كثيراٍ ما نسمع عبارة (ومن الحب ما قتل) وفي قضيتنا هذه لم يكن انتحار المحب بسبب رفض اهل الحبيبة له او بسبب خيانة الفتاة او تركها له بعد قصة حب طويلة وإنما بسبب الغيرة القاتلة ومجرد الشك في سلوك الفتاة فقرر الخطيب الانتحار بعد الانتقام منها ..
تفاصيل هذه المأساة تحكيها الأسطر التالية:
منذ أول يوم استلم فيه الشاب أحمد العمل لدى إحدى المؤسسات الصغيرة وعيناه لا تفارقان النظر الى بائعة العطورات وأدوات التجميل في محل يقع أسفل مبنى حيث تستأجر المؤسسة التي يعمل فيها شقة في هذا المبنى ..
كان أحمد يتعمد الدخول الى هذا المحل بحجة الرغبة في شراء بعض العطورات ولكنه في كل مرة لا يشتري شيئا وفي الحقيقة لم تكن زيارات الشاب المتكررة لبائعة العطورات سوى محاولة للتعرف عليها والتقرب منها وإعطائها معلومة عن انه يعمل في المؤسسة التي في البناية نفسها حتى جاء اليوم الذي سألها فيه إن كانت مخطوبة او متزوجة أم لا.. فطار فرحا عندما سمعها تقول ( لست مخطوبة ولا متزوجة )..
مضت الأيام متتالية ولا يمر يوم إلا ويلتقي فيه احمد بالفتاة يَلقي عليها تحية الصباح عند حضوره الى العمل .. ويسألها ان كانت تريد شيئا لدى مغادرته وهكذا حتى احست الفتاة باهتمام هذا الشاب بها ورأت في عينية نظرات الحب والإعجاب فسعدت هي ايضا وظلت منتظرة اللحظة التي سيأتي فيها ويبوح لها بما يكنه في نفسه من حب وإعجاب.
لم تنتظر كثيرا فبعد فترة بسيطة من الزمن جاء اليها ذات يوم وهو مرتبك وخجل من امره وأخبرها أنه معجب بها منذ أول نظرة وأنه يريد التقدم لخطبتها ولم يمض سوى أسبوع حتى أعلن الشاب والفتاة خطبتهما رسميا وأصبح يلتقيها دون خوف من أحد وعاش الاثنان فترة خطوبة جميلة رائعة .. إلا أن أحمد شعر مع الأيام وطول فترة الخطوبة بأن خطيبته لم تعد تحمل له في قلبها ذلك الحب الذي اعتاده منها بداية قصتهما فكان يزورها أكثر من مرة كما اعتاد في المحل الذي تعمل فيه ويجدها مشغولة عنه مع زبائنها وهو أمر طبيعي لكن الغيرة والحب الكبير أدخلا الشك الى قلب الشاب خاصة عندما كان يراها تبتسم وتضحك للزبائن دون أي خجل أو استحياء من خطيبها الذي ينظر اليها .
كانت الفتاة ايضا تشعر بمدى انزعاج خطيبها من هذه الحركات وكانت تؤكد له كل مرة أن تعاملها مع الآخرين لا يخرج عن نطاق تعامل بائع مع زبون ولا يتعدى ذلك الا أنه لم يستطع تقبل هذا الأمر وخيرها بين التعامل بشكل رسمي مع الزبائن وعدم الابتسام لهم وبين ترك العمل .. ومن هنا بدأت المشاكل.
أصبح أحمد يراقب خطيبته في كل حركاتها داخل وخارج العمل بالقدر الذي يستطيع دون أن تعلم خاصة وأن الفتاة لم تغير شيئا في حياتها وتعاملها مع زبائن المحل الذي تعمل فيه ..ابتسامتها لهم .. ضحكاتها .. كل شيء فيها ظل كما هو عليه وذات ذهب أحمد الى العمل باكرا ولم تكن الفتاة قد حضرت بعد فظل منتظرا أيأها على مقربة من بوابة المحل ولم تمر سوى لحظات حتى فوجئ بسيارة توزيع تتبع الشركة التي يعتبر محل العطورات التي تعمل فيه خطيبته احد فروعها تقف عند باب المحل وخطيبته تخرج منها ثم انطلقت السيارة في حال سبيلها .
لم يتمالك أحمد أعصابه وذهب الى الفتاة يسألها عن صاحب السيارة ولماذا كانت راكبه معه وما علاقتها به ولماذا لم تاخذ تاكسي اجرة كما اعتادت كل صباح و..و.. الخ¿ وكانت إجابة الفتاة ان هذا الشاب زميل يعمل في الشركة الأم ويقوم بتوزيع العطورات وأدوات التجميل الى المحلات التابعة للشركة وقد التقته صدفة وقام بتوصالها في طريقه ..واخبرت خطيبها أن هذه طبيعة عملها واذا لم يكن يثق فيها فعليه فسخ الخطوبة وانهاء قصة حبهما خصوصة والأمر لا يزال في بدايته..
هذه الكلمات عززت الشكوك لدى احمد بان خطيبته لم تعد تحبه مثل السابق.. فشدد من مراقبته لها وشاهدها اكثر من مرة تصل الى عملها عى متن سيارات مختلفة وإن كانت جميعها تحمل نفس علامات الشركة التي تعمل فيها وفي كل مرة يتشاجر معها حول القضية ذاتها حتى ضاق الخناق بالفتاة فخلعت دبلة الخطوبة من اصبع يدها ورمتها في وجهه..
لم يرق لأحمد هذا الطلب وقرر الانتقام من نفسه ومن الفتاة التي يحبها في آن واحد وكذا الانتقام ممن كان سببا في ضياع حبهما وإيصالهما الى طريق مسدود ..وبعد تخطيط استمر عدة ايام تمكن الشاب من الحصول على قنبلة يدوية فأخذها في وقت مبكر من صباح احد الايام وانطلق الى المقر الرئيسي للشركة التي تعمل خطيبته فيها ,حيث تذهب صباح كل يوم لتوقيع الحضور هناك ثم تنتقل الى المحل الذي تعمل فيه .. وانتظر احمد حتى رآها على متن السيارة التي سبق وأن أحضرتها الى مكان عملها اكثر من مرة فانطلق اليها وأوقف السيارة وأمر خطيبته بالخروج منها لكنها رفضت وأنكرت معرفتها به وأمرته بالانصراف وعندها أخرج أحمد القنبلة من حقيبته ونزع صمام أمانها بأسنانه وألقاها تحت السيارة فانفجرت ولاذ هو بالفرار.. معتقدا انه قضى على خطيبته والرجل الآخر
ظل أحمد يركض وكل تفكيره حول خطيبته وكيف انتقم منها وكان يركض وهو يبكي حتى وصل الى الغرفة التي يستأجرها في احدى الحارات في الشارع الفرعي المجاور لمكان الجريمة ..
عندما تجمع رجال الشرطة والمعمل الجنائي الى مكان الحادثة وبدؤوا باخذ اقوال الفتاة اعترفت لهم بكل شيء حدث بينها وبين خطيبها وأعطتهم بياناته وعنوان الغرفة التي يسكن فيها ..فانطلق رجال الامن للبحث عنه في غرفته وحين وصلوا الى الغرفه وجدوا بابها مفتوحا فنادوا عليه طالبين منه ان يخرج ولكنه لم يرد عليهم وكرروا النداء ثم دخلوا الى غرفته وتفاجأوا به معلقا بـ”شال” في سقف الغرفة وقد أصبح جثة هامدة..
قام رجال الأمن بإنزال جثة أحمد من المشنقة التي نصبها لنفسه وانتحر بعد اعتقاده انه قتل خطيبته ونقلوا الجثة الى ثلاجة المستشفى ليتم بعد ذلك إبلاغ اهله في القرية بهذه المأساة وتسليمهم جثة ابنهم قتيل الحب..