الشائعات وخطرها على الأمن والمجتمع


إن الشائعات مرض خطير يهدد كيان أي أمة في أمنها واقتصادها وتقدمها كما يؤدي إلى هلاك الفرد وضياع المجتمع فكم أهلكت من قرى وأبادت من شعوب وجيوش وأوغرت من صْدور وزرعت من غل وحقد وحسد وكم خربت من بيوت وفي عالمنا المعاصر وفي ظل التقدم والتطور في وسائل الاتصالات أصبحت الشائعات أكثر رواجاٍ وانتشاراٍ وأبلغ خطراٍ.
ولاشك أن الصراع البشري سيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ومن ثم فأهل الباطل الذين يسعون إلى الإفساد في الأرض وتخريبها لا يفترون في استخدام كل وسيلة تعوق الحق عن مواصلة جهده وتحقيق أهدافه.
وقد عرف العلماء الشائعات بأنها جمع شائعة والإشاعات في اللغة أصلها من الشيوع والانتشار ثم استعملت في الأخبار التي تنتشر ومن غير تثبيت.
وفي الاصطلاح: هي النبأ الهادف الذي يكون مصدره مجهولاٍ والشائعات هي الأفكار التي يتناقلها الناس دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها أو هي تروج خبراٍ مختلقاٍ يحتوي جزءاٍ من الحقيقة. ولذا فالشائعات لها أثرها على الفرد والمجتمع وعلى الأمن بوجه خاص.
فأول الآثار التي تترتب على الشائعات ضياع الأمن والأمان في المجتمع ولاشك أن نعمة الأمن من أجل النعم ولذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من أصبح منكم آمناٍ في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) “رواه الإمام الترمذي وابن ماجة بإسناد حسن وحسنه الألباني في صحيح الجامع”.
فقد بين صلى الله عليه وسلم أن الدنيا تجمع للعبد في ثلاثة أشياء ومنها نعمة الأمن وقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو في بداية كل شهر عربي عندما يهل الهلال ويطاله في السماء فيقول: (اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربكِ الله) “رواه الإمام أحمد عن طلحة بن عبيدالله.
فهذه النعمة التي هي من أجل النعم تضيع بسبب شائعة مغرضة يترتب عليها أثرها السيئ الذي أدى إلى ضياع نعمة الأمن.
كما أن الشائعات تؤدي إلى تفريق المجتمع وضياع وحدته وهذا ما فيه من مخالفة يقول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا) “سورة آل عمران”. فإنه يؤدي إلى ضياع نعمة الأمن وذلك بسبب شائعة كاذبة أدت إلى تفريق الصف وضرب وحدته مما يترتب عليه ضعف المجتمع وضياع أمنه.
كما تؤدي الشائعات إلى انعدام الثقة بين أفراده فإذا انعدمت الثقة بين أفراده ضاع أمن المجتمع.
ولذا لابد من إظهار حقيقة الشائعات وخطرها على أمن المجتمع حتى يمكن التصدي لها حماية للأمة من التفرق والتشرذم وحماية لأمنها وأمانها.
ولاشك أن الشائعات جريمة ضد الدين وضد الوطن وأفراده وأمنه وأمانه وصاحبها قد أجرم في حق دينه ووطنه ومجتمعه. فالشائعات تؤدي إلى اضطراب المجتمع وانتشار الفوضى بين أفراده.
ومن العجب العجاب أن علماء العصر الحديث جعلوا الشائعات صورة من صور الإرهاب وذلك لأنها تؤدي إلى خوف الناس وفزعهم وزعزعت استقرارهم وضياع أمنهم وأمانهم.
فبسبب شائعة مغرضة يعيش الإنسان مهدداٍ في نفسه في ماله في أهله وولده.
ولهذا أظهر لنا القرآن الكريم أن الشائعات تعمي صاحبها عن الحق وعن الصراط المستقيم قال الله تعالى: (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
ومن ثم فصاحب الشائعة يتبع هوى نفسه فهو إنسان مغرض لا يرى الحق ولا يعرف الطريق المستقيم ولذا فهو يهدف إلى إسقاط إنسان أو أمة أو مجتمع أو دولة …..الخ.
ومن ثم فقد فطن الرسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الأحزاب حين ظهرت طائفة من المنافقين الذين ينقلون الشائعات الكاذبة بغرض ضياع الأمن والأمان بين جيش المسلمين وشق وحدته والعمل على تفريق الصف وقد تعلل هؤلاء المنافقون بقولهم: (إن بيوتنا عورة وماهي بعورة إن يريدون إلا فراراٍ) “سورة الأحزاب”.
فأظهر الله سبحانه وتعالى نفاقهم وبين أن هؤلاء لو خرجوا لكانوا أشد فتنة وذلك لأنهم ينقلون الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة التي تؤدي إلى ضياع الأمن والأمان وتفريق وحدة جيش المسلمين فقالوا الله تعالى: (لو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالاٍ ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين).
فهؤلاء المنافقون أصحاب الشائعات لو خرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم لكان هناك من يسمع لقولهم من الشائعات المغرضة الكاذبة التي تؤدي إلى زرع الخوف في قلوبهم وتفريق شمل المسلمين.
ومن ثم فالشائعات من الأسباب الرئيسية في إضاعة الأمن والأمان في المجتمع علاوة على تفريق وحدة المجتمع فهي مطلب الفاسدين الذين يهدفون إلى إسقاط المؤسسات وضياع الأمم وانتشار القتل وقطع الطرق وتضييع الحقوق.
ولذا على الأمة أن تفطن لمثل هذا المرض الخطير حتى لا يضيع أمنها وحتى لا تْراق دماء أبنائها.
* عضو بعثة الأزهر الشريف في اليمن

قد يعجبك ايضا