تلك كانت ثامن رحلة إلى عدن. كما وصلت باخرتان محملتين بالأسلحة إلى ميناء عدن، وتحملان العلم البلغاري، وجاءتا عن طريق الكويت التي دفعت قيمة الأسلحة والبالغة 200 مليون دولار، بحسب ما أورده عبد الولي الشميري في كتابه “1000 ساعة حرب”.
كما أن السعودية اشترت 30 طائرة “ميج 29″، وقدمتها للحزب الاشتراكي، ووصلت منها 12 طائرة استخدمها الانفصاليون في الحرب.
لقد بذلت السعودية، خلال أزمة وحرب صيف 1994م، جهودا سياسية وإعلامية واقتصادية من أجل نجاح مشروع انفصال جنوب اليمن، وكان الأمير سلطان والأمير نايف ووزير الخارجية سعود الفيصل من أكثر المسؤولين السعوديين تشددا وتحمسا لتجزئة اليمن، بحسب وزير التخطيط والتنمية حينها، الدكتور عبد الكريم الإرياني، في حوار مع جريدة “السفير” في صنعاء، بتاريخ 13 أبريل 1995م.
وفي العشرين السنة ما بين 1974م وحتى 1994م حاولت السعودية جاهدةً إجهاض أي محاولة لتحقيق الوحدة اليمنية، وفي أكثر من مرة أحبطت الوحدة بوسائل سعودية متعددة منها اغتيال ثلاثة رؤساء يمنيين اثنين في الشمال (الحمدي 1977م والغشمي 1978م) وإعدام واحد في الجنوب (سالم ربيع1978م)..! تلتها بعد ذلك استمرار نشوب حرب الجبهة في المناطق الوسطى .

نجران وجيزان وعسير
* أيضاً كانت هناك مباحثات بشأن الوحدة منذ 1979م وحتى أوائل التسعينيات وكلها فشلت، فقد أثرت السعودية على قرارات شمال اليمن حينها بشأن الوحدة في كل جلسات المفاوضات، وكان عبد الله بن حسين الأحمر من أبرز المعارضين للوحدة، وعقب الوحدة اليمنية عام 1990م، توترت العلاقات بين السعودية واليمن، لأن معاهدة الطائف التي وقعت عام1934م نصت على ضم عسير وجيزان ونجران للسعودية حتى العام 1992م، ومن ثم كان ينبغي إعادتها لليمنيين وهو ما لم يحدث حتى يومنا هذا، بل قامت السعودية ببناء قاعدة عسكرية في عسير.. وبدأت مشروعا بثلاثة بلايين دولار لتسوير الحدود، وضخ الاستثمارات في جيزان..
ثم حاولت السعودية عزل الحكومة اليمنية، وكان اليمن قد وقع اتفاقا حدوديا مع سلطنة عمان، فقامت السعودية بإثارة خلافها القديم مع السلطنة ضغطاً على مسقط لإلغاء الاتفاقية مع صنعاء.
افراغ الوحدة من مضمونها
هذا وتؤكد وقائع التاريخ أن الرياض سعت إلى منع أي نوع من الوحدة اليمنية ، حيث كانت ترى في اتحاد اليمن خطراً على هيمنتها على شبه الجزيرة العربية ، وسيكون له مطالب تحررية وحدوية ترجع إلى حرب عام 1934م بين الملك عبد العزيز والإمام يحيى ، وفى (1972 – 1973)، (1979 – 1980م) لعبت السعودية دوراً رئيسياً في قرار اليمن الشمالي بعدم تنفيذ اتفاقيات الوحدة التي وقعها مع اليمن الجنوبي ، وقد تمت الوحدة بالفعل في التسعينيات من القرن الماضي رغم المحاولات المستميتة للنظام السعودي لإفشال تلك الوحدة ، لكن سياسة المملكة نجحت في أن تجعل الوحدة بدون قيمة تذكر ، بعد موافقة اليمن على ترسيم الحدود عام 2000 (اتفاقية جدة) تاركة عسير وجيزان ونجران اليمنية التي احتلتها المملكة بالقوة في الثلاثينيات.

معاهدة جدة
ورأت المعارضة اليمنية يومها أن معاهدة جدة كانت بمثابة المخدر لليمنيين ، لم تحل مشاكل الشعب بل زادت مشاكلهم تعقيداً ، لأن المعاهدة لا تخدم إلا مصالح نظام آل سعود ولا تقدم لليمن إلا الذل والقهر والفقر لتبقى اليمن تحت إمرة وسيطرة ورحمة نظام آل سعود، وهو ما كان بالفعل طيلة الفترة الممتدة من التسعينيات حتى عاصفة الحزم (2015م) التي أحال فيها آل سعود اليمن إلى ركام ودمار، ورغم ذلك لم يستسلم اليمنيون بل ازدادوا صموداً ومقاومة.. ونحسب أن هذه الحرب بنتائجها ستكون سبباً تاريخياً كبيراً في نهاية الدور السعودي في اليمن، وربما في نهاية الدولة السعودية ذاتها، لأن التضحيات التي قدمت على مذبح الحرب ثمنها غالٍ للغاية وهي من شدة هولها، وقسوتها، لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، بل ستكون فاتحة لعصر جديد من العلاقات بين الدولتين؛ لن يستطيع فيه اليمنيون نسيان طعم الدم.. والنار التي أشعلتها الدولة السعودية في قلب هذا البلد الذي كان (سعيداً) قبل أن يُطل عليه ليل آل سعود الطويل !! .

السعودية تبتلع اليمن..
عنوان كتاب للكاتب المهندس يوسف الهاجري والذي يوثق بالتاريخ هذه المحاولات التي يعرضها في شكل نقاط رئيسية: “لم تتوقف محاولات ابتلاع السعودية لليمن يوماً منذ بداية القرن التاسع عشر حتى اليوم، وبقيت أطماعها متأججة لاستغلال الأراضي والمقدرات اليمنية وهزيمة الشعب اليمني .. و الكتاب الذي نقدمه اليوم ” السعودية تبتلع اليمن” لمؤلفه المهندس يوسف الهاجري.
ووثق الكتاب الذي حمل عنوان (السعودية تبتلع اليمن) العديد من الأحداث التاريخية بداية من أوائل القرن التاسع عشر الميلادي حين غزت قوات حزم العجماني اليمن إبان الدولة السعودية الأولى إلى مقتل 3000 حاج يمني عام 1921م على يد آل سعود في وادي تنومة.
وقعت اتفاقية مكة بين ابن سعود والحسن الإدريسي عام 1926 لفصل الدولة الإدريسية عن اليمن.
* وقعت تحت الضغط اتفاقية تسليم (المجرمين) بين البلدين في 15 يناير 1932م.
* أعلنت الحرب السعودية ـ اليمنية عام 1934م ووقعت معاهدة الطائف.
* اشتركت السعودية في قمع انتفاضة 1948م، وقمع انتفاضة 1955.
* أججت الحرب الأهلية .. وتسببت في نزيف الدماء على أرض (اليمن السعيد) بعد ثورة سبتمبر 1962م لمدة ثمان سنوات .. وهي الحرب التي ذهب ضحيتها آلاف القتلى والجرحى واليتامى والأرامل .
* مارست الضغط عدة مرات لإقالة محسن العيني من رئاسة الوزراء أثناء الحكم الجمهوري.
* مارست ضغطاً مماثلاً من أجل تعيين نصير السعودية في اليمن / حسن العمري/ كرئيس للوزراء أربع مرات.
* أشعلت حرب الحدود بين اليمنيين عدة مرات بواسطة عملائه .
* مارست الضغط على الرئيس الحمدي لطرد الخبراء السوفيت واستبدالهم بأمريكان.. وحاولت الانقلاب عليه بمساعدة الشيوخ المدعومين من قبلها في 13 يوليو 1975م، ثم في 16 أغسطس 1975، ثم ثالثة في 20 فبراير 1976م، ثم رابعة في بداية يوليو 1977م في صعدة حتى قتله في أكتوبر 1977م.
* نصبت شخصاً موالياً لها وهو الرئيس الغشمي.
* جندت عبد الله الأصنج كعميل لهم في اليمن.
* بذلت جهود مستميتة لمنع حصول الوحدة بين البلدين.
* تسببت في المصادمات الحدودية التي تقع كل عامٍ تقريباً، حتى آخر صدام عام 1987م.
* تدخلت في انتخاب مرشحين للبرلمان اليمني في منتصف 1988م.
* شاركت في عشرات بل مئات التدخلات الصارخة في الشؤون الداخلية لليمن.
* دعمت حرب الانفصال والانفصاليين بالمال والسلاح عام 1994م.
* تسببت في نزيف الدماء والمهانات والتطاول على أكبر الشخصيات في اليمن.
* كذلك استغلت المال بصورة مقززة في علاقاتها مع اليمن، مستفيدة من ضعف الموارد المادية في اليمن في هذه الفترة من الزمن.. فزيادة الدعم أو إنقاصه أو قطعه مرتبط بارتهان النظام في اليمن بسياسة آل سعود.
* تدخلت في الشؤون الداخلية لليمن بدعمها العسكري المباشر لمعارضي اليمن الجنوبي سابقاً وإشعال للحرب فزحفت الدبابات والمدرعات وحلق الطيران العسكري السعودي فوق أراضي اليمن ليقصف ويقتل ويدمر في اليمن .
* دعمت عدداً من الانقلابات العسكرية باعتراف القائمين بها.
* تلك هي حقيقة العلاقة بين النظام السعودي والشعب اليمني منذ ما يزيد على نصف القرن ، وخلالها لم تستطع الحكومات المتوالية على حكم اليمن التخلص من هيمنة آل سعود.. وظل الشعب المسلم في اليمن يئن من ثقل هيمنة آل سعود.

قد يعجبك ايضا