الشّهيد بين الحرف والمعنى

 

أشواق مهدي دومان

نولد دون ألقاب ، و نعيش و قد تنمو ( مع الأيّام ) معنا ألقاب من شهادة علميّة أو مكانة اجتماعية أو وظيفة أو رتبة ، أو…الخ ، و البعض منّا يعيش كأنّه يسعى للألقاب فيظلّ لاهثا وراءها ، و هي التي تمضي طوع ناموس اللّه فتهدم كلّ ألقابنا حين يهجمنا الموت ، ماعدا فئة واحدة من الألقاب لا ينهدم ،بل لا يهجمه الموت بل تنضح منه و فيه الحياة ،،
إنّه لقب : الشّهيد ، فهو (و للّه المثل الأعلى ) اسم غير مشتقّ من اسم من أسماء اللّه كالرّحم من الرّحمن و الرّحيم ، و لا يشترط حين يوصف به من يقضي و هو يقاتل في سبيل اللّه أن يُسبق بكلمة عبد لنقول :
استشهد فلان ؛ فهو عبد الشّهيد ، كبقيّة من عبّدوا بأسمائهم كعبدالرّحمن و عبد الجبّار و…الخ .
وحده الشّهيد الإنسان الذي سمح له اللّه بأن يتسمّى باسمه ، و هو اللّه الذي ( ليس كمثله شيء ) ، فإلى ذلك المقام الربّاني ( عند ربّه ) يسمو فيكون من استشهد هو الأقرب إلى اللّه.
نعم : لا زلتُ أدور في فلك أولئك العظماء و إن رحلت ذكراهم السنويّة ، فليستُ روحي ترحل عن عالمهم الحيّ ، و بدأتْ بحروف كلمة : الشّهيد تتفتّح لي نوافذ للمعرفة لأربط بينها و بين قوله ( تعالى ) : ” أحياء ، و لكن لا تشعرون ” ؛ فالحيّ يسطيع أن يشهد المواقف ، و حين يشهدها فهو شهيد ، بصيغة ووزن ( فعيل) وهي الأقوى من اسم الفاعل : الشّاهد فالشّاهد بوزن ( الفاعل) : تتغيّر و قابلة للتبدّل و التبديل ، لكن بصيغة ( الصّفة المشبهة) فالشّهيد هو وصف ديمومي سرمدي فهو شهيد اليوم و غدا و سيظلّ شهيدا إلى قيام السّاعة ، و هذا يوافق : أنّ الشّهداء أحياء عند ربّهم ، و لأنّهم شهداء فهم يحضرون و يشهدون ( من حياتنا ) المواقف ، بينما لا نشهد عالمهم نحن ؛ لأنّهم في الأصل أحياء و لكنّ النّقص و العجز فينا من لا نشعر بمايؤكده قول الخالق :” و لكن لا تشعرون “.
إذن و بهذا بدت روحي تطمئن أكثر لحياة الخلود التي أعشقها شهادة في سبيل اللّه ، لأحيا ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ، و هنا فقط سأتحوّل من فئة الذين : لا يشعرون إلى عالم : يشعرون و قد رأيت و سمعت و شهدت ما لم يكن على خاطر أو بال ، أو ليست الشّهادة حياة ؟!

قد يعجبك ايضا