العلامة حمود بن عباس المؤيد.. رحلة الزهد والعطاء

ودع الشعب اليمني فقيد اليمن الكبير والأمتين العربية والإسلامية السيد العلامة حمود بن عباس المؤيد عن عمر ناهز الـ103 سنوات قضى معظمها في خدمة الوطن في مجال العلم والوعظ والإرشاد والتدريس وعمارة المساجد.
وكان السيد العلامة حمود بن عباس المؤيد قد أفنى حياته بالأعمال الصالحة التي تجلت في مؤلفاته المختلفة وأبرزها “الشعاع المضيء” و”النور الأسنى في أحاديث الشفاء” وغيرها الكثير من المؤلفات وفي الإفتاء وملازمة تدريس الفقه والشريعة الإسلامية مع طلابه حتى وفاته.
كما كان الفقيد المؤيد من أساطين العلم وأوتاد التقى والزهد معروفاً بالخير وداعياً إليه ومصلحاً ربانياً مدافعاً عن الحق وناصراً للمظلوم .
ولد السيد العلامة المؤيد رحمه الله عام 1336هـ في قرية العتمة ناحية غربان من بلاد ظليمة في حاشد لأن اباه كان عاملاً ببلاد ظليمة ولم يلبث رحمه الله فيها إلا قليلاً واسمه حمود بن عباس بن عبدالله بن عباس بن عبدالله بن يوسف بن محمد بن الحسن بن الإمام المتوكل على الله اسماعيل بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد رضوان الله عليهم أجمعين.
تحدث عنه الكثير من العلماء أبرزهم السيد العلامة علي بن محمد الشرفي رحمه الله الذي تحدث عنه بشكل مطول منه قوله أن السيد السند، والمرشد المعتمد الداعي بالعلم والموعظة الحسنة إلى الواحد الأحد الذي افنى شرخ شبابه وريعان قوته في العلم وطلبه والعبادة والعمل الصالح .. إلى أن قال فيه “كينعي زمانه وابن أدهم أقرانه ويوسف إخوته وإخوانه وزين العابدين في عصره وأوطانه. كما قال عنه مفتي الجمهورية السابق السيد العلامة أحمد بن محمد زباره رحمه الله أن العلامة حمود بن عباس المؤيد امضى حياته في الدرس والتدريس والوعظ والإرشاد والإفتاء والإصلاح بين الناس وفصل خصوماتهم بالحق بدون أي غرض أو أجرة وإنما أعماله كلها خالصة لوجه الله فلذا وثق به المؤمنون وانتفعوا به.
أما السيد العلامة المولى محمد بن محمد المنصور – رضوان الله عليه – فقال بأن العلامة حمود بن عباس المؤيد هو الاستاذ لما أعلم من فقهه وتقواه وجودة فهمه وحسن استنباطه واشتغاله بالطلب من مستهل حياته.
وكان رحمه الله في نشاط مستمر وجد واجتهاد منقطع النظير تدريساً وتحقيقاً وتصنيفاً للعلوم الشرعية وصياماً لأيام البيض شهرياً وغيرها من الأيام الفضيلة وخطيباً للجمعة من سنة 1352هـ حيث يعد مسجده الذي يخطب فيه الجامع الثاني بعد الجامع الكبير بصنعاء.
عرفه الكثير بتفرغه في التدريس من بعد صلاة الفجر في مسجده المعروف بالنهرين لشرح العديد من كتب الفقه كالكشاف وشرح التجريد، والاعتصام للإمام القاسم والأحكام وشرح الازهار وشرح نهج البلاغة والفرائض والبلاغة وغيرها من العلوم الشرعية والفقهية منذ أكثر من سبعين عاماً.
وما إن يتم ذلك الدرس حتى ينتقل رحمه الله إلى منزله تالياً لسورة يسن وغيرها في طريقه لتناول لُقيمات فطوره ثم لا تراه بعد ذلك إلا تالياً للقرآن أو محققاً لمسألة أو مستنبطاً لبعض الأحكام أو مواسياً لطلبة العلم والفقراء والمحتاجين ولا يخفى على أحد يعرفه ما يقوم به من افتاء للمتوافدين من مختلف انحاء البلاد اليمنية راداً ومجيباً على فتاويهم في جميع الأوقات حتى في طريقه إلى المسجد أو عند عودته منه، وهكذا لا تجده في نهاره إلا مدرساً أو واعظاً أو مفتياً أو راكعاً أو تاليا للقرآن أو ذاكرا لله عز وجل.
وأما ليله, فقد كفانا الله وصفه ووصف أمثاله بقوله تعالى “كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون” وكان الكثير ينظر اليه بأنه رحمه الله سلسلة من العترة النبوية الطاهرة الزكية الذين وهبوا حياتهم خدمة للناس ولشرح الدين الإسلامي.
ومما ينبغي الإشارة اليه ما قام به من أعمال خيرية عامة من أوقاف ومحاسن ومساجد لمس نفعها وبركتها الناس من مختلف المناطق فأماكن كثيرة بنى فيها إما مسجداً أو مدرسة لتعليم القرآن العظيم والعلوم الشرعية أو منهلاً أو بركة ماء وذلك إما اسهاماً منه أو مشاركاً وإما دالاً عليه ومرغباً, ومحفزاً وشعاب اليمن وأوديتها تشهد له بما قد صنع فيها من محاسن وأوقاف يستفيد منها الإنسان والحيوان والطير والنبات من دون حب منه للشهرة فكان ممن قال الله تعالى فيهم “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين” وكان يقول إذا دخل قرية أو رأى جبلاً أو وادياً استودعت هذه البقاع شهادة ألاّ إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وكان رحمه الله كثير الورع محتاطاً في جميع أموره وفي فتواه خاصة, متأنياً في الأمور متبصراً فيها، ذا نظر ثاقب, عظيم الزهد, كما انه رحمة الله تغشاه لم يقتصر على دراسة كتب أهل البيت “ع” وعلومهم بل تعداها إلى قراءة كتب العامة في مختلف العلوم.
تلامذته: لا يستطيع شخص حصر تلامذة العلامة المؤيد رحمه الله لكثرتهم ولا يزال كما أسلفنا في تدريس مستمر ويحضر حلقاته بجامعه المعروف الكثير من طلاب العلم والذين قد بلغ بعضهم درجة عظيمة من العلم والفضل ولمس الناس النفع منهم.

قد يعجبك ايضا