للنصر في القاموس وفي مفاهيم الناس أسماء ومصطلحات متعددة، كل طرف ينظر إليه بمنظوره الخاص، لكننا اليوم نتحدث عن النصر بمفهوم ذاتي، يتعلق بالانتصار على الذات وسحق الإرادات المهزومة، كوسيلة للانطلاق إلى عالم آخر، عنوانه الكرامة والسيادة والاستقلال، وهذا هو المفهوم الذي نتحدث عنه اليوم، والذي يمثل توصيفاً دقيقاً للواقع وما يحدث فيه من تحولات كبيرة، بدأت بمواجهة أعتى وأشرس معتد ومغتصب للأرض، للأسف عندما تمالأ معه الزعماء العرب في هذا الزمن، تعدى الأرض إلى محاولة اغتصاب الكرامة وسحق النفوس، من أجل الوصول إلى غايته الدنيئة .
كم أتمنى لو كل عربي ومسلم قرأ بدقة وبتروي طبيعة المواجهة القائمة بين اليمن، أقول اليمن بمكوناتها الطبيعة الأرض والإنسان، بعيداً عن تلك الشرذمة التي باعت نفسها للشيطان، وبين كلاً من أمريكا والعدو الصهيوني، لو أمعنوا القراءة في هذا الجانب والمقومات التي بدأ بها الجانب اليمني لوصلوا إلى حقيقة أهمها أن المال لا يصنع الإرادة لكنه يبعث الذُل في النفوس ويجعلها تستسلم للقهر، بينما الإرادة وامتلاك الذات هما المعيار الحقيقي للتغلب على كل الصعاب وقهر كل ما يعيق الانطلاق نحو المستقبل بخطوات جادة وحازمة .
لا أقول هذا الكلام من باب التخمين أو القراءة الساذجة للواقع، ولكن من خلال الحقائق والمعطيات التي تتسابق دوماً لتُعبر في كل يوم عن جديد في هذا الجانب، بما يؤكد أن شعبنا اليمني بات يمتلك الإرادة والقوة المعززة بإيمان صادق وتأييد مطلق من الخالق سبحانه وتعالى، فها هي المفاجأة الجديدة التي أعلن عنها الرئيس المشاط والمتمثلة في امتلاك قوات دفاع جوي قادرة على مواجهة الصلف الصهيوني، إن فكر في الاعتداء على الأرض اليمنية من جديد تُذهل الآخرين، وهذا ما لم يكن يتوقعه كل الأعداء ناهيك عن من يعتبرون أنفسهم أصدقاء، لا أدري ما هو عنوان هذه الصداقة؟! وهم يتمنون للصديق الويل والثبور وعظائم الأمور .
بالأمس كان وزير الخارجية الإيراني يتحدث بصراحة ويُزكي كل الأعمال التي تقوم بها اليمن ضد الصهاينة ويعتبر هذا من المواقف المبدئية الثابتة التي يجب أن يكون عليها كل عربي ومسلم، وإذا بقنوات الدفع المسبق تتسابق للحديث عن هذه النقطة بالذات، وتعتبر الموضوع اعتراف من وزير الخارجية الإيرانية بدعم الحوثة «بحسب وصفهم»، يا إخوان، أتعبتم البلاد والعباد، لم نعد نعرف ماذا تريدون؟! فالخطابات من قبلكم متناقضة غير سوية، ففي حين تشغلون المشاهد أو المستمع بالأناشيد الحماسية مع فلسطين، نجدكم في الجانب الآخر تُجرّمون ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية، وتعتبرونها أعمالاً ضد اليمن واليمنيين، وهنا أخاطب جماعة يعرفون أنفسهم جيداً شغلونا على مدى أربعة عقود في المساجد والطرقات والميادين العامة، أينما حلوا يفرشون «الصمائد» ويطالبون بالتبرع لفلسطين، ليتضح الأمر في النهاية أنها مجرد يافطات كاذبة لا تمت بصلة إلى فلسطين، ولم تُقدم للقضية ولا للشعب الفلسطيني فلساً واحداً .
وهنا لابد لنا أن نفخر بما يجري اليوم من مواقف بطولية شجاعة، لا نُقيسها بذلك المقياس المادي السخيف، المتمثل في خراب منشأة هُنا أو قصف دائرة هناك، لكننا نقيسها بالضربات النارية التي بدأت تُؤرق الكيان الصهيوني وتفرض عليه حصاراً شديداً، وكأننا نقول للعالم لا يوجد أحد أحسن من أحد، وهذا هو عيد النصر الحقيقي أن تنتصر على الذات وتقهر المعتدي، وأقصد هُنا بالذات الذات المسحوقة الخانعة الذليلة التي تسير وفقاً لإرادة الآخرين، وستظل المسيرة إن شاء الله بنفس الوهج حتى يتحقق النصر الكبير على العدو الصهيوني ومن يقف خلفه .
لن أطيل أكثر، والحليم تكفيه الإشارة، وفي الأخير التهنئة الصادقة لشعبنا اليمني العظيم وقواته المسلحة وقيادته الصادقة بعيد الأضحى المبارك، ومن نصر إلى نصر، والله من وراء القصد …