تكامل الحقبة السعودية مع الزمن الإسرائيلي

 

محمد ناجي أحمد
من الحقبة السعودية إلى الزمن الإسرائيلي تتكامل المهام والوظائف، وتساق الأوهام وتتسع الهاوية …
لا عبرة بحشود الجماهير، العبرة بالمشروع الذي يجمعها.
إذا كانت الدولة القُطرية تناثرت لعدم وجود مقومات البقاء لها بمنعزل عن الجامع العروبي الذي ينهض بتنمية الإنسان ويقيه السقوط في الانقسامات العمودية مجتمعياـ فكيف سيكون مآل الدويلات العصبوية بهوياتها الطاردة ناهيكم عن استحالة القدرة على القيام بوظيفة الدولة اجتماعيا واقتصاديا وجغرافيا!
مشروع الوحدة العربية تكالب عليه الغرب في أربعينيات القرن التاسع عشر وفي النصف الثاني من القرن العشرين…
حين رفعت مصر جمال عبد الناصر لواء الوحدة العربية حملت السعودية مشروع التجزئة بالوكالة عن الغرب، فلم تقبل وحدة مصر وسوريا وتكامل دور الملك سعود ماليا واستخباراتيا مع الكيان الصهيوني لإسقاط تلك الوحدة، وتحقق لهم ذلك عام 1961م …وفي عام 1965م أفصح الملك فيصل عن مشروعه في تقسيم الجمهورية العربية اليمنية إلى دولتين، ورفض عبد الناصر ذلك المقترح الذي يتعارض مع مشروع وحدة الوطن العربي فكيف به والملك فيصل يطلب منه الموافقة على تقسيم المجزأ القُطري!
ومع بدء الحقبة السعودية بعد حرب اكتوبر 1973م عملت السعودية على دفع مصر نحو اتفاقية كامب ديفيد ثم عزلها عن دورها العربي…
ثم استمرت هذه الحقبة في الدفع بالعرب نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي من خلال مبادرات السلام التي تقدم بها ولي العهد الامير فهد في مفتتح الثمانينيات من القرن العشرين، ثم المبادرة الثانية التي تقدمت بها السعودية في عهد الملك فهد باسم ولي العهد الامير عبد الله، ولتصبح الجامعة العربية هي المبادرة بمشروع الاستسلام الذي تقدمت به السعودية وأقر في اجتماع القمة العربية التي عقدت في لبنان…
وهكذا عملت الحقبة السعودية بخطين متوازيين: التطبيع بلافتة مبادرات السلام وإسقاط الدولة القطرية في الفوضى والتقسيم العمودي للمجتمعات العربية طائفيا ومذهبيا، في سياق التمكين للزمن الإسرائيلي كي يتسيد على فلسطين والبحر الأحمر كشرطي للولايات المتحدة الامريكية يحظى بالشراكة في الأرباح …
الوحدة في الفكر العروبي تتم بالعمل السلمي حين نتحدث عن وحدة الوطن العربي الكبير ، لما ترسخ عبر القرون من خصوصيات قُطرية يجعل طريق الوحدة سلميا أمتن وأبقى ، ولكي لا تعمل القوة على تمزيق وشائج وروابط العروبة، فتكون نتائج ذلك الكفر بالعروبة والارتماء أكثر وبشكل سافر في أحضان الغرب ، كما حدث للكويت عندما ضمها العراق بقوة السلاح ، فكانت النتيجة ابتعاد الكويت عن العرب وارتدادهم عن كل عمل عروبي مشترك ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، بل وتحولت هي والسعودية وبقية دويلات محطات البنزين إلى قواعد عسكرية، ورصيد بنكنوتي لتمويل احتلال العراق ، الذي كان بوابة السقوط للدولة القُطرية التي تأسست كثمرة من ثمار حركات التحرر العربي من الاستعمار والاستبداد…
لكن الحديث عن وحدة القُطر العربي الواحد بأنه لا يتم بالقوة، وأن طريق تحقيقه هو العمل السلمي، وتمرير هذا الطرح على أنه أصل من أصول الفكر الوحدوي فهذا تلبيس وتزييف…
إن الحديث عن وحدة الجنوب اليمني، واستفتاء المحافظات الجنوبية بخصوص انفصال جنوب اليمن، الذي أكده بيان التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، الصادر في 18أغسطس 2019م هو في يقيني حديث لا يمت للفكر الوحدوي ولا للعروبة بصلة.
تعامل الفكر القومي مع وحدة مصر ووحدة سوريا ووحدة العراق ووحدة ليبيا ووحدة السودان ووحدة اليمن … الخ على أنها من الثوابت المصيرية التي لا تقبل القسمة على اثنين فكيف وقد أصبحت مشاريع التقسيم باتساع القيعان التي سقطنا فيها، وعمى الوعي الذي ننطلق منه…
هناك وحدة تمت في الـ 22من مايو 1990م، وهي لم تكن نتاج نزوة لحظية ولا هروب، وإنما استحقاق تاريخي، وانطلاق نحو المستقبل ونهوض بالوطن الواحد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فإذا كانت مسيرة العقود الماضية عجزت عن تحقيق هذا النهوض، وانشغلت بتقاسم الحكم والثروة في نطاق المستأثرين بالأمر فإن الحل هو استعادة المسار الوحدوي الشعبي بشراكة ديمقراطية شعبية لا باحتكار السلطة في إطار مكونات سياسية هي نتاج الاستبداد ومنتجة له في آن…
وحدة الوطن اليمني لا يقرر مصيرها جهة جغرافية ولا عصبويات مناطقية وطائفية، فمصير الأمم من الثوابت التي لا تقبل خفة التفكير، ولا العبث بقدر الشعب …
المخاتلة لا تقود الأمم نحو آفاقها ولكنها تسقطها في حضيض التشتت، والعقول المرتعشة لا تنطلق من وضوح الرؤية للسبل والغايات ولكنها تظل أسيرة واقع تم تخليقه بسياسات خاطئة وفقر وتجهيل، ومال خليجي ظل يدفع باليمن نحو التشظي …
من يقل (لا وحدة بالقوة ولا انفصال بالقوة) يظل منساقاً لغلبة الواقع، فأصحاب المواقف الثابتة يؤمنون أن الوحدة مصير الأحرار، وأن إعاقة هذا المصير لا تتم إلا بمصادرة السيادة والارادة، بغزو ينفذ إلى الجغرافيا اليمنية من بوابة الأزمات الاقتصادية، خالقا هويات وهمية…
القوة في التصدي لاحتلال الارض مسألة وقت، فحين تنكشف الخدع الاستعمارية يتراكم فعل الحرية من بوابة الكفاح المسلح …حينها تصبح مقولة (لا وحدة بالقوة ولا انفصال بالقوة) رطانة الغافلين، أو تواطؤ المدجنين!
كذلك في قناعتي أن استخدام لغة الموعظة والنصيحة إزاء الهويات الطاردة ليست سذاجة فحسب، بل انتقالا إلى ذهنية التشظي بالتسليم، وتعاطيا مع الهويات المغلقة، أكانت بحدود القرية أو الحارة أو الجهة…

قد يعجبك ايضا