اليمن إيمانٌ وحكمةٌ ويقظةٌ وهِمَّةٌ، فَالإِيمَانُ يُنَوِّرُ القلبَ، ويُصْلِحُ النفسَ، ويَقُودُ إلى اليقينِ، واليقظةُ تعني صَحْوَةَ القلوبِ عن غفلتِها، واستجابَتَها لبارئِها، وتوكُّلَها على خالقِها: (ومَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى? مَا آذَيْتُمُونَا ? وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)، شاهدُ ذلك استجابةُ اليمنِ للهِ ولرسولِهِ ولشريعتِهِ، فها هم أبناءُ اليمنِ يَأْمُرُونَ بالمعروفِ ويَنْهَوْنَ عن المنكرِ الذي تُمَارِسُهُ الكيان الصهيوني في فلسطينَ، ويَصْرُخُونَ في وجوهِ المستكبرينَ بعزيمةٍ واقتدارٍ ويقينٍ، فصواريخُهم وطائراتُهم المسيرةُ تَدُكُّ معاقلَ الصهيونيةِ اليهوديةِ، وتَرْفَعُ يدَ المظلومينَ في فلسطينَ؛ إنَّ قلوبَ المجاهدينَ من أنصارِ اللهِ في يمنِ الإيمانِ والحكمةِ قد امتلأَتْ نورًا وحبًّا للهِ ولرسولِهِ ولشريعتِهِ ولإخوانِهِمْ في فلسطينَ، وانْتَفَى عنهم كلُّ ريبٍ في عدالةِ قضيةِ شعبِ فلسطينَ، وأنَّ سَفْكَ دماءِ أبناءِ غزةَ سَيُطَوِّقُ رقابَ الظالمينَ.
فَكَمَا دَكَّ أَجْدَادُنَا مِنَ العَرَبِ وَالمُسْلِمِينَ حُصُونَ المُسْتَكْبِرِينَ عَبْرَ التَّارِيخِ، هَاهُمُ اليَوْمَ أَبْنَاءُ اليَمَنِ وَلُبْنَانَ وَإِيرَانَ وَفِلَسْطِينَ يُعِيدُونَ مَجْدَ التَّارِيخِ.
فأبناءُ اليمنِ يُدْرِكُونَ أنَّ نُصْرَةَ المظلومِ تعتبرُ نُصْرَةً للهِ، وعملًا بكتابِهِ، وعملًا إنسانيًّا يُسَارِعُ إليه المخلصونَ، ويَتَثَاقَلُ عنه الغافلونَ.
وللهِ ما أنفعُ هذه اليقظةَ الإيمانيةَ والإنسانيةَ، وأَعْظَمُها وأقوى إيمانِها الذي هو روحُ أعمالِ القلوبِ، وقُطْبُ رَحَى الأعمالِ الصالحةِ التي بها رضا الحقِّ سبحانه وتعالى.
والإيمانُ الصادقُ بقولِ النبيِّ الكريمِ: «إنَّ من اليقينِ أنْ لا تُرْضِيَ أحدًا بسَخَطِ اللهِ، ولا تَحْمَدَنَّ أحدًا على ما آتاكَ اللهُ، ولا تَذُمَّنَّ أحدًا على ما لم يُؤْتِكَ اللهُ، فإنَّ الرزقَ لا يَجُرُّهُ حِرْصُ حريصٍ، ولا يَصْرِفُهُ كَرَاهَةُ كارهٍ، إنَّ اللهَ بحكمتِهِ وفضلِهِ جعلَ الروحَ والفرحَ في الرضا واليقينِ، وجعلَ الهمَّ والحزنَ في الشكِّ والسخطِ».
وجاءَ في كلامِ الإمامِ عليٍّ عليه السلام: (ألا وبالتقوى تُقْطَعُ حُمَةُ الخطايا، وباليقينِ تُدْرَكُ الغايةُ القصوى).
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقَ النَّصْرِ مَحْفُوفٌ بِالمَكَارِهِ، وَلَكِنَّ الأَمَلَ الَّذِي أَضَاءَهُ اليَمَنُ اليَوْمَ سَيَكُونُ *شُعْلَةٌ تَتَقَدَّمُ فِي ظَلَامِ المِحْنَةِ* حَتَّى تَحْرِيرِ كُلِّ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، فَالْمَعْرَكَةُ لَيْسَتْ مَعْرَكَةَ اليَمَنِ وَحْدَهُ بَلْ هِيَ امْتِدَادٌ لِصِرَاعِ الأُمَّةِ جَمِيعًا، وَكُلُّ صَوْتٍ عَرَبِيٍّ أَوْ إِسْلَامِيٍّ صَادِقٍ هُوَ سِلَاحٌ فِي جَبْهَةِ الحَقِّ.
فما عمِلَ أحدٌ من الناسِ خيرًا، أو دفعَ عن مظلومٍ شرًّا إلا كَتَبَ اللهُ له وُدًّا وحُبًّا في قلوبِ عبادِهِ، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـنُ وُدًّا).
أما من يُوادُّ الصهيونيةَ اليهوديةَ الكافرةَ ويَظُنُّ بها خيرًا وقد نَهَى اللهُ عن موالاةِ الكفارِ ومظاهرتِهم فقد خرجَ عن حقيقةِ الإيمانِ، (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ).
إنَّ من الزعماءِ من يَسْعَى لظلمِ نفسِهِ ولأبناءِ شعبِهِ بموالاةِ من يُحَارِبُونَ فلسطينَ ويَقْتُلُونَ أبناءَها ظلمًا وعُلُوًّا، وذلك من الفسادِ، ومن كَثُرَ فسادُهُ دَنا هلاكُهُ.
فالعاقلُ يَخْجَلُ من نفسِهِ في مُدَاجَاتِهِ وموالاتِهِ لمن نَهَى اللهُ عن موالاتِهم، وعجزِهِ عن مُقَارَعَةِ السفهاءِ الذين يَسْفِكُونَ الدماءَ في فلسطينَ ليلَ نهارَ، فمن استعملَ الظلمَ عَجَّلَ اللهُ هلاكَهُ، فالبغي يَزِيلُ النِّعَمَ ويُطِيلُ النَّدَمَ.
فهذا نِتْنياهو يَتَمَادَى في ظلمِهِ آيِسٌ من رحمةِ ربِّهِ كما يَئِسَ الكفارُ من قبلِهِ (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)، (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، فهو يَتَلَذَّذُ بسَفْكِ دماءِ الأبرياءِ، وقد أَفْقَدَ اليهودَ مكانتَهم في العالمِ، وأَصْبَحَ جهادُهُ واجبًا إسلاميًّا وإنسانيًّا وأخلاقيًّا وقانونيًّا، فهو شيطانُ هذه الأمةِ، الذي يَسْفِكُ الدماءَ، فكلُّ من لديه إحساسٌ بالقيمِ والأخلاقِ والمبادئِ فعليه أن يُعِدَّ العُدَّةَ لمنازلتِهِ وقِتالِهِ، ورَدِّهِ عن ظلمِهِ وبَغْيِهِ، كما فعلَ أهلُ اليمنِ،
وأن يُجَاهِدَ بنفسِهِ وقلمِهِ (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ? ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
فَلْيَكُنْ كُلُّ مِنَّا جُنْدِيًّا فِي مَعْرَكَتِهِ: العَالِمُ بِقَلَمِهِ، وَالمُعَلِّمُ بِوَعْيِهِ، وَالضَّعِيفُ بِدُعَائِهِ، وَالمَرْأَةُ بِصَبْرِهَا وَتَحَمُّلِهَا، فَالْأُمَّةُ الَّتِي تَتَّحِدُ فِي العَزَائِمِ لَا تُهْزَمُ.
إِنَّ دَكَّ عُرُوشِ المُسْتَكْبِرِينَ *لَا يَعْنِي القُوَّةَ العَسْكَرِيَّةَ فَقَطْ*، بَلْ **هَزِيمَةَ المَشْرُوعِ الصِّهْيَوْنِيِّ فِكْرِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا
وَإِذَا عَادَ المُسْلِمُونَ إِلَى سَابِقِ عَهْدِهِمْ عَادَ مَجْدُهُمْ، وَعَلَى شَأْنِهِمْ، وَاتَّحَدَتْ كَلِمَتُهُمْ، وَرَضِيَ رَبُّهُمْ، وَقَرُبَ نَصْرُهُمْ.
فَيَا أَبْنَاءَ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَسَاسَتَهَا سَارِعُوا إِلَى اتِّخَاذِ مَوَاقِفَ مُشَرِّفَةٍ تِجَاهَ هَذَا العَدُوِّ اليَهُودِيِّ الَّذِي يُعِيثُ فِي الأَرْضِ فَسَادًا، فَإِنَّ المُسَارَعَةَ بِضَخِّ المَالِ لِلْفِلَسْطِينِيِّينَ بِسَمَاحَةٍ وَسَخَاءٍ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ مِنْ أَعْلَى دَرَجَاتِ الوَفَاءِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الأَثَرِ الكَبِيرِ عَلَى إِصْلَاحِ أَوْضَاعِ الفِلَسْطِينِيِّينَ وَفَكِّ الحِصَارِ عَنْهُمْ، فَذَلِكَ مِمَّا يَجْلِبُ السَّعَادَةَ وَالمَحَبَّةَ، وَيَدُلُّ عَلَى الإِيثَارِ وَالفَضِيلَةِ، وَقَدِيمًا قِيلَ: مَنْ آثَرَ غَيْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ اسْتَحَقَّ الفَضِيلَةَ، وَبَالَغَ فِي المُرُوءَةِ، وَهَذَا الإِمَامُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «الإِيثَارُ أَعْلَى الإِيمَانِ».
وَقَدْ مَدَحَ القُرْآنُ العَظِيمُ أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَخَلَّقُوا بِهِ فَقَالَ: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ والْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا ويُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
إِنَّ المُسَارَعَةَ بِالدَّعْمِ المَالِيِّ لِلْفِلَسْطِينِيِّينَ يُفَتِّحُ أَبْوَابَ الأَمَلِ، وَلْنَكُنْ أَيْضًا سَنَدًا لِأَهْلِنَا فِي فِلَسْطِينَ بِالعِلْمِ وَالحِكْمَةِ، وَالعَمَلِ عَلَى بَيَانِ حُقُوقِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ فِي مَجَالِ الحُقُوقِ الدَّوْلِيَّةِ، وَلْيَتَذَكَّرْ أَحْرَارُ العَالَمِ وَرِجَالُ الصِّحَافَةِ وَالمُشْتَغِلُونَ فِي المَجَالِ الدِّبْلُومَاسِيِّ أَنَّ الوَاجِبَ يَحْتِمُ عَلَيْهِمْ شَرْحَ مَظْلُومِيَّةِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ فِي المَحَافِلِ الدَّوْلِيَّةِ وَفِي الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، فَإِنَّهُمْ بِذَلِكَ قَدْ يُنْقِذُونَ أَرْوَاحًا، وَأَنَّ الأُمَّةَ الإِسْلَامِيَّةَ مَعْنِيَّةٌ بِاتِّبَاعِ المَنْهَجِ الإِنْسَانِيِّ وَالإِسْلَامِيِّ السَّوِيِّ
فَالْعَاقِلُ يُعَامِلُ النَّاسَ بِالإنْصَافِ، وَيُعَامِلُ أَهْلَ فِلَسْطِينَ بِالإِيثَارِ،
كَسَبَ الَّذِي قَدْ كَانَ يُؤْثِرُ غَيْرَهُ
حَمْدًا فَكَانَ لِنَفْسِهِ الإِيثَارُ
فَيَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ المُجَاهِدُونَ، إِنَّ النَّصْرَ عَلَى هَؤُلَاءِ المُجْرِمِينَ آتٍ لَا رَيْبَ فِيهِ: (ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
فَفِي لَحْظَةِ طَيْشِ العَدُوِّ وَكِبْرِهِ يَأْتِي فَتْحُ اللَّهِ، وَلَنْ يُطْفِئَ هَؤُلَاءِ المُجْرِمُونَ نُورَ اللَّهِ الَّذِي تَسْتَضِيئُنَ بِهِ، وَتَأَمَّلُوا قَوْلَ الحَقِّ: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْواهِهِمْ ويَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.