مظاهر تسيء لقيمة الحج.. والوعي المجتمعي مكمن الخلل


القانون يجرم كل ما يقلق السكينة لكن الدور الأمني يتوارى

مستشفيات: نستقبل ضحايا كثر بالتزامن مع عودة الحجاج من بيت الله الحرام

دعاة:
الإسلام نهى عن تلك الأفعال وعدها من باب الاعتداء على النفس وإقلاق الأمن العام

يشعر الطفل العامل في الريفعاد حجاج بيت الله الحرام إلى ديارهم بفرحة عامرة بأداء مناسك الحج وابتهاجاٍ بلقاء أهلهم وذويهم غير أن تلك الفرحة على المستوى المحلي شابها عادات سلبية تمثلت لدى البعض بإطلاق الرصاص الحي والألعاب النارية نتج عن ذلك أحياناٍ ضحايا بين قتيل وجريح وإزعاج وإقلاق للسكينة العامة .. حوادث عديدة خلفتها تلك الظاهرة واستياء شعبي بالغ من صمت وتجاهل الأجهزة الأمنية والمعنية في ضبط المتورطين .. نتابع.

سلوى الحسني- حقوقية – تساءلت ابتداءٍ بالقول: لماذا تحولت مظاهر الفرح عند الناس إلى مواسم لإقلاق الأمن والسكينة العامة في المجتمع وتقول: منذ انتهاء الحجاج من أداء فريضة ومناسك الحج وشروعهم بالعودة إلى وطنهم واللقاء بأهلهم وذويهم في فرحة إيمانية وروحانية غامرة وعامرة حتى تشوب تلك الروحانية عادات سيئة متمثلة بإطلاق الرصاص ومختلف الأعيرة النارية بصورة عشوائية لا تراعي فيها حقوق الآمنين ولا من حولهم.
ضحايا الظاهرة
حجم الكارثة رغم مشهديها الفرائحية تظهر في تضرر العديد من الناس بالأعيرة النارية العشوائية أو المرتدة التي تطلق ابتهاجاٍ بعودة الحاج وفي الغالب يكون الضحية من أقرباء الحجاج وذويهم .. سلطان القانص والد الطفل محمد – 7 أعوام – أوضح لنا بأن ولده أصيب بإحدى الطلقات النارية العشوائية بكتفه نتج عنها تهشم عظم الكتف وسبب له شللاٍ موضعياٍ في يد ابنه اليمنى نتيجة قيام أحد جيرانه بإطلاق النار بصورة مكثفة احتفالا وابتهاجا بعودة والده ووالدته من أداء مناسك الحج .
وبمرارة يقول القانص: من أشارع الآن ومن أقاضي¿ وماذا يفيد ذلك وابني على هذه الحالة المرضية المؤلمة أتنقل به من مستشفى إلى آخر بحثاٍ وأملاٍ في الشفاء ومع ذلك الأطباء عجزوا عن إرجاع ابني محمد إلى عافيته وصحته بحجة أن الإصابة بليغة وقد تتطلب أعواماٍ وأعواماٍ حتى تعود يد ابني إلى طبيعتها.
حرب طاحنة
لم يسلم حتى الآمنين في منازلهم من تداعيات تلك الكرنفالات الملتهبة بالرصاص والألعاب النارية هذا ما حدث لعائلة معين النجدي وما أكدته امرأة طاعنة في السن مصابة بمرض السكري حيث عاد أحد جيرانها من الحج وأطلق أهله وابلاٍ من الرصاص من مختلف الأعيرة النارية بصورة مفزعة وفي أوقات متأخرة من الليل الأمر الذي جعل سكان الحي يشعرون بأن هناك حرباٍ طاحنة لا يعلمون أسبابها مما أدخل أم معين النجدي في غيبوبة بسبب الخوف والرعب الذي تملكها فنقلت على إثر ذلك إلى المستشفى ليتبين أنها أصيبت بجلطة دماغية في الجهة اليمنى من جسدها جراء تلك العادات السيئة التي تمحق الأجر والثواب.
الانفلات الأمني
الناشط المدني يحيى علوان أوضح بأن للانفلات الأمني دوراٍ بارزاٍ في تفشي هذه الظاهرة وقال: لو وجدت وطبقت القوانين الرادعة لما تجرأ أحد على إثارة الفوضى وإقلاق السكينة العامة وأكد أن غياب دور الأمن يعد فرصة سانحة وبيئة خصبة للتوتر وجر البلاد إلى حالة من الفوضى معها لا يأمن الإنسان على نفسه ولا ماله ولا أسرته.
إصابات مختلفة
من جهتها أوضحت رئيسة قسم التمريض بمستشفى السبعين الدكتورة آمنة علي عبدالله إن المستشفى يستقبل يومياٍ منذ عودة الحجاج حالات وإصابات مختلفة جراء الطلق العشوائي للأعيرة والألعاب النارية كعادة سنوية متزامنة مع عودة حجاج بيت الله إلى منازلهم وديارهم.
وأضافت متسائلة: أين دور الجهات المعنية والأمنية على حد الخصوص في ضبط المتورطين في إثارة الفوضى وإقلاق السكينة العامة ومن هو غريم هؤلاء الضحايا واعتبرت تلك التصرفات سلوكاٍ لا إنساني لا يستشعر المسؤولية المجتمعية والوطنية وأضافت: بعد الروحانية والتوبة والأجواء الدينية المقدسة والعودة الصادقة إلى الله يتسببون في قتل أو إصابة النفس المحرمة جراء ما يقدم عليه أهلهم وذويهم من دون حسيب ولا رقيب.. وهذا أمر غير لائق.
الأجهزة الأمنية
ويؤكد الدكتور أمين الحذيفي – أستاذ القانون الجنائي بأكاديمية الشرطة أن هناك العديد من القوانين المجرمة لهذه الظاهرة باعتبارها مصدراٍ رئيسياٍ لزعزعة الأمن والاستقرار ومقلقة للسكينة والأمن العام في البلد .. وقال ما يحدث من إطلاق النار والألعاب النارية بهذا الشكل المفزع وما يسببه ذلك من ضوضاء وملوثات بيئية وصحية مقلقة ومؤثرة على حياة الناس يطرح السؤال التالي من أين دخلت كمية هذه المتفجرات والطلقات ذات الأعيرة النارية الثقيلة حتى سارت سهلة الحصول والاستخدام في ظل وجود ثغرة أمنية لا مثيل لها على مستوى تاريخ البلاد وتابع: والمسؤول هنا ليس أهالي الحجاج وحدهم بل الدولة بشكل رئيسي لماذا لم تضبط هذه الشحنات قبل وصولها ولماذا لا تضبط المتورطين ليكونوا عبرة لغيرهم لكن الدولة هنا لها دور سلبي وعاجز في ضبط هذه الاختلالات .
دور الداخلية
وجهتنا بعد ذلك كانت وزارة الداخلية للحصول على أرقام وإحصائيات لحوادث وضحايا هذه الظاهرة ولمعرفة دور الوزارة في ضبط المتورطين ولكن للأسف لم نجد أي إحصائيات حول تلك الحوادث حيث أفادنا ياسر سلطان من وزارة الداخلية: إن الوزارة ليس لها أي دور يذكر في ضبط من يقومون بإطلاق الرصاص الحي والأعيرة والألعاب النارية عند استقبال الحجاج ولا يوجد هناك أي حالة ضبط .. وأرجع الأسباب إلى غياب دور الأجهزة الأمنية عن القيام مهامها بحجة غياب الدولة في فرض هيبتها وهيمنتها ومكانتها ضد المتلاعبين بأمن البلاد والمجتمع لتتفاقم إثر ذلك هذه الظاهرة ويزداد ضحاياها.
أعمال منهي عنها
(لا يحل لمسلم أن يفزع أخاه) بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استهل العلامة يحيى الغيثي حديثه معنا وأضاف: إن الإسلام مرتكز على استتباب جذور الأمن والاستقرار وجاء مشدداٍ على أهمية إحلالهما وحرمة ترويع الآمنين (حق المسلم على المسلم ثلاثة دمه وماله وعرضه) والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
وواصل الغيثي بالقول: فريضة الحج هي طهارة النفس من الخطايا والذنوب من كل دنس وعيب ولها ما لها من تداعيات إيمانية ووجدانية وما تحققه من طمأنينة نفسية ومجتمعية فكم لحجاج بيت الله من الفضل العظيم والجزاء الذي لا يعلم مداه ولا منتهاه إلا خالقهم.
وزاد بالقول: بيد أن ذلك الجزاء والأجر قد يتلاشى وينقلب حجة ووبالاٍ عليهم .. لعلمهم بما سيفعله أهلهم وذويهم حال عودتهم من إثارة وإقلاق للسكينة العامة للناس وما ينتج عن ذلك من ضحايا بين قتيل أو مصاب وخوف وذعر الأطفال والنساء وإزعاج المرضى بغير وجه حق ولا مبرر لتلك الأفعال المنهي عنها في الإسلام حتى سارت عادات يتفاخر بأدائها البعض في ظل تجاهل الجهات المعنية.

قد يعجبك ايضا