لم تعد المساعدات الإنسانية مجرد شريان حياة، بل أصبحت فخاخاً للموت الجماعي، تكشف عن نية إجرامية مبيتة، وتُسقط آخر الأقنعة عن وجه تحالفٍ لا يرى في البشرية إلا أرقاماً، ولا في القيم إلا شعاراتٍ جوفاء.
من فاجعة “مجزرة الطحين” التي هزت الضمائر، إلى “مجزرة ويتكوف” الأخيرة، تتوالى فصول الجريمة الممنهجة، فبعد ما يقارب العامين من الإبادة والتجويع المفتوح على مرأى ومسمع العالم المتخاذل، لم تكتفِ تل أبيب وواشنطن بما ارتكبتاه من جرائم وحشية، بل تعمدتا وبشكل مفاجئ استهداف جموع الجائعين في رفح جنوب غزة، هذه الجريمة البشعة أودت بحياة مائة وثمانين فلسطينياً بين شهيد وجريح.
إنها فاجعةٌ تهتزُ لها السماواتُ، وتضجُ لها أصواتُ الرأي العامِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربها، لكنها لم تحركْ ساكناً في ضمائرِ الأنظمةِ العربيةِ الصامتةِ، إنَ التوصيفاتِ الدوليةَ لِما حدثَ بـ “فخٍ مميتٍ” لاَ تكفيَ لِوصفِ حجمِ الجريمةِ، بلَ تُسقطُ ما تبقىَ منَ أقنعةِ الإنسانيةِ الزائفةِ التيَ تتشدقُ بهاَ الدولُ الغربيةُ. فما لمَ تتحولْ الأقوالُ إلىَ أفعالٍ حقيقيةٍ بوقفِ العدوانِ ورفعِ الحصارِ، فإنَ هذهِ الشعاراتِ ستبقىَ مجردَ مزاعمَ مخادعةٍ. هذاَ ما أكدتْهُ القوىَ الفلسطينيةُ فيَ ردِهاَ الحاسمِ علىَ مقترحِ الوسيطِ الأمريكيِ “ويتكوف”، الذيَ كشفَ عنَ وجهِهِ الحقيقيِ كشريكٍ فيَ الإبادةِ لاَ وسيطٍ لِحلٍ.
وفي غمرةِ هذاَ التوحشِ الصهيونيِ، وغيابِ الموقفِ العربيِ الرسميِ، يسجلُ يمنُ الإيمانِ والحكمةِ بعملياته المستمرة ضد الكيان موقفاً مشرفاً.
إنَ هذهِ الجرائمَ المتتاليةَ لاَ تزيدُ الشعبَ الفلسطينيَ إلاَ صموداً، ولاَ تزيدُ اليمنَ إلاَ إصراراً علىَ مواصلةِ دعمِهِ، فليعلمِ العالمُ أجمعُ أنَ الحقَ لاَ يموتُ، وأنَ العدالةَ ستنتصرُ، وأنَ اليمنَ سيظلُ صوتَ الحقِ الذيَ لاَ يخشىَ لومةَ لائمٍ، حتىَ يتحققَ النصرُ لِغزةَ وكلِ فلسطينَ.
إن هذه الجرائم البشعة، ستبقى وصمة عار في جبين كل من صمت أو تواطأ.. لكن من رحم هذا الألم، يولد صمودٌ أسطوريٌّ، وإرادةٌ لا تنكسر، تؤكد أن الحق لا يموت، وأن العدالة قادمةٌ لا محالة، وفي هذا المشهد المظلم، يظل اليمن بقلبه النابض بالإيمان وبسواعد أبنائه الأبية نبراساً يضيء دروب الأحرار.