يدرك العدو أن مساعي خلخلة المجتمعات تبدأ من التضييق عليها في أسباب الحياة، ليتسنى له بعدها التحكم بمصائر هذه المجتمعات بعد توجيهها وفقا لأهدافها.
وقد اعتمدت أمريكا – طوال تاريخها – العمل بهذه المنهجية وسياسة إفقار الشعوب ثم اختراقها بالإغراءات وشراء المواقف والولاءات، وحتى شراء أصحابها وتوجيههم لضرب مجتمعاتهم.
وكثيرا ما أخبرنا تاريخ الحروب والمواجهات أن الخصم المتفوق في الإمكانيات اعتمد بصورة كبيرة ومباشرة على سلاح الحصار والتجويع لخلق بيئة سريعة الاستسلام سهلة التطويع، بغية إشباع حاجاتها الأساسية البسيطة وهو فعل دنيء غير أخلاقي لا ينم عن قوة، بقدر ما يؤكد على الدونية والإقرار بالعجز أمام الخصم الآخر.
قد تكون هذه هي القاعدة المتعارف عليها وفق قراءة معطيات المواجهات بين الدول، حصار، تجويع، استسلام، إلا أن وجود أي استثناء، ربما يدفع لإعادة النظر في التعاطي مع هذا السلاح الدنيء، واليمنيون قدموا نموذجا راقيا كسر محاولات العدو في اختراقه من الداخل بقصد زعزعة استقرار وخلخلة تماسكه، وقياسا بطول زمن العدوان وحجم الإمكانات التي يمتلكها العدو، فإن محاولات اختراق الداخل اليمني الضعيفة، كماً وكيفاً، تنسف نجاعة هذا السلاح، فاليمنيون يدركون – رغم سوء الوضع الناتج عن مؤامرات الأعداء طوال عقود – أن الاصطفاف مع الأعداء لا يمكن أن يكون مقابلاً منطقياً للخروج من ضائقة الحاجة، ولا يمكن أن يكون مكسبا أو حتى شيئا طبيعيا يمكن للضمير تجاوزه بسهولة والتعايش معه، فرغم تخلّف اليمن عن معايير التقدم التي وضعتها ما تسمى بالدول الكبرى إلا أن جبهة اليمن الداخلية ظلت دائما عصية على الانسياق وراء توجهات المؤامرات الخارجية، لذلك خصصت المؤامرات جزءاً كبيراً من نشاطها لرفع مستوى الفقر داخل هذا البلد، وربط حاجات الناس بالاتصال بالخارج.
ومنذ وقت مبكر عملت على سلب الداخل قدرته على الإنتاج، ونجحت في هذا إلى حد كبير، ثم عمدت إلى تقديم المساعدات وصنعت فكرة المنظمات كوسيط لوصول هذه المساعدات، وتفخيم هالة الخارج بكونه من يمتلك العصا السحرية في تحويل الأحلام إلى واقع، مع ذلك وجد أرباب هذه المؤامرات أن المجتمع يكاد يكون حالة استثنائية يصعب تمرير هذه الآليات عليه، إلا قليلاً من النفوس بطبيعة الحال.
وطوال تاريخه الممتد ظل المجتمع اليمني دائما قويا بثباته على قيم الولاء لله ثم للوطن، فعجزت المحاولات الخارجية عن توسيع البدائل والخيارات عند محاولة ضربه من الداخل، والنجاح النادر في تكوين أياد وعملاء لها كان دائما ينتهي إلى الفشل كنتيجة حتمية مع انتفاء توفر البيئة المحفزة لاكتمال النجاح، فالمرور عبر القلة الذي يمكن التأثير عليهم من زاوية الحاجة لا يعني تحقيق نجاح، وإذا كان المجتمع يعي أن مخاطر ضرب الوطن تصيب الجميع حاضرا ومستقبلا، تتضاءل أمامه أي مكاسب ناشئة عن المساعدة في توجيه هذا الضربات.
من هنا كانت محاولات تكوين أو تحريك خلايا، دائما غير مكتملة، فحتى أدوات هذه المحاولات تعي أن تورطها في مثل هذه الأعمال لم يكن إلا بسبب الحاجة، ولهذا تنعكس هذه القناعة على مستوى أدائها الخياني الذي يستوجب المساءلة والوقوف أمام محكمة القانون.
وإلى جانب كل ذلك تبقى المؤسسة الأمنية المدركة والواعية، عامل ردع أكيداً تزعزع من ثقة فاعلي الجرم بنجاحهم، لذلك – وعقب النجاحات التي حققتها وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية – تراجعت إلى حد كبير محاولات العدو استهداف الوطن من الداخل، وإنجاز الأسبوع الماضي المتمثل بالقبض على خلية تجسس نجاح جديد، يؤكد رسائل سابقة للداخل بطمأنته على أن هناك أيدي أمينة وعيون ساهرة على استقراره، وخارجية، بأن رهانهم على الحصار، وتجميد النشاط لبعض الوقت عشما في تراخي حرّاس الوطن، سذاجة مآلها الفشل.