
باحث في التراث الشعبي : أناشيد وأغان شعبية مرافقة للمدرهة
الأكوع : إهمال الجهات المعنية بهذا الموروث لا يوصف
* صورة بديعة مدهشة تتوارثها الأجيال جيلا بعد آخر تلك الصورة هي “المدرهة” إذ تعبر عن زخم تاريخي وفني وثقافي كبير والمدرهة إحدى أهم المهرجانات الشعبية المرتبطة بفريضة الحج ولمن لا يعرفها فهي أرجوحة تْنصبْ في الحارات أو أحواش المنازل يستخدمها ويتأرجح عليها أقارب الحجاج وسكان الأحياء رجالا ونساء أطفالا وشيوخا بشكل ثنائي مرددين بعض الأهازيج الشعبية والتي تواكب موسم الحج ابتداء من توديع الحاج وانتظاراٍ له ومن ثم لاستقباله.
موروث تتفرد به العاصمة صنعاء على وجه الخصوص لكنها بدأت بالتلاشي والاختفاء تدريجياٍ.. المزيد حول هذا الموروث في سياق التحقيق :
* عن المدرهة وارتباطها بموسم الحج يحدثنا الحاج ” يحيى الوتاري- 60عاماٍ ” من سكان صنعاء القديمة قائلاٍ : ” كان لموسم الحج نكهته الخاصة حيث يبدأ أبناء الحي بالتجمع والبدء بنصب المدرهات في أحواش المنازل للنساء وفي الحارة للرجال وكانت توضع على المدرهة بعض آثار الحجاج وتسمى “كسوة الحج”.
– وتبدأ مراسم الاحتفال بالحجاج من بدء سفرهم وحتى عودتهم كانت الأهازيج مستمرة طوال اليوم ومعظم ساعات الليل كما كان للرقص الشعبي وضرب الطبول ” البرع ” مرافقاٍ للمدرهة وأهازيجها.
– وعن ارتباط المدرهة بالحج تحدثنا الحاجة ” تقية مساعد- 55عاماٍ ” قائلة : كانت فريضة الحج قديماٍ تلفها المخاطر وكان يستغرق الحاج للذهاب والعودة إلى مكة المكرمة ثلاثة إلى أربعة أشهر لأن سفر الحاج كان سيراٍ على الأقدام أو على الدواب ” الجمل أو الخيل ” للميسورين والأغنياء ولذا فالحاج يكتب وصيته قبل المغادرة ويطلب السماح من الأهل والجيران.
– وتضيف : أما في وقتنا الحاضر فقد قل إقبال الناس على المدرهة وأصبح الحاج يسافر ليؤدي مناسك الحج ويعود في أسابيع قليلة لأن المواصلات الحديثة على حد قولها قربت البعيد.
أهازيج شعبية
من جانبه يحدثنا الباحث في التراث الثقافي الشعبي حسين المذابي فيقول : تنصب المدرهة ” الأرجوحة” في أحياء الحارات أو في أحواش المنازل ويجتمع أقرباء الحجاج والجيران حولها ويتم التناوب بينهم في ” الدراة ” حيث يتم خلالها البدء بالأهازيج الشعبية وكانت عبارة عن ” أدعية للحجاج ورقصات شعبية ” وبالأخص الأهازيج الخاصة بالمدرهة .
وعن الأهازيج أو الأناشيد التي كان يرددها مرتادو المدرهة يقول المذابي : يتجمع الجيران والأهل والأقارب والأصدقاء حول المدرهة ويتناوب اثنان على الأهازيج فكان الأول يردد : “يا مدرهة يا مدرهة مال صوتش واهي قالت أنا واهية وما حدٍ كساني وكسوتي رطلين حديد والخشب رْماني” ويرد الآخر عليه وينشد : ” يا مْبشر بالحجيج بشارتك بشارة هنيِت لك يا حاجنا فزت بالغفران قد زرت قبر المصطفى وتلمس الأركان ثم الصلاة والسلام على المصطفى العدناني ويا من سمع يصلي على النبي العدناني”.
ويضيف المذابي : كانت المدرهة تزين بكسوة تسمى “كسوة الحج” وهي شيء من ملابس الحاج نفسه وتنشر هذه الملابس على أعمدة المدرهة ” مثل العمامة أو الجنبية وإذا كانت امرأة فتنشر أدوات زينتها مثل المصوغات الفضية أوالذهبية وغصون من الريحان وغيرها.
تراث عريق
* وعلى نفس الصعيد يحدثنا رئيس جمعية المنشدين اليمنيين علي محسن الأكوع قائلاٍ : لدينا ماض ثقافي أدبي تاريخي عريق ومن ضمنها ” المدرهة ” ذات موروث شعبي جميل وللمدرهة ألحانها الخاصة بها ولا يوجد مثيل لها في أي مكان في العالم وللأسف بدأت تنقرض تدريجياٍ وتنسى.
– وعن الخصائص الفنية لأهازيج المدرهة يقول الأكوع : ” هذه الأهازيج تقوم على الاسترسال الصوتي وفيها حرية للمدى الصوتي طولا وقصرا وتخلو تماما من الإيقاعات المصاحبة ولا تخرج في مجملها عن ثلاثة ألحان فيما تعد النصوص الشعرية في مجملها عن توديع الحجاج والدعاء لهم وانتظار عودتهم ثم استقبالهم.
– ويوضح الأكوع أن شعراء المدرهة مجهولون وغالب الظن أنها تشكلت في الوجدان الشعبي عبر تراكمات طويلة ظلت قابلة للإضافة والتهذيب وصولا إلى العصر الحديث.
– وعن الاهتمام الرسمي بهذا الموروث يؤكد الأكوع أنه دون المستوى المطلوب لأنه لم يتجاوز عددا من الفعاليات المتقطعة التي من بينها المهرجان الكبير الذي أقامته وزارة الثقافة في 2005م على مدى ثلاثة أيام فقط كما تعتبر أهازيج المدرهة نوعاٍ من أنواع النشيد الصنعاني مشيرا إلى أن نصوص هذه الأهازيج ظلت تراثا شفهيا لقرون طويلة وأن الكتاب “روائع فن النشيد الصنعاني” الصادر عام 2004م وثق فيه أبيات المدرهة وبعض القصائد الخاصة بالحج ويعد أول توثيق نصي لهذا الفن مطالباٍ الجهات المختصة بالاهتمام بهذا الموروث الشعبي المتميز .