فجر بعيد..

اختارتهم ليكونوا نزلاءها الدائمين , بل طوقت على أنفاسهم تترقب عن قرب حالات الوجع من أقاصي الخوف وحتى منتهى الألم .
تلتصق فيهم فتغمرهم لونا حزينا باهتا غير قاصدة إرهاب النفس البشرية …!
لقد ألفتهم كونهم ملائمين لجو .. رائحة .. حالة.. جدران الغرفة البعيدة من منزل الوهم , يتلفت قاطنوها يسارا ويمينا , يغلقون أبوابها بنوع من القوة , ليذهبوا للنوم مبكرا لا يرون أحدا ولا يراهم أحد ..!
مطوقون بأحزانهم ومآسيهم , متفردون بما يحتوي صدورهم من قلق مبكر , غارقون في أفكارهم الصغيرة , طامحون للسكون .. للرحيل ..!
تتمدد أعينهم على نافذة الغرفة , كيما يسرقوا منها أملا للنور القادم , لكنها الجدران تغلق دونهم المكان ليبقوا حبيسي الزاوية المطلة على ركن المنزل المجاور , في تلك الغرفة تعيش الأرواح دون نبض تجملها ألوان الكون , ليبقى اللون الأسود هو الحاضر على الدوام , يستلقي على وجعه يردد كلمات كلها تصب في لحظات التشاؤم , وكلما سمع صوت الغضب يدق أسماعه , يحمل عباءته ليختفي خلفها ويغلق عيناه ليلوذ بهما بعيدا , ويطبق على أذنيه حتى لا يسمع ذلك الصوت يمزق ساعات الهدوء المؤقت , لا يزال يعاني من وحدته المريرة ,يتأرجح في عتمة الليل ليسكنه الخراب يوما بعد يوم , ثم تصهره الذكريات فيفتح الباب معلنا مصالحة أخرى مع الآخرين ممن يعيشون جواره ولا يعلمون حاله , وهكذا يستمر الزمن مولدا نوعا من الود لكنه لن يكون ممتلئا بالرضا , فما تلبث أن تعيقه حالات أخرى للوجع ليعود مجددا معها ملامح أخرى للوجع القادم .
يعود ليسأل نفسه : متى ستنجلي عن سمائي هذه الغيوم السوداء¿ حتى أرى النور مجددا ,لأنطلق إلى عالم طالما انتظرت ساعاته واصطحبت معي صورته , وانحدرت معه إلى منعطف اسميته الفجر البعيد!

قد يعجبك ايضا