الطاقة الشمسية مصدر من مصادر التنمية

م. وليد أحمد الحدي
يعتبر عنصر الطاقة من العناصر الرئيسية والهامة المرتبطة بالتطور، إذ لا يمكن تحقيق نهضة ما لأي بلد دون توفره , فالمصانع ومحطات المياه وجميع المرافق الحيوية لا يمكن أن تستمر وظائفها عند انعدام هذا العنصر , وتعتمد معظم بلدان العالم في الحصول على الطاقة عن طريق مصادر أحفورية مهددة بالنضوب كالنفط الذي يستخرج منه البنزين والمازوت والديزل…إلخ , والغاز الطبيعي، وعلى الفحم الحجري ،وفي حالات قليلة على اليورانيوم , بيد أن هذه المصادر باتت غير مطمْئِنة كونها مصادر محدودة غير متجددة ومنتهية بانتهاء مخزون النفط والغاز في العالم , فضلاً عن أنها غير صديقة للبيئة أو خطرة على حياة الانسان كالعناصر المشعة ما دفع كثيراً من البلدان المتقدمة إلى البحث عن مصادر متجددة للطاقة تلبي الطلب المتزايد عليها , حيث قامت بعض الدول ببناء السدود للحصول على الطاقة الكهربائية عن طريق التوربينات المولدة للكهرباء من المساقط المائية , واستفادت دول أخرى من توليد الطاقة الكهربائية عن طريق الرياح, ومن حركة المد والجزر والأنهار والطاقة الشمسية والعناصر المشعة كاليورانيوم , إلا أن خطورة الأخيرة قلَّصت حجم التعامل مع هذا المصدر.
وتمتلك بلادنا ثروة لا بأس بها من النفط والغاز الطبيعي , إلا أن التجارب أثبتت أنه ليس بالإمكان التعويل على مصادر كهذه لضمان استمرار الطاقة على المدى البعيد , فاليمن الذي كان ينتج قبل عدة سنوات قرابة ستمائة ألف برميل يومياً , لم يتعدَ انتاجه عام 2014م مائتي ألف برميل في اليوم – بحسب الاحصائيات – ما يشير الى تناقص هذا المخزون بشكل تدريجي , وذلك يعني اللجوء للاستيراد لتعويض الفجوة الناتجة عن زيادة الطلب المستمر وانخفاض معدلات الانتاج ,وبالتالي تتضاعف المشكلة الاقتصادية بسبب اتساع هذه الفجوة , ما يحتم البحث عن بدائل عملية لحل هذه الإشكالية لتقيل الطلب على المشتقات النفطية وتخفيض الاعتماد على الاستيراد الذي يكبد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة من عملة صعبة تذهب خارج البلاد بسبب التناقص المستمر في مخزون النفط.. قد يكون الانتقال من الطاقة التقليدية الى الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية أحد البدائل الناجحة التي تقلل من الآثار السلبية لهذه المشكلة سيما بعد نجاح هذه التجربة في عدة بلدان , ولعلنا شهدنا جزئياً منذ بدء العدوان مثل هذا الانتقال على مستوى الأفراد وبالتحديد بعد الحصار الجائر الذي أثَّر على العملية الاقتصادية وأدى إلى توقف انتاج النفط المحلي ومنع وصول السفن المحملة بالديزل والبنزين, حيث لجأ العديد من المزارعين اليمنيين إلى الاعتماد على منظومات الطاقة الشمسية لإنقاذ مزاعهم من الجفاف كبديل للوقود التقليدي , واستفاد كثير من المواطنين من هذه المنظومات في إنارة منازلهم , كما اعتمد عليها كثير من رجال الأعمال في تسيير مؤسساتهم وأعمالهم التجارية , و حقيقة أظهرت هذه التجربة نتائج ايجابية , فلم يعد المزارع أو التاجر رهينة انتظار شحنات البنزين والديزل المستورد، فضلاُ عن توفير مبالغ كبيرة كانت تخصص لشراء الوقود بشكل مستمر وولّدت انعكاسات سلبية على سير الحياة العامة وعلى المحاصيل الزراعية.
وكما يقول المثل العربي “رُبَّ ضارة نافعة” , فالمزارعون الذين عانوا الأمَّرين جراء ارتفاع أسعار الديزل و انقطاعه في بعض الأحيان باتوا يتعاملون اليوم مع هذه المنظومات المعتمدة على أشعة الشمس كحل عملي واقتصادي , ونجحوا في الاستغناء عن الديزل الذي يتسبب انقطاعه في مشاكل كبيرة تؤثر على سير الانتاج وعلى محاصيلهم الزراعية , ورُغم ارتفاع كلفة هذه المنظومات التي تصل إلى ملايين الريالات , إلا أنها اثبتت عملياً أن بمقدورها حل هذه المعضلة وتحقيق هامش ربح مجز للمزارعين شجعهم على توسيع دائرة الانتاج والتوجه لزراعة محاصيل بجودة عالية لم يشهدها اليمن من قبل مثل الفراولة والتفاح , ما حقق فوائض من هذه الأصناف بالإضافة إلى البن والعنب والرمان والمناجو والبرتقال التي أنعشت عمليات التصدير إلى دول الجوار.
ويبقى السؤال الذي يُلِّح علينا دائماً ولم نجد له آذاناً مصغية: أين هو دور الحكومة والجمعيات التعاونية الزراعية في دعم وتشجيع هؤلاء المزارعين ؟؟!!
ولماذا لا يتم منح قروض لهذه الشريحة المنتِجة لشراء منظومات طاقة شمسية عن طريق بعض الجهات الممولة التي أُنشئت لهذا الغرض مثل بنك التسليف التعاوني الزراعي (كاك بانك) , لتخفيف العبء على المُزارع الذي يعد من الركائز الاساسية لدعم الاقتصاد الوطني ؟.. ألا يستحق هؤلاء الجنود المجهولون كل الدعم والرعاية ورفدهم بجميع الوسائل الفنية والعلمية لتحسين جودة محاصيلهم وتبنِّي منتجاتهم وتسويقها وتصديرها بشكل منظَّم ما سيضمن تحقيق عائدات بملايين الدولارات على الاقتصاد الوطني والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي ؟!
وللاستفادة عملياً من الطاقة الشمسية التي تزخر بها بلادنا يمكن الاستعانة بتجارب بعض الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال، كالتجربة الالمانية الرائدة في الحصول على الطاقة الكهربائية لحل المعضلات التي تواجه المزارعين عن طريق استخدام طرق حديثة تتوافق مع متطلباتهم , ولضمان تحقيق نتائج ايجابية وبأقل التكاليف لدعم الجانب الزراعي الذي يُسهم بجزء كبير من عملية التنمية ويعد رافداً هاماً للاقتصاد الوطني.
* رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي

قد يعجبك ايضا